"القدس هي مفتاح الحل السياسي"

مستوطنون يهود يصلون على أسطح مبانٍ في البلدة القديمة بالقدس، مطلين على المدينة
من يملك هذه المدينة؟ (Photo: Picture Alliance/Anadolu | G. Samad)

السلام من خلال الاستقلال المشترك؟، تطرح الناشطتان يوديت أوبنهايمر وآمي كوهين من منظمة عير عميم الإسرائيلية غير الحكومية، رؤية جريئة لإنهاء العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين يبدأ من القدس كعاصمة مشتركة للشعبين.

حوار: يانيس هجمان, محمد مجدي

قنطرة: لا يزال وقف إطلاق النار الهش في غزة قائمًا من الناحية التقنية، لكن من الواضح أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بعيد كل البعد عن الحل. كيف يمكننا المضي قدمًا؟

يوديت أوبنهايمر: نحن بحاجة إلى إعادة إحياء مسار تفاوض سياسي حقيقي يعالج الجذور العميقة لهذا الصراع. من الضروري ضمان المساواة في الحقوق، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق أمن شامل للجميع في المنطقة. إذا فشلنا في الاعتراف بحق كل شعب في العيش بكرامة وتقرير مصيره، وعدنا ببساطة إلى الوضع القائم قبل السادس من أكتوبر/تشرين الأول، فسوف تستمر دورة سفك الدماء.

يجادل كثيرون بأن حل الدولتين قد ولى منذ زمن. هل تختلفين مع هذا الرأي؟

يوديت أوبنهايمر: حل الدولتين هو المسار الوحيد القابل للتطبيق. وحتى إذا كان حل الدولة الواحدة ممكنًا يومًا ما، فلن يتحقق إلا عبر إقامة دولتين أولا.

Yudith Oppenheimer (Foto: Qantara)
ناشطة إسرائيلية

يوديث أوبنهايمر هي مديرة منظمة "عير عميم" الإسرائيلية غير الحكومية (أي "مدينة الأمم" أو "مدينة الشعوب"). تُركز المنظمة على الوضع في القدس وتدعو إلى حل الدولتين.

لماذا؟

يوديت أوبنهايمر: الفجوات بين الشعبين واسعة للغاية، ومستويات الشيطنة والخوف وانعدام الثقة مرتفعة إلى حدٍّ يجعلني أشك في إمكانية قيام دولة واحدة مشتركة. يجب أن يعيش الفلسطينيون أولاً تجربة تقرير المصير، وأن يتمتعوا بحرية التعبير عن هويتهم وطموحاتهم السياسية. من دون ذلك، فإن حل الدولة الواحدة سيكرّس ببساطة هيمنة يهودية مستمرة. ومع ذلك، فإن رؤيتنا لا تقوم على الانفصال التام، بل على الاعتراف بالعلاقة المتبادلة والترابط المشترك بين الشعبين.

لقد عرضتِ هذه الرؤية في ورقة بعنوان "الأمل من القدس"، لماذا من القدس تحديدًا؟

يوديت أوبنهايمر: لعقودٍ طويلة، تم تهميش القدس باعتبارها "قضية من قضايا الوضع النهائي". خلال عملية أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، كانت المدينة تُعتبر معقدة للغاية وتشكل عقبة أمام أي حل، فتم تأجيلها ووضعها على الهامش.

نحن نطرح العكس تمامًا: القدس هي مفتاح الحل السياسي. لن يكون هناك حل من دون أن تكون القدس عاصمة لكلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين. ففي القدس نعيش معًا في فضاء مشترك، وإن كان مطبوعًا بقدرٍ عميق من عدم المساواة. لقد تقاسمنا هذه المدينة عبر أجيال، وعلينا أن نعترف بحق الجميع في الانتماء إليها والعيش فيها.

عمليا ماذا يعني أن تكون القدس عاصمة لكلٍّ من إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية؟

آمي كوهين: نحن نؤمن بمدينة مفتوحة من دون حواجز تقسمها إلى نصفين. يجب تفكيك البؤر الاستيطانية داخل الأحياء الفلسطينية، كما يجب أن تتمتع القدس الشرقية بتواصل عمراني طبيعي يجعلها قادرة على أداء دورها كعاصمة حقيقية. ينبغي أيضًا إنهاء حيازة المدنيين للسلاح، وضمان حرية وصول الجميع إلى الأماكن المقدسة، بدعم من هيئات دولية مثل الأردن.

يوديت أوبنهايمر: يمكن تطبيق هذا النموذج في القدس، وإذا نجح هناك، فسينجح في أماكن أخرى. في القدس، طوّر الإسرائيليون والفلسطينيون بالفعل خبرة في تقاسم الفضاءات العامة، ومؤسسات التعليم العالي، وغيرها من مقومات السلام والأمن الشامل، بما يعزز الاعتماد المتبادل والتعاون بين الجانبين.

Amy Cohen_Ir Amim (Foto: Mohammed Magdy)
ناشطة إسرائيلية

آمي كوهين مديرة العلاقات الدولية والمناصرة في منظمة "عير عميم" الإسرائيلية. عملت سابقًا في مجال التعاون الدولي ومع منظمات إغاثة مختلفة في إسرائيل والخارج، بما في ذلك منظمة "كير إنترناشونال".

أليست هذه تبدو نظرة رومانسية لحد ما للحياة بالقدس؟

يوديت أوبنهايمر: بالتأكيد لا نريد التهوين من الواقع. فالقدس الشرقية ما زالت تحت الاحتلال، وهناك فجوات هائلة بين المقدسيين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونحن ندرك تمامًا ما حدث في المدينة في ظل الحرب على غزة.

عمّ تلمّحين تحديدًا؟

آمي كوهين: الدولة مضت قدمًا في إنشاء تسع مستوطنات جديدة تضم أكثر من 20 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية. العديد منها يقع في قلب الأحياء الفلسطينية، مما يزيد من تفتيت النسيج المكاني للمدينة. هذا التطور يُكرّس واقعًا نهائيًا للصراع — واقعًا أقرب إلى الفصل العنصري أو الاحتلال، سمه ما شئت.

يُضاف إلى ذلك هدم المنازل. ففي عام 2024، شهدت القدس الشرقية أعلى عدد من عمليات الهدم المسجَّلة على الإطلاق: تم هدم 181 منزلًا فلسطينيًا، وتشريد عشرات العائلات. أما عام 2025، فهو في طريقه ليصبح ثاني أعلى عام من حيث عدد المنازل التي يتم هدمها والعائلات التي يتم تشريدها.

وهناك أيضًا عمليات قمع متزايدة للهوية الفلسطينية، مثل مداهمة المكتبات الفلسطينية واعتقال أصحابها.

ماذا تقصدين بقولك إن هذا حدث في ظل الحرب؟

آمي كوهين: من الواضح أن القدس — وكذلك الضفة الغربية — لم تحظَ بالاهتمام الكافي، حتى وإن كانت الأوضاع هناك لا يمكن مقارنتها بالمجزرة الجارية في غزة. لكن ما يحدث في مختلف الأراضي الفلسطينية يسير ضمن السياسة ذاتها: سياسة التدمير والاقتلاع، أي نزع الفلسطينيين ليس فقط من بيوتهم الخاصة لكن أيضا من وطنهم في آنٍ واحد. ورغم كل ذلك، نجحنا نحن وشركاؤنا الفلسطينيون في القدس في الحفاظ على قدر من الهدوء والتعايش المتبادل.

كيف يبدو هذا الترابط المتبادل على أرض الواقع؟

يوديت أوبنهايمر: في شوارع القدس، قد تسمع آراء متطرفة، ومع ذلك ترى الإسرائيليين يسيرون في الحدائق إلى جانب الفلسطينيين، ويركبون القطار الخفيف نفسه، ويقصدون المستشفيات التي يعالجهم فيها أطباء فلسطينيون، أو يعملون سوياً في أماكن عمل مشتركة. ما يمارسه الناس في حياتهم اليومية يمكن أن يكون قوة فاعلة في ترسيخ مفاهيم تقدمية طبيعية. ومع ذلك، فهذا وحده لا يكفي — نحن بحاجة أيضًا إلى مجتمع مدني نشط على الجانبين.

ماذا يفعل هذا المجتمع المدني حالياً؟

يوديت أوبنهايمر: بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حين خاف بعض الفلسطينيين من مغادرة منازلهم، أطلقنا منتدى للمساعدة. شملت أنشطتنا توزيع طرود غذائية، ومرافقة الناس إلى أماكن عملهم، ودعم الاحتياجات التعليمية.

آمي كوهين: مثال آخر هو تبادل اللغات. فصفوف تعليم العبرية للفلسطينيين وتعليم العربية للإسرائيليين مكتظة بالطلاب. كما توجد مبادرات نسوية تقدم الدعم في قضايا الخصوبة باللغتين.

يوديت أوبنهايمر: لكن من المهم أن نفهم أن أي شكل من أشكال التعاون أو الاعتماد المتبادل لا تحفّزه الحكومة. فالسلطات الحالية في القدس ترى أنها تستطيع المضي قدمًا بخططها لإرساء الهيمنة اليهودية.

عندما زار ترامب القدس منتصف أكتوبر/تشرين الأول، لم يذكر حل الدولتين مرة واحدة. مع ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية تترك الباب مفتوحًا أمام إقامة دولة فلسطينية...

آمي كوهين: … لكن على أساس شروط إسرائيل لحل الدولتين! خطة ترامب المكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في سبتمبر ذكرت "أفقًا سياسيًا" و"دولة فلسطينية"، لكنها لم توضح ما يعنيه ذلك بالضبط. ما يقلقني هو أن هذه المصطلحات أُدرجت فقط لترضية المجتمع الدولي والفلسطينيين، دون أي نية حقيقية للالتزام بها. ترامب يرفض التعليق على أي شيء يتعلق بالضفة الغربية أو القدس الشرقية، وهو أمر يثير قلقًا بالغًا. ما نشهده من الولايات المتحدة ليس مبادرة سلام حقيقية.

في عام 2020، تحدث ترامب وكوشنر صراحةً عن الضفة الغربية والقدس عندما اقترحوا نوعًا من حل الدولتين في "صفقة القرن".

يوديت أوبنهايمر: تلك الخطة أعادت تدوير فكرة بعض صانعي القرار الإسرائيليين بابتكار "قدس فلسطينية" خارج القدس. لذا اقترح ترامب أن تكون مدينة أبو ديس عاصمة فلسطينية—مجاورة للقدس، لكنها بعيدة عن قلبها التاريخي.

لن يقبل الفلسطينيون بذلك أبدًا. لقد كان أمرًا مهينًا ويظهر مدى عدم احترامهم للفلسطينيين كشركاء! إنه المثال الأقصى على كيف أن نهج ترامب يمثل مجرد خيال للتيار اليميني المتطرف الإسرائيلي، وهو عكس رؤيتنا تمامًا.

اعترفت مؤخرا الكثير من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية، فهل مثل هذه التحركات تعزز رؤيتك؟

يوديت أوبنهايمر: الاعتراف هو فعل رمزي، لكن الرمزية في غاية الأهمية. إنها أقوى إعلان دعم لحل الدولتين. وفي الوقت نفسه، يجب أن يتحول هذا الاعتراف إلى واقع ملموس.

ما الذي يتطلبه الأمر حقًا للتحرك نحو تسوية سياسية للصراع؟

يوديت أوبنهايمر: على الدول العربية أن تبقى منخرطة وتستخدم نفوذها مع ترامب والفلسطينيين. كما يجب على أوروبا، بما في ذلك ألمانيا بوصفها ثاني أقرب حليف لإسرائيل، أن تعمل مع الطرفين مع رسم خطوط حمراء واضحة.

لقد أعادت التطورات المريعة خلال العامين الماضيين إحياء فكرة حل الدولتين، لكن من دون إصرار دولي على الشروط الحقيقية للحل، سنجد أنفسنا عالقين مرة أخرى.

آمي كوهين: لعقود، بل وأكثر خلال العامين الماضيين، شهدنا انتهاكات متكررة للمعايير العالمية، ليس فقط فيما يتعلق بحل الدولتين، بل بالنظام العالمي عمومًا. هذا التآكل في المساءلة أدى إلى أحداث السابع من أكتوبر تشرين أول، والدمار الهائل في غزة.

نعم، هناك مسؤولية واضحة على الجانب الإسرائيلي، وكذلك على الجانب الفلسطيني. لكن في الوقت نفسه، تقع على المجتمع الدولي مسؤولية محاسبة الطرفين.

يمكنهم الضغط على الطرفين، ليس للاكتفاء بوقف إطلاق نار مؤقت فحسب، بل لإجبار إسرائيل والفلسطينيين على رسم مسار نحو عملية سياسية تؤدي إلى تقرير المصير، وضمان المساواة في الحقوق للجميع بين النهر والبحر، وفي نهاية الأمر تحقيق الاستقرار الإقليمي.

© قنطرة