"شرخ بين قيادتي إسرائيل السياسية والعسكرية"
سببت الهجمات الدموية -التي قامت بها مجموعة مسلحة تابعة لحركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023- ما يشبه الزلزال في المجتمع الإسرائيلي.
وفي بلد يُعد الجيش فيه أحد مصادر الفخر والاعتزاز الشديدين اهتزت ثقة قطاع واسع من الإسرائيليين في جيشهم، خاصة مع توغل مسلحي حماس في عمق مستوطنات غلاف غزة بلا مقاومة تُذكر تقريباً.
أيضاً أدى الهجوم إلى حدوث شرخ عميق في قناعة المواطن الإسرائيلي بقدرة أجهزة بلاده الأمنية والاستخباراتية على توفير أهم ما يبحث عنه أي مواطن في العالم وهو الأمان.
وتعد ثقة الإسرائيليين في جيشهم رصيداً اجتماعياً وقومياً ومركزياً يمكّن الجيش من حشد الدعم والموارد والأفراد، لكن عقب الأحداث الأخيرة يرى قطاع ليس بالقليل أن الحرب كشفت عن الكثير من القلق والشكوك فيما يتعلق بكيفية إدارة الجيش الإسرائيلي والصورة التي يقدم بها نفسه.
"نحتاج لاستعادة الثقة في أمننا"
بحسب ما ورد في الصحف الإسرائيلية فإن شرخاً عميقاً قد وقع بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية في إسرائيل بسبب الهجمات، لكن مسؤولين إسرائيليين أكدوا لاحقاً تحملهم مسؤولية "الفشل الأمني" في منع الأحداث.
وفي اجتماع مغلق حول الاستعداد لحالات الطوارئ، شارك فيه وزير الدفاع يوآف غالانت ومسؤولون كبار آخرون، قال قائد قيادة الجبهة الداخلية بالجيش الإسرائيلي الجنرال رافي ميلو: "لقد فشلنا في حراسة الجبهة الجنوبية. لا يمكننا إعادة الناس إلى منازلهم حتى نثبت أن الحياة في غزة قد تغيرت. وإلى أن يرى الجمهور ذلك، لن تكون هناك ثقة في أمننا"، بحسب ما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن السهولة التي دخل بها المقاتلون الفلسطينيون إلى إسرائيل تسببت في تبادل الاتهامات والغضب بين الإسرائيليين شعباً وقيادة، وثارت تساؤلات حول طبيعة وكيفية جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، وهي مسألة كانت طوال عقود مصدر فخر إسرائيلي، مع انتقادات بشأن تركيز الجيش الإسرائيلي في السنوات الماضية على قمع "التمرد الفلسطيني" في الضفة الغربية، ما جعله يخطئ في توجيه طاقاته، خاصة التأكيدات المستمرة لمسؤولين أمنيين كبار في إسرائيل مراراً وتكراراً أن حماس لا تشكل تهديداً مباشراً.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن نقاط الضعف في أمن الحدود الإسرائيلية انكشفت مع وقوع الهجوم، بعد أن كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنه أحد أكثر الأنظمة تقدمًا في العالم التي لا تقهر.
استعادة مشاهد مؤلمة من الماضي
ترك الهجوم العديد من الإسرائيليين في حالة صدمة كبيرة ، وحفلت القنوات التلفزيونية والصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة بالحديث عن ذكرى حرب أكتوبر / يوم كيبور عام 1973.
رأى العديد من الإسرائيليين أوجه تشابه بين هجوم حماس -الذي تتكشف تفاصيله شيئاً فشيئاً- وبين الأحداث التي وقعت قبل عقود حين فوجئت إسرائيل بحجم الهجوم الضخم في الواقعتين، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية.
تقول الصحيفة الأمريكية إن "توقيت الهجوم الإرهابي كان مذهلاً، حيث ضرب إسرائيل في واحدة من أصعب اللحظات في تاريخها، إذ جاء ذلك في أعقاب أشهر من القلق العميق بشأن تماسك المجتمع الإسرائيلي على إثر الأزمة التي أشعلتها جهود حكومة اليمين المتطرف للحد من سلطة القضاء".
زيادة وتيرة حمل السلاح وانعكاساتها على المجتمع
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز فإن الهجمات الفلسطينية -التي وصلت إلى قلب منازل الإسرائيليين- تسببت في تصاعد الطلب على شراء الأسلحة الشخصية في جميع أنحاء إسرائيل وسط شعور متزايد بأن عليهم أخذ حق الدفاع عن أنفسهم بأيديهم، وهو أيضاً ما أوردته صحيفة غارديان، على الرغم من أن إسرائيليين ذكروا للصحيفة البريطانية أنهم كانوا يفكرون في التخلي عن أسلحتهم لكن الآن أصبح السلاح لا يفارقهم وسط شعورٍ عامٍ بعدم الأمان.
وتشير الصحيفة إلى أن ساحات التدريب على الرماية تشهد إقبالاً غير مسبوق للتدريب على استخدام الأسلحة، فيما قللت السلطات الإسرائيلية من الوقت اللازم لإصدار تراخيص حمل السلاح لتصبح أياماً معدودة بعد أن كانت عدة أشهر قبل هجوم حماس. وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أنه تم تقديم ما يقرب من 10 آلاف طلب جديد في الأسبوع الأول فقط في أعقاب هجوم حماس.
وكان وزير الأمن القومي -السياسي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير- قد وعد بتسليم 10 آلاف قطعة سلاح مجانية للمستوطنين في الضفة الغربية كما قام بتخفيف قواعد استخراج تصاريح حمل السلاح حتى يتأهل 400 ألف شخص جديد لحمل سلاح ناري.
مخاوف من تدهور الأمن والسلم
وفي هذا الصدد تتصاعد المخاوف من تدهور الأمن والسلم الاجتماعيين في المجتمع الإسرائيلي، إذ وقعت انتهاكات من جانب مستوطنين في الضفة الغربية بحق فلسطينيين، كما تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية بحسب ما ذكر موقع تايمز أوف إسرائيل.
ونقل الموقع عن مصادر حكومية فلسطينية مقتل 122 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، كما أفاد أن معظم القتلى أصيبوا بنيران الجيش الإسرائيلي، في حين أنه في عدد قليل من الحالات قُتل فلسطينيون برصاص المستوطنين.
وفي هذا السياق أيضاً قال موقع تايمز أوف إسرائيل إن العشرات من التحقيقات تم فتحها بعد بلاغات ضد مواطنين عرب في مزاعم بالتحريض على الإرهاب وتهم مماثلة في أعقاب الهجمات، فيما اتهمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل النيابة العامة والشرطة بالفشل في كبح جماح التحريض ضد المواطنين العرب.
وحذر مقال لهيئة تحرير صحيفة هآرتس من أن "المواطنين العرب في إسرائيل قد أصبحوا في عين العاصفة، بسبب هويتهم المركبة التي تجعلهم -في نظر العديد من اليهود- مشتبهاً بهم بشكل مباشر، وتُعرضهم لمظاهر العنصرية وشهوة الانتقام".
وأضاف المقال أن "التعامل مع المواطنين العرب في إسرائيل كطابور خامس لا يقتصر على الغوغائيين الغاضبين فقط. هو شائع أيضاً في الحكومة والكنيست".
"أعيدوا الأسرى - الآن وقبل أي شيء"
وفي تطور موازٍ تصاعدت مطالبات بالإسراع في الوصول إلى اتفاق مع حماس لاستعادة الأسرى الذين احتجزهم الحركة، حيث يمثل وجود أكثر من مئتي محتجز إسرائيلي في غزة جرحاً نازفاً ومصدراً كبيراً للقلق والخوف، خاصة مع إعلان الحركة عن مقتل عدد منهم إثر القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة، وفق ما أعلنت حركة حماس.
وفي صحيفة هآرتس الاسرائيلية كتب درور مشعاني يقول إنه "ينبغي أولاً -وقبل أي شيء آخر- إعادة الأسرى والأسيرات والجثامين إلى البيت، وإخراج أسرى فلسطينيين من السجون اليوم ونقلهم بالحافلات إلى الحدود، والاقتراح على حماس استلامهم فوراً مقابل أبنائنا المُحتَجَزين هناك"، وطالب بعدم تفكيك قطاع غزة وعدم اقتحامه ولا هدم وتدمير المنازل، وإنما "أن نقيم الحِداد، ونجلس في العزاء، نضمِّد جراحنا".
ودعا الكاتب الإسرائيلي في مقاله إلى "التفكير ليس فقط في كيفية وقوع الهجوم أو كيفية تجنب الهجوم القادم، ولكن كيف نريد أن نعيش هنا مع جيراننا، وكذلك مع أعدائنا في الوقت الراهن" مشيراً إلى أنه "ربما في يوم من الأيام، إذا أرادوا واختاروا قيادة أكثر جدارة من حماس، وإذا اخترنا نحن لأنفسنا قيادة أكثر جدارة -أيضاً- فيمكن أن يكونوا جيراننا بسلام.. يجب التفكير فيما إذا كان السبيل الوحيد هو الدمار والموت مقابل الدمار والموت، وما إذا كان قد أثمر ذلك أي شيء حتى الآن".
تداعيات اقتصادية كبيرة
اقتصادياً، تحدثت عدة صحف عن تأثيرات الحرب على المجتمع والناس في إسرائيل. ولعل أبرز تلك التأثيرات هو إزاحة نحو 300 ألف إسرائيلي من قوات الاحتياط من إجمالي القوى العاملة في البلاد بعد استدعائهم للانضمام للجيش وفق ما ذكر جيسون غيفرتس في مقاله بموقع شبكة سي إن بي سي الأمريكية.
وكتب غاد ليور في صحيفة يديعوت أحرونوت أن تكلفة الحرب حتى الآن بلغت حوالي 30 مليار شيكل وسط توقعات بأن يصل العجز في ميزانية هذا العام إلى 4%، أي أربعة أضعاف ما كان مخططاً له عندما تم إقرار ميزانية الدولة قبل خمسة أشهر، نقلاً عن مسؤولين اقتصاديين في إسرائيل.
وقال الكاتب إن من البيانات التي قدمها رئيس قسم الميزانية في وزارة الخزانة -يوغيف غيردوس- يبدو أن تأثير الحرب مرتفع للغاية بالفعل بعد ثلاثة أسابيع، حيث تضرر الناتج المحلي الإجمالي بالفعل بمقدار 10 مليارات شيكل، كما كشف عن إنفاق 500 مليون شيكل على شراء أسلحة للمدنيين وتم تحويل 200 مليون شيكل حتى الآن لدعم السلطات المحلية.
وفي بداية الحرب أمرت إسرائيل شركة شيفرون بوقف الإنتاج في حقل تمار للغاز الطبيعي لتقليل التعرض للصواريخ المحتملة. وقدر خبير الطاقة أميت مور أن الإغلاق قد يكلف إسرائيل 200 مليون دولار شهريا من الإيرادات المفقودة.
وترسم المقاييس المالية صورة قاتمة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ وصلت العملة المحلية -الشيكل- إلى أدنى مستوى لها منذ 14 عاما، في حين انخفض مؤشر الأسهم القياسي بنحو 10% هذا العام.
أيضاً كان للحرب تأثير سلبي على السياحة، التي تعد قطاعًا رئيسيًا في الاقتصاد الإسرائيلي، ولعل ذلك قد اتضح في وقف عدد من خطوط الطيران العالمية لرحلاتها إلى إسرائيل فيما خفضت أخرى عدد رحلاتها خاصة في أعقاب تعرض محيط مطار بن غوريون لقصف بصواريخ حماس.
محمود حسين
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023