تلاشي قاعدة سلطة النظام الإيراني

كتابات على جدران وصورة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني.
كتابات على جدران وصورة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني.

أصوات بارزة من أقرب المقربين للسلطة كانت سابقا متحدثة باسم أكثر جهات النظام تطرفا ولكنها صارت تنتقد بشدة مرشده الأعلى علي خامنئي مستفيدةً من الذكرى الأولى لوفاة جينا مهسا. استنباط علي صدر زاده.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Sadrzadeh

حلَّت الذكرى السنوية الأولى لوفاة جينا مهسا أميني وانتهت -سواء كان البعض يخشى حلولها أو يتوق إليه- في يوم لم تخرج فيه احتجاجات جماهيرية -كانت منتظرة بحماس- ناهيك عن خروج انتفاضة ثورية. فهل كان كلُّ ما كتب وقيل خلال العام الماضي 2022 عن إيران وتم توقُّع حدوثه في ذلك اليوم مجرَّد نشوة حماسية وسذاجة وتصوُّرات خيالية؟

وعلى الرغم من كلِّ الشجاعة والاستعداد لتقديم التضحيات من المعروف أنَّ الأمور لم تسر مثلما كان يأمل الكثيرون - بالرغم من وجود هذا الاستياء العميق لدى الغالبية العظمى من الشعب الإيراني تمامًا مثل عجز القائمين على السلطة عن حلّ الأزمات المتعدِّدة التي تعيشها إيران.

ومع ذلك فقد ضمنت قوة النظام الغاشمة الهدوء الظاهر في الشوارع. ولم يُسمح لأهل جينا مهسا أميني بمغادرة منزلهم في ذلك اليوم؛ وقد طوَّقت قوَّاتٌ مدجَّجة بالسلاح المقبرةَ التي دُفنت فيها ابنتهم. وتم اعتقال مئتين وسبعة عشر فردًا من أفراد عائلات المتظاهرات والمتظاهرين الذين قتلوا العام الماضي 2022. وتمكَّنت الوحدات القتالية من الحفاظ على مظهر الهدوء في الشوارع.

نظام مهتز من الداخل

غير أنَّ هناك تحوُّلًا عميقًا -وحتى ثورة- يحدث بشكل غير متوقَّع وفي أماكن أخرى ويهزُّ نظام الحكم من الداخل. "بصرف النظر عن حدوث أو عدم حدوث شيء في ذكرى وفاة جينا مهسا أميني فإنَّ رواية الجمهورية الإسلامية قد انتهت منذ فترة طويلة. وعلى الأقل ثمانون في المائة من الإيرانيين يعتبرون الحديث عن حياة أفضل ولها معنى مجرَّد كذبة كبيرة. وتحوَّل في النهاية الهتاف الصاخب باستقلال البلاد السياسي إلى خضوع تام للصين وروسيا"، مثلما قال مهدي ناصري في حوار أجري معه في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2023.

 

احتجاجات في جميع أنحاء العالم ضد النظام الإيراني -هنا في لندن- بريطانيا. Weltweit protesieren Menschen gegen dasa iranische Regime, hier in Londom; Foto: Justin Ng/Avalon/picture alliance/Photosho
احتجاجات عالمية ضدَّ النظام الإيراني: على الرغم من كلِّ التضامن الدولي والشجاعة واستعداد الإيرانيات والإيرانيين لتقديم التضحيات من المعروف أنَّ الأمور لم تَسِرْ مثلما كان يأمل الكثيرون وأنَّ النظام ما يزال مستقرًا مثل ذي قبل - بالرغم من وجود هذا الاستياء العميق لدى الغالبية العظمى من الشعب الإيراني تمامًا مثل عَجْزِ القائمين على السلطة عن حلّ الأزمات المتعدِّدة التي تعيشها إيران. في ذكرى وفاة جينا مهسا أميني ضَمِنَتْ قوةُ النظام الغاشمة الهدوء الظاهر في الشوارع.

 

لا بدّ من معرفة بعض المعلومات عن قائل هذه الكلمات من أجل التمكُّن من فهم أهميَّتها. كان مهدي ناصري في السابق أحد كبار رجال الدين والتلميذ المفضَّل لدى علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وأقوى رجل في إيران. والأهم من ذلك أنَّ علي خامنئي عيَّنه رئيسَ تحرير صحيفة گيهان اليومية التي تُعتبر داخل القيادة الإيرانية بمثابة الناطق باسم الأكثر تطرفًا من بين المتطرِّفين في الجمهورية الإسلامية.

لقد شغل مهدي ناصري الكثير من المناصب المهمة الأخرى. فقد عمل رئيسًا للجنة اختيار خطباء الجمعة في جميع أنحاء إيران وتحديد محتوى خطبهم الأسبوعية. وتولى إدارة مهرجانات سينمائية في داخل إيران وعمل في الخارج مبعوثًا وملحقًا ثقافيًا لخامنئي.

واليوم لم يعد مهدي ناصري رجل دين. فقد "خلع العمامة" بنفسه قبل أن تجبره "محكمة رجال الدين" على فعل ذلك. وبات يعتبر الآن ما يطلق عليه بالفارسية اسم "ولاية الفقيه" مسألة "غير طاهرة" من وجهة نظر دينية.

ويقول مهدي ناصري بصراحة إنَّ الإسلام السياسي قد فشل فشلًا تامًا - على الأقل في نسخته الشيعية: "إذا كان لدى إيران أي مستقبل على الإطلاق فلن يكون إلَّا في ظلّ نظام علماني مع الفصل بشكل صارم بين الدين والدولة".

الحارس السابق وحالة الطوارئ

يصف الكاتب والمحلل الإيراني البارز رحيم قمشي في حسابه على موقع تلغرام كيف بدت طهران في ذكرى وفاة جينا مهسا أميني. ومن الضروري أيضًا معرفة بعض الشيء عن هذا الكاتب لكي نتمكَّن من تقييم هذا النص وتقديره. كان رحيم قمشي في الرابعة عشرة من عمره عندما انتصرت الثورة الإسلامية.

وسارع في الانضمام إلى الوحدات التطوُّعية، أي قوات الباسيج، وشارك في الحرب ضدّ العراق وأمضى أربعة أعوام أسيرًا في سجون صدام حسين. وعمل في الحرس الثوري وأصبح قائدًا لأقسام مختلفة في الحرس. ودرس بعد الحرب العلوم السياسية. وهو معروف الآن كمؤلف ومحلل ناقد.

وفي ذكرى وفاة جينا مهسا أميني سار رحيم قمشي عبر طهران من شمالها إلى جنوبها وسجَّل ملاحظاته في مقال عنوانه "حالة طوارئ" - كتب فيه: "عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، شهدت حالة الطوارئ في عهد النظام القديم، ولكن ما رأيته اليوم في طهران كان مثل احتلال البلاد من قِبَل جيش أجنبي مدجَّج بالسلاح يريد إثبات أنَّ المقاومة عديمة الجدوى. والأشخاص الذين يرتدون الزي العسكري كانوا يشبهون روَّاد فضاء أو محاربين بملابس سوداء".

وأضاف رحيم قمشي: "لكن الأكثر إثارةً للاشمئزاز هو مظهر ’المدنيين‘ الذين كانوا يحملون أجهزتهم اللاسلكية وهراواتهم وغيرها من المعدَّات وينظرون بغطرسة واستعلاء إلى المارة وخاصةً النساء. وكان يتمشَّى أمامي على بعد بضع خطوات شاب وشابة معاً. أمروا الشاب بالاقتراب والشابة بمواصلة السير. ولكنها ظلت واقفة وقالت بشجاعة: "نحن مع بعض، إذا كان مشينا مع بعض ممنوعًا، فاعتقلوني أنا أيضًا!".

وكتب رحيم قمشي أنَّ الشابة ظلت واقفة. ودافعت عن نفسها ببسالة وشجاعة. "كان ’المدنيون‘ يدورون من حولها ويهدِّدونها ويهينونها، ولكنني شاهدتها بإعجاب كيف أنقذت الشاب. وواصل الزوجان سيرهما. ربَّما كانت شاحنات السجن ستنقل على الأرجح عدة آلاف. وفكَّرت في نفسي: أين تضيع ثروات هذا البلد".

 

المرشد الأعلى للثورة في إيران آية الله علي خامنئي. Irans Oberster Revolutionsführer Ayatollah Ali Khamenei; Foto: Fars
Lange Zeit undenkbar: Kritik an Irans Oberstem Revolutionsführer Ali Khamenei aus dem innersten Machtzirkel. „Was habt ihr mit diesem Land gemacht? Ihr sät einen solchen Hass, solchen Ekel und solche Feindschaft, um Euch zu schützen – was für ein Preis. Ihr wurdet zum besten Beispiel für alle Diktatoren und schämt euch nicht dafür. Sieht nicht einer eurer Anhänger diese Szenen und sagt euch: So verliert ihr jegliche Würde, Autorität und Ansehen?“, schreibt der prominente Autor und Analyst Rahim Qomeshi am Jahrestag des Todes von Mahsa Amini auf seinem Instagram-Account unter dem Titel „Ausnahmezustand“.

 

وعلى حسابه في إنستغرام كتب رحيم قمشي غاضبًا: "ماذا فعلتم بهذا البلد؟ أنتم تزرعون مثل هذه الكراهية والاشمئزاز ومثل هذا العداء من أجل حماية أنفسكم - يا له من ثمن. لقد أصبحتم أفضل مثال للدكتاتوريين والطغاة ولا تخجلون من ذلك. أَلا يرى أحد أتباعكم هذه المشاهد ويقول لكم: هكذا تفقدون كلَّ كرامتكم وسلطتكم وهيبتكم؟ ما هذا الحكم الديني - أم إنَّ هذه هي الحال لأنَّ الحكمَ حكمٌ دينيٌ؟ لقد نسيت أن أخبركم عن النساء الشجاعات اللواتي -بحجاب أو بدون حجاب وبرفقة والديهن أو بدونهما- يضحكن بصوت مرتفع في وجه بلطجيَّتكم. أنا كنت خائفًا ولكنهن لم يكن كذلك. ومن المؤسف أنَّه لم يُسمح لي بتصوير فيديو والتقاط صور. شجاعة النساء في ذلك اليوم استحوذت على انتباهي".

رئيس وكالة إرنا السابق يكشف عن المستور

خوف خامنئي كبير جدًا وهو حزين وحتى مكتئب وخائب الأمل وردود فعله تنبع من حالته، كما قال عبد الله ناصري قبل أسبوع من ذكرى وفاة جينا مهسا أميني. يرى عبد الله ناصري الذي عمل طيلة أربعة أعوام رئيسًا لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إيرنا) أنَّ إصلاح الجمهورية الإسلامية أمر مستحيل.

وفقط إنَّ مَنْ يعرفون إلى حدّ ما طبيعة الأنظمة السلطوية يمكنهم تقييم مدى أهمية مثل هذا التصريح. ففي النظام السلطوي لا أحد يصبح رئيس وكالة الأنباء الرسمية سوى مَنْ ينتمي إلى نواة النظام الداخلية.

قامت في ذكرى وفاة جينا مهسا أميني أربع ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة معروفات -من بينهن نرجس محمدي- بحرق حجابهن أثناء تواجدهن في الساحة خلف أسوار سجن إيفين. وهذا سبب كافٍ لإثارة مثل هذا الخوف.

 

 

علي صدر زاده

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر:ايران ژورنال / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de