المسلمون كبش فداء للعنصرية الجديدة في ألمانيا وأوروبا؟
"الجدل حول الإسلام: أين ينتهي التسامح؟"، "استبعاد الإسلام ودمج المسلمين - هل هذا ممكن؟"، "بيتهوفن أم البُرْقُع". هذه ثلاثة عناوين إبداعية أكثر أو أقل، بات يدور تحتها في الآونة الأخيرة نقاشٌ في برامج حوارية ألمانية حول موضوع يُعتبر موضوعًا ساخنًا. "سلطة المسجد"، "الحرب المقدَّسة في أوروبا"، وبالطبع "ألمانيا تُلغي نفسها": هي ثلاثة عناوين لكتب تتناول الموضوع نفسه. وإجمالًا يصل عدد مثل هذه المنشورات المشابهة إلى الآلاف. ولذلك بات من الصعب بطبيعة الحال العثور دائمًا على عناوين جديدة. إذا نظرنا بصدق فإنَّ جميع هذه البرامج والكتب والمقالات والمُدوَّنات والخُطَب يمكن إدراجها تحت عنوان واحد: "مسألة المسلمين". لقد تفاقم هذا الموضوع متحولا إلى الهاجس الألماني والغربي في بدايات القرن الحادي والعشرين. المضامين الأساسية لجميع هذه المنشورات واضحة وبالإمكان تلخيصها بسرعة كبيرة: هجرة المسلمين إلى ألمانيا وأوروبا تُهدِّد الأمن والازدهار، والمسلمون لا يندمجون مع دولتنا ومجتمعنا، فهم يستغلُّون أنظمتنا الاجتماعية، ويجلبون معهم نظامًا من القيم المناقضة لنظام قيمنا، ويشكِّلون بالتالي "مجتمعات موازية"، المسلمون يتكاثرون بسرعة لأنَّ وظيفة المرأة المسلمة تقتصر على الإنجاب، الإسلام أساسًا ومنذ البداية مرتبطٌ بالعنف، "وعندما نفكِّر في كلّ ذلك حتى النهاية"، يتَّضح أنَّ الهدف من سلوك المسلمين هذا هو: إقامة "خلافة عالمية".
السير مع تيار اليمينيين الشعبويين المدافعون عن هذه الأطروحات لديهم بطبيعة الحال تعليمات جاهزة. وعن السؤال حول "ما الذي يجب فعله؟" لديهم إجابات قصيرة وواضحة: يجب إيقاف هجرة المسلمين إلى أوروبا وألمانيا، بالكامل، ويجب ترحيل المهاجرين الوافدين بشكل عشوائي وغير شرعي -مع التركيز على العام الكارثي 2015- بأكبر أعداد ممكنة، ويجب -على جميع المستويات السياسية والإدارية والقضائية- إفهام المسلمين أنَّهم غير مرحَّب بهم في أوروبا. هذه الآراء المتطرِّفة أصبحت في هذه الأثناء واسعة الانتشار في المجتمع الألماني. ويمثِّل كلٌّ من حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحركة "أوروبيون وطنيون ضدَّ أسلمة الغرب" (بيغيدا) أكثر المتحدِّثين حول ذلك صخبًا، وإثارةً للضجيج. لقد حوَّل حزب البديل من أجل ألمانيا برلمانات الولايات الألمانية والبرلمان الاتِّحادي (بوندستاغ) إلى مسرح للجدل حول "مسألة المسلمين". وبذلك يُحقِّق هذا الحزب القومي المتطرِّف نجاحًا. يمكن ملاحظة هذا النجاح ليس فقط في ارتفاع نسبة شعبية هذا الحزب في استطلاعات الرأي، بل وأكثر من ذلك في تبني جميع الأحزاب الأخرى بعض وجهات نظر ومطالب حزب البديل من أجل ألمانيا: ابتداءً من الحزبين المسيحيين الديمقراطي والاجتماعي (CDU/CSU)، ومرورا بالحزب الليبرالي الألماني (FDP) والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD) وحتى حزبي الخضر واليسار. فمن أجل وقف صعود حزب البديل من أجل ألمانيا القومي، ها هي الأحزاب الألمانية الراسخة من جانبها باتت تجعل من المواقف القومية مواقف خاصة بها، وخصوصاً تحالف الحزبين المسيحيين في الائتلاف الحاكم. يحدث في ألمانيا تغيير هائل مدفوع من قِبَل مناوؤي المسلمين، الذين يدَّعون أنَّ مجموعة المسلمين تشكِّل القسم الأكثر إثارة للمشاكل من بين المهاجرين (أمَّا "أبناء العمَّال الفيتناميين المقيمين في ألمانيا من عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية [الشيوعية] فلا يمثِّلون أية مشكلة")، مثلما قال تيلو زاراتسين، وهو سياسي متقاعد من الحزب الديمقراطي الاشتراكي يُعَدُّ أكبر محفِّز للحركة المناوئة للمسلمين في ألمانيا. في هذا الصيف يريد زاراتسين نشر كتاب جديد، عنوانه: "استيلاء عدائي - كيف يعرقل الإسلامُ التقدُّمَ ويهدِّد المجتمع".وهنا يحقُّ لنا أن نسأل: إلى أي مدى على العموم يشكَّل "المسلمون" المهاجرون إلى ألمانيا مجموعةً اجتماعية. هناك أسباب كثيرة تدحض ذلك. ولكن الحديث هنا لا يدور حول ذلك. ولا يدور أيضًا حول السؤال عن الدور الذي يلعبه "الإسلام" في تشكيل الجماعات "الجهادية" المستعدة لاستخدام العنف ونشاطاتها القاتلة. حول كلا السؤالين توجد منشورات كثيرة، تم إعداد وتحقيق بعضها بشكل جيِّد. "انتقاد الإسلام" كرمز ثقافي هنا يتعلَّق الأمر بحقيقة أنَّ "انتقاد الإسلام" في ألمانيا اليوم بات على وشك أن يصبح رمزًا ثقافيًا، تتَّفق عليه دوائر آخذة في الاتِّساع باستمرار من شرائح المواطنين الألمان الكبيرة والصغيرة، وهي طبقة المجتمع المتوسطة الشهيرة.
يجب على مَنْ يرغب في تكوين صورة عن هذه العملية أن يشاهد ظهور يوليا كلوكنر (الوزيرة الألمانية الاتِّحادية للأغذية والزراعة) في برنامج حواري حول "مسألة المسلمين". عندما تقوم السيِّدة كلوكنر -وهي عضوة رئاسة حزب الاتِّحاد الديمقراطي المسيحي شعرها مُسَرَّح مثل راشيل من المسلسل الأمريكي "أصدقاء"- بمناقشة هيمنة الرجال المسلمين، يحصل المرء على فكرة عمَّا يمكن أن يكون عليه شكل التمرُّد الملائم للمجتمع في ألمانيا مطلع القرن الحادي والعشرين. وكبديل بالإمكان الاختلاط مع جمهور "المالكين" في سماع قراءة من كتاب السياسي الألماني السابق تيلو زاراتسين، أو حجز تذاكر للمسرحية الخَرْقاء المأخوذة عن الرواية الفرنسية الرائعة "إخضاع" (Soumission) في المسرح الألماني في هامبورغ. الاختلافات في الذوق كثيرة ومتنوِّعة، ولكنها تضغط دائمًا على نفس "العصب"، ويجمع فيها الجمهور ببطء ولكن بثبات مخزونًا قويًا من المعرفة الناقدة للإسلام. هذا هاجسٌ ألماني قديم. ففي عام 1879 ابتهج المؤرِّخ الألماني هاينريش فون ترايتشكه حول "التغيير العميق"، الذي كان يحدث لدى الشعب الألماني. كان هناك فيضٌ من الكتابات المعادية لليهود "يغمر سوق الكتب" الألمانية، مثلما كتب في مقالته الشهيرة التي حملت عنوان "آفاقنا" ضمن النشرة السنوية البروسية. وأضاف أنَّ "الجمعيات المعادية للسامية" باتت تتوحَّد وأنَّ "المسألة اليهودية تتم مناقشتها في اجتماعات مفعمة بالحيوية". لم يرَ هذا المُفكَّر الألماني المنحدر من الطبقة العليا في الإمبراطورية القيصرية الألمانية وجود "فظاظة غوغائية" هنا في هذا العمل، بل لقد أكَّد أنَّ "غريزة الجماهير" قد كشفت عن وجود "خطر كبير" يُهدِّد "الحياة الألمانية". في تلك الحقبة لم يكن كافيًا أنَّ اليهود كانوا قد استقروا بالفعل في ألمانيا. كان يأتي المزيد منهم من الخارج "من المهد البولندي"، مثلما كتب هاينريش فون ترايتشكه. وحتى أنَّ رفيقه العقائدي، أوتو بوكِل قد حدَّد خلف شرقي حدود الإبراطورية الألمانية وجود "مهبل يهودي كبير" [إشارة إلى ارتفاع نسبة الولادة لدى اليهود]. معاداة السامية مقبولة اجتماعيًا بناءً على ذلك فإنَّ ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر كانت تواجه "المسألة اليهودية". وكان [يُقال إن] اليهود يهدِّدون بانحلال البلاد وتفسُّخها، من أجل امتصاص خيراتها والسيطرة عليها. ولفترة طويلة [كما كان يُقال] لم يكن بوسع الناس أن يقولوا أي شيء ضدَّ ذلك، لأنَّ اليهود كانوا يسيطرون على الصحافة. غير أنَّ غريزة البقاء [كما كان يُعتَقَد] استيقظت لدى الألمان وبدأت المعركة. كانت "معاداة السامية" و"معارضة اليهود" مصطلحات تستخدم بشكل إيجابي. وكانت هذه الآراء تحظى بمباركة موضوعية وعلمية. وكان العلماء والباحثون يستمدون بدقة طبيعة "اليهودي الأبدي" من التلمود. كذلك كانت هناك آلاف التحذيرات من أنَّ اليهود يستغلون مساواتهم أمام القانون والتحرُّر من أجل إخضاع الألمان في النهاية وفرض سيطرتهم على العالم. "المسألة اليهودية" كانت تتغذَّى على قناعة الألمان بأنَّهم سيصبحون ضحايا لقوة طاغية، يجب على المرء التصدِّي لها. كانت الطبقة الوسطى الألمانية تجمع مخزونًا من "المعارف المعادية للسامية"، مثلما عبَّر عن ذلك عالم الاجتماع جان واياند. وفي نهاية المطاف باتت المشاعر المعادية لليهود جزءًا من النبرة الجيِّدة في المجتمع البرجوازي. أصبحت معاداة السامية رمزًا ثقافيًا، وكانت جزءًا من "التعليم". وكانت مرتبطة بالحركة القومية الألمانية أكثر مما يمكن أن يكون عليه في أي وقت حال الإسلام بألمانيا في الأحلام المتعدِّدة الثقافات الأكثر قتامة. لقد أشار باحثون مثل فولفغانغ بنتس وميشا برومليك إلى أوجه التشابه بين معاداة السامية الألمانية في القرن التاسع عشر وانتقاد الإسلامي الألماني في مطلع القرن الحادي والعشرين. هناك أوجه تشابه هيكلية. ومن جديد أصبحت سيناريوهات إخضاع الألمان هاجس الكثير منهم. إلى أين يقود ذلك؟ المستشرق بول دي لاغارد، الذي كان توماس مان لا يزال يعتبره في عام 1918 واحدًا من أعظم الألمان، قال عن اليهود عندما كتب في عام 1887: "لا تفاوُض مع الديدان الشعرية والبكتيريا، فالديدان الشعرية والبكتيريا لا يمكن تربيتها، بل تتم إبادتها سريعاً وجذرياً بأقصى قدر ممكن".
إلى أين سيقود انتقاد الإسلام؟ ما من شكّ في أنَّ الهولوكوست لم يكن ممكنا من دون الإعداد الإيديولوجي طيلة سنوات. فإلى أين سيقود نقد الإسلام؟ يجب أن يتم حلّ مسألة المسلمين بطريقة ما. من المعروف أنَّ التاريخ لا يُعيد نفسه. لا سيما وأنَّ التاريخ يمنع أية دعوة صريحة من أجل "الإبادة". ولكن من المعروف أيضًا أنَّه عندما يشتعل "الصراع من أجل الوجود" بشكل كامل، لا تكون مبرِّرات القتل الجماعي وإباحاته الواقعية بعيدة تماماً. وبحسب الاعتقاد المنتشر اليوم فإنَّ التماسك الاجتماعي الداخلي لا يحتمل المزيد من المهاجرين المسلمين. في الأسابيع الماضية غرق بحسب التقديرات نحو ألف شخص في البحر الأبيض المتوسط، حيث قام حرسُ الحدود الأوروبي بمنع طائرة استطلاع وعدة سفن -كان بإمكانها أن تنقذ هؤلاء الأشخاص- من تنفيذ مهماتها. لم يتم طرح أي سؤال حول الشعور بالذنب. إذ إنَّ الغالبية العظمى من المواطنين الأوروبيين مقتنعون بضرورة القيام بهذا العمل. شتيفان بوخنترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de يعمل المؤلف شتيفان بوخن كصحفي تلفزيوني لبرنامج بانوراما لدى القناة الأولى الألمانية ARD.