زخم سياسي جديد للمعارضة الإسلامية الأردنية
أجرى الأردن الانتخابات المحلية الأولى في البلاد في 15 آب/أغسطس/ آب 2018، والتي شملت انتخابات مجالس المحافظات والبلديات والمجالس المحلية والاختيارية، وأمانة عمان التي تحكم العاصمة.
وقد سُمِّيت الانتخابات رسمياً "انتخابات اللامركزية" في مسعى لإيجاد حل لتركّز الثروة والسلطة السياسية في العاصمة. بيد أن هيكلية القانونَين اللذين ينظّمان هذه اللامركزية أثارا تشكيكاً لدى الرأي العام انعكس في تدنّي نسبة الاقتراع – التي بلغت 32 في المئة كما أُفيد – ومردّ هذه الشكوك إلى التساؤل حول مدى قدرة هذه الانتخابات على نقل السلطة فعلياً من قبضة الحكومة المركزية.
كما أن تدنّي نسبة الاقتراع جلبت معها تعزيز حظوظ الإسلاميين، ما منح الإخوان المسلمين منبراً ينتقدون الحكومة عبره، الأمر الذي قد يكون له في نهاية المطاف تأثير أكبر من اللامركزية المنشودة.
تشكيك في قانونَي اللامركزية الأردنيَّين
أُقِرّت الهيكلية القانونية للامركزية في العام 2015، عن طريق قانونَين اثنين – قانون اللامركزية الذي ينظّم الانتخابات وسلطات حكومات المحافظات التي أنشئت حديثاً، وقانون البلديات الذي ينظّم المجالس البلدية في العاصمة وسواها من المدن والبلدات.
كانت الحكومة تتولى في السابق تعيين المجالس البلدية والمخاتير. وقد روّج المسؤولون للهيكلية الاتحادية الجديدة كوسيلة تتيح للأردنيين أن يكون لهم رأيٌ أكبر في تحديد آلية حكمهم عبر السماح للمسؤولين المحليين المنتخبين بتأدية دور في اتخاذ القرارات حول كيفية إنفاق أموال الاستثمارات الرأسمالية على التنمية.
في يوم الانتخابات، شرح مراد الشنيكات، وهو أستاذ في جامعة البلقاء، عبر أحد البرامج على القناة التلفزيونية الرسمية، بأنه ستكون للمسؤولين المحليين الآن "سلطة واسعة جداً، تحديداً في مجالات التخطيط والنمو والتمويل".
من حيث المبدأ، يبدو أن قانون اللامركزية يمنح المسؤولين المحليين دوراً واسعاً. تنص المادة الثالثة على تشكيل "مجلس تنفيذي" في كل محافظة، برئاسة المحافظ، على أن يكون هذا الأخير مسؤولاً عن الإشراف على تنفيذ "السياسة العامة في الدولة"، والتعامل مع الحالات الطارئة، وحماية الأملاك العامة، مثلاً، كما أنه مخوَّل بالموافقة على نشر القوى الأمنية المحلية مع أنه لا يتمتع بسيطرة أمنية مباشرة.
للمجلس التنفيذي سلطات إضافية، أهمها إعداد موازنة المحافظة ومقترحات للاستثمار الرأسمالي. وينص القانون أيضاً على تشكيل مجالس محافظات جديدة، على أن يتم تعيين 15 في المئة من أعضائها من قبل الحكومة وانتخاب الباقين، وهي تتمتع بسلطات تشريعية وإشرافية تتيح فرض ضوابط على المجالس التنفيذية.
"تفويض السلطة المحلية محدد وأضعف مما تدعيه الحكومة"
غير أن تفويض السلطة المحلية محدَّد على نطاق ضيّق، وتؤشّر ثلاثة عناصر في التشريعات إلى أن دور تلك المجالس سيكون أضعف مما يدّعيه ممثّلو الحكومة.
ففي حين أنه بإمكان المجالس المذكورة إعداد مقترحات للإنفاق الرأسمالي، تبقى السيطرة على الوزارات الأمنية والمدنية على السواء (مثل وزارتَي التعليم والصحة) في قبضة العاصمة.
كما أنه يُفرَض أن تكون الموازنات والمقترحات "ضمن المعايير التي وضعها قسم الموازنة في وزارة المالية". وفي حالة المجلس التنفيذي، لا تكتفي الحكومة بتعيين جزء منه، بل تقوم بتعيين كامل أعضائه – المحافظ ونائبه ومديري الأقضية ومديري المديريات التنفيذية المحلية التابعة لكل وزارة، فضلاً عن ثلاثة مديرين تنفيذيين للبلديات. ولا يمنح القانون أيضاً المجالس سلطة جمع الإيرادات، مثلاً عن طريق الضرائب أو الرسوم، ما يجعلها تعتمد على الحكومة المركزية.
ينص قانون البلديات، الذي ينظّم عمل المجالس البلدية و"المجالس المحلية" المخصصة للمناطق الأصغر حجماً من البلدية، على منح صلاحيات تشريعية محدودة للسلطات المحلية مماثلة لتلك المنصوص عليها في قانون اللامركزية.
من خصائص القانون الأساسية أن المادة الثالثة التي تنظّم عمل أمانة عمان الكبرى، تمنح الحكومة حق تعيين أمين عمان أي عمدتها و25 في المئة من أعضاء المجلس، فيما يجري اختيار الأعضاء الـ75 في المئة الباقين عن طريق الانتخاب. في حين أن هذا القانون لم يتطرق بالتفصيل إلى توزيع مقاعد المجالس في كل محافظة، وقد أصدرت الحكومة قائمة من عشر صفحات بجميع الدوائر الانتخابية المحلية والبلدية في شباط/ فبراير 2017.
سبب آخر لغياب الحماسة الشعبية لـ"الانتخابات اللامركزية"
إلى جانب المحدوديات المفروضة بموجب الأحكام القانونية الرسمية، قد يساهم عاملان إضافيان في تفسير غياب الحماسة الشعبية لـ"الانتخابات اللامركزية".
أولاً، تستند صلاحيات السلطات المحلية إلى تفويض صلاحيات برلمانية لتلك السلطات، مع العلم بأن هذه الصلاحيات هي في الأصل محدودة إلى درجة كبيرة. ليست للبرلمان سلطة اقتراح مشاريع قوانين، فهذه الصلاحية حكرٌ على الحكومة دون سواها، وأي تعديلات يجريها مجلس النواب يمكن إبطالها في مجلس الشيوخ الذي يعيّنه العاهل الأردني بكامل أعضائه.
على سبيل المثال، أُقِرّت موازنة 2017 وتحوّلت إلى قانون بالصيغة نفسها التي قدّمتها الحكومة إلى مجلس الأمة ومن دون أن يطرأ أي تعديل عليها. بناءً عليه، فإن "السلطات" الممنوحة إلى المسؤولين المحليين قد تجعلهم بمثابة مجالس استشارية محلية لا أكثر.
"افتقار المجالس المحلية إلى الاستقلالية المادية"
علاوةً على ذلك، تفتقر مجالس المحافظات والمجالس المحلية إلى الاستقلالية المادية. فعدم قدرتها على تحصيل الضرائب يحرمها من السلطة المالية الحقيقية التي تُعتبَر ضرورية من أجل الحصول على الشرعية السياسية.
هذا فضلاً عن أن إجمالي النفقات التشغيلية في الموازنة الوطنية تخطّت بفارق بسيط مجموع الإيرادات الحكومية في العام 2017، ما يعني أن قدرة الدولة على الانخراط في أي إنفاق رأسمالي تتوقّف على المساعدات الخارجية أو القروض المضمونة من الخارج.
حتى إن هناك احتمالاً أقل بحصول المجالس في المدن على التمويل، فالأموال التي تنفقها الحكومة تذهب في معظمها إلى المناطق الريفية لدعم القاعدة القبلية للنظام الملكي – وكان لهذا العامل تأثيرٌ إضافي في تدنّي التوقعات من المجالس في المدن التي تسكنها أكثرية من الفلسطينيين، والتي شهدت انخفاضاً شديداً في نسبة الاقتراع، مع 16 في المئة فقط في عمان و20 في المئة في الزرقاء.
"المرة الأولى التي يُجري فيها الأردن انتخابات محلية" فعلية؟
بلغت نسبة الاقتراع نحو 31 إلى 32 في المئة في مختلف أنحاء المملكة، بالمقارنة مع 37 في المئة في الانتخابات الوطنية العام الماضي (2016). لدى سؤال رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب، خالد الكلالدة، إذا كانت الانتخابات قد "تكللت بالنجاح"، شدّد على أنها المرة الأولى التي يُجري فيها الأردن انتخابات محلية، وفي حين تمنّى لو أن نسبة الاقتراع كانت أعلى، أشار إلى أن غياب الإثباتات الدامغة على حدوث تزوير هو دليل على نجاحها.
وقد كانت النتائج أقرب إلى تكرار لنتائج الانتخابات الوطنية العام الماضي 2016. من بين المقاعد القليلة التي فازت بها القوائم الحزبية، نال الإسلاميون أكثرية متواضعة في ميدان شديد الانقسام، في حين أن الغالبية الكبرى من المقاعد حصلت عليها مجموعة من المرشحين القبليين المستقلين. وقد ادّعى التحالف الوطني للإصلاح، أي القائمة المدعومة من جبهة العمل الإسلامي التابعة للإخوان المسلمين والتي ضمّت مرشحين قبليين متحالفين معهم، فوز 78 من أصل 154 مرشحاً من التحالف.
اختار التحالف الوطني للإصلاح الترشح فقط في المناطق حيث اعتبر أنه يملك الحظ الأوفر بالفوز، لا سيما في المدن ذات الأكثرية الفلسطينية، ما يعني أنه لم يتنافس سوى على جزء من مجموع المقاعد على مستوى البلاد. كان التنافس على 22 مقعداً في أمانة عمان، وقد ترشح التحالف عن 12 مقعداً وفاز بخمسة منها.
بحسب مراد العضايلة، رئيس المكتب الانتخابي في التحالف الوطني للإصلاح، فاز التحالف بـ41 مقعداً من أصل 88 مقعداً خاض منافسة عليها في المجالس المحلية، وبـ25 من أصل 48 مقعداً في مجالس المحافظات. كذلك فاز التحالف الوطني للإصلاح بثلاثة مخاتير من أصل ستة مقاعد تنافس عليها في انتخابات المخاتير، أبزرها مقعد المختار في الزرقاء، ثاني أكبر مدينة في الأردن، حيث انتُخِب علي أبو صقر، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، مختاراً – وبما أن مختار عمان (المدينة الأكبر) يجري اختياره عن طريق التعيين وليس الانتخاب، فهذا يعني وجود شخصية إسلامية في المنصب الأبرز المنتخَب مباشرةً من الشعب في البلاد.
في غضون ذلك، ادّعى حزب الوسط الإسلامي الداعِم للحكومة، وهو الخصم الأساسي للتحالف الوطني للإصلاح، فوزه بـ33 مقعداً، بينها 3 مقاعد في انتخابات المخاتير، وخمسة مقاعد في أمانة عمان، و16 مقعداً في المجالس البلدية، وتسعة مقاعد في مجالس المحافظات أو المجالس المحلية.
مرشحون للانتخابات على أساس شخصي أو قبلي وليس على أساس برنامج حزبي
الغالبية الكبرى من المقاعد فاز بها مرشحون تقدّموا للانتخابات على أساس شخصي أو قبلي، وليس انطلاقاً من برنامج حزبي. لفت عبد الرحيم المعيا، رئيس مجلس الأعمال الأردني-التركي، عند تشكيل القوائم الانتخابية، إلى أن الحملات استندت إلى "المصلحة الشخصية" وليس إلى البرامج الانتخابية.
ومع ورود النتائج، كتبت صحيفة "الغد" أن نحو 85 في المئة من جميع المقاعد فاز بها المرشحون القبليون، بحسب تقديراتها. بما أن القوائم الإسلامية تضمّنت مرشحين قبليين متحالفين مع الإسلاميين، يتداخل هذا الرقم مع الأرقام الواردة أعلاه. في حين أن نتائج الانتخابات الرسمية تعرّف عن الفائزين بأسمائهم وليس بحسب الأحزاب التي ينتمون إليها، لم تدّعِ أي قائمة أخرى الفوز.
في الانتخابات البرلمانية في 20 أيلول/سبتمبر 2016، فاز التحالف الوطني للإصلاح بـ11.6 في المئة من الأصوات في الدوائر الانتخابية التي خاض منافسة فيها، وهكذا فإن نجاحه في الفوز بنحو نصف المقاعد التي تنافس عليها في الانتخابات الأخيرة يؤشّر إلى تحسّن طفيف في نتائجه.
إذاً وفي حين أن السلطات المحلية قد لا تكون على قدر التوقعات التي روّج لها المخططون في الحكومة، إلا أنه من شأنها أن تمنح المعارضة الإسلامية منبراً تستطيع استخدامه لانتقاد الحكومة المركزية عندما تُحجَب الأموال عن مشاريعها المقترحة للاستثمار الرأسمالي.
وفي حال خُصِّصت الأموال اللازمة لهذه المشاريع، بإمكان السلطات المحلية أن تنسب لنفسها الفضل في التنمية التي ستتحقق عن طريق تلك الأموال. في الحالتَين، غالب الظن أن الانتخابات لن تشكّل محطة فاصلة في آلية عمل الدولة، لكنها قد تمنح الإخوان المسلمين صفة المعارضة غير الرسمية التي لطالما كانوا يصبون إليها.
كيرك سويل
حقوق النشر: صدى 2017
كيرك سويل محلل متخصص في الشؤون السياسية ومراقِب مخضرم للسياسة الأردنية.