مجرد عملية تجميل في ضوء تسونامي الثورات العربية؟
يعيش المغرب منذ عشرة أيام على إيقاع حملة انتخابية تسبق الاستفتاء حول الدستور الذي تقدم به الملك. وقد أدى الحراك السياسي الذي رافق طرح هذا المشروع للاستفتاء إلى انقسام الشارع المغربي، الذي تحول في الفترة الأخيرة إلى ساحة لاستعراض العضلات بين مؤيدين لما تقدم به القصر في المغرب من إصلاحات وبين معارضين يطالبون بالمزيد.
فالأمر يتعلق بأول استفتاء شعبي يشهده المغرب في عهد الملك محمد السادس الذي تولى الملك قبل 12 سنة. أما موضوع الاستفتاء فهو التصويت على أول دستور يقدمه الملك، الذي ظل يحكم بدستور ورثه عن والده يعود تاريخ وضعه إلى بداية السبعينات من القرن الماضي قبل أن يعرف بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليه على مر السنين وكان آخرها تعديل 1996.
الدستور المقترح بصفته هدية ملكية
لذلك نزل الملك بكل ثقله وطلب من الشعب أن يصوت لصالح المشروع الجديد. وخلف الملك اصطفت أغلب الأحزاب والنقابات التقليدية، والكثير من الأحزاب التي توصف في المغرب بـ"الإدارية"، أي تلك الأحزاب التي يقول المغاربة إن السلطة كانت وراء إنشائها ودعمها وتقويتها لتقف في وجه المعارضات التي يفرزها الشارع في كل مرحلة تاريخية من مراحل وعيه السياسي.
وإلى جانب أصحاب هذا الطرح نجد أيضا المؤسسة الدينية الممثلة في مجلس العلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والكثير من الزوايا الصوفية التي لا تخفي ولائها للسلطة. بالإضافة إلى التيار المتنامي للحركة السلفية في المغرب صاحبة المواقف الغامضة تجاه مشروع الدولة والمجتمع، الذي ما زالت عناصر متطرفة محسوبة على هذا التيار تعاديه وتحاربه، فيما يحاول بعض شيوخه تقديم أنفسهم حلفاءً للنظام يمكن أن يعتمد عليهم في مواجهة التيارات اليسارية والعلمانية.
وبالنسبة لأصحاب هذا الطرح، وأغلبهم من الأحزاب والنقابات التي لم يسبق لها أن طالبت بأية إصلاحات تذكر، فإن مشروع الدستور الجديد كاف لإحداث الإصلاحات المطلوبة في المغرب. وبالتالي فأصحاب هذا الطرح يرون فيما تقدم به الملك من اقتراحات لتعديل الدستور هي بمثابة "هدية ملكية"، لا يجب رفضها وإنما يجب قبولها مع التعبير عن كل الشكر والامتنان الواجب لصاحبها في مثل هذه الحالة.
الدستور المقترح عملية تجميل
وعلى الطرف النقيض، أي في صف المعارضين لمشروع الدستور، نجد طيفا من الأحزاب اليسارية والعلمانية الصغيرة، التي كانت دائما تطالب بإصلاحات ديمقراطية، ولا ترى في المشروع الجديد ما يؤسس لنظام ديمقراطي.
وإلى جانب هذه الأحزاب، تقف أكبر جماعة إسلامية محظورة هي جماعة "العدل والإحسان"، وحزب إسلامي صغير غير معترف به هو "حزب الأمة". وهذا الكشكول المعارض، الذي يجمع تيارات متناقضة يسارية وعلمانية وإسلامية، كان دائما موجودا على الساحة السياسية المغربية، وعرف بمواقفه المعارضة للنظام، لكن الجديد اليوم هو التفافهم حول فكرة واحدة وهي مقاطعة الاستفتاء على الدستور.
لكن ما يعطي لهذا الائتلاف زخمه هو وقوفه خلف حركة 20 فبراير الشبابية، فهذه الحركة، التي كانت وراء الحراك الذي يشهده المجتمع المغربي، تأثرت بما يحدث في محيطه العربي، وهي التي كانت وراء دفع القصر إلى تقديم الإصلاحات المطروحة اليوم على الاستفتاء الشعبي.
ورغم قصر عمرها، حيث لم يمض على خروجها إلى الوجود أكثر من ستة أشهر، نجحت هذه الحركة في إعادة النقاش السياسي إلى صلب اهتمامات الشارع المغربي. وعلى مدى عدة أسابيع دفعت بآلاف المواطنين للنزول إلى الشارع من أجل رفع مطالب سياسية، فيما اعتادت الأحزاب والنقابات التقليدية على استغلال مطالب الشارع الاجتماعية للضغط على السلطة لتحقيق مطالبها السياسية.
"ملكية برلمانية" يسود فيها الملك ولا يحكم
أما اليوم فإن مطالب الشارع، على الأقل تلك التي تعبر عنها حركة 20 فبراير، هي ذات طبيعة سياسية محضة تتحدث عن "ملكية برلمانية" يسود فيها الملك ولا يحكم، وعن محاكمة الفساد والمفسدين وعن سن قوانين تضع حدا لسياسة الإفلات من العقاب، وفسح مجال الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، ورفع يد الدولة عن وسائل الإعلام العمومية، وتوفير مناخ إيجابي عبر حزمة إجراءات تساعد على خلق انفراج سياسي داخل المجتمع من خلال إطلاق سراح المعتقلين، الذين أدينوا في محاكمات تعتقد الكثير من الهيئات الحقوقية المستقلة بأنها كانت ذات طابع سياسي، أو لها علاقة بالنشر كقضية مدير جريدة "المساء"، الذي أدين في الفترة الأخيرة بالسجن النافذ سنة كاملة.
كما أن أصحاب هذا المعسكر لا يرون في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء سوى "عملية تجميل" للدستور القديم، الذي كرس الحكم المطلق للملك. وينطلقون من اعتبار هذه اللحظة، التي انفتح فيها القصر على مطالب الشارع، بمثابة فرصة تاريخية أملتها الحالة الثورية التي عمت أكثر من دولة عربية، وبالتالي فهي قد لاتتكرر في المستقبل القريب. ومن هنا يأتي إصرار أصحاب هذا الطرح على المطالبة بإصلاحات ديمقراطية حقيقية "هنا والآن" كما يقولون، لأنهم يرون في الإصلاحات المقدمة من قبل القصر مجرد محاولة لتنفيس الاحتقان داخل المجتمع بهدف تهدئة الشارع في انتظار أن تتراجع أمواج "تسونامي الثورات العربية".
الرهان الأكبر
وعلى بعد يومين من الاستفتاء على الدستور، بات المشهد السياسي في المغرب واضحا، فمشروع الدستور الجديد سيحظى بأغلبية المصوتين، لسبب واضح هو أن أغلبية المقترعين هم من الداعين إلى تبني هذا المشروع، كما أن الرافضين له اختاروا مقاطعة الاستفتاء حوله كموقف سياسي يجسد رفضهم للعبة سياسية يعتقدون أن قواعدها ما زالت غير سليمة. لذلك فإن الرهان الأكبر في هذا الاستحقاق سيتمثل في نسبة المشاركة. فالسلطات تريد أن تعطي للتصويت مغزى سياسيا يجسد ما يسمى بـ"الإجماع المغربي" حول النظام الملكي. أما معارضو الدستور فيريدون من خلال مقاطعتهم للإستفاء، بعث رسالة إلى القصر من أجل حثه على البحث عن توافقات سياسية جديدة تتجاوز الأحزاب الموالية له لتشمل الشارع الذي لم يتحول إلى قوة سياسية قائمة بذاتها فحسب، بل إنه يعتبر اليوم في الحالة المغربية، والحالة العربية عموما، المحدد الرئيسي في رسم إرادة الشعوب واستشراف مستقبلها.
علي أنوزلا
مراجعة: لؤي المدهون
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011
علي أنوزلا إعلامي مغربي معروف ومدير موقع "لكم.كوم"
http://lakome.com