"صفقة القرن بين العرب وإسرائيل هدفها تصفية القضية الفلسطينية"
السيد حسن نافعة، نبدأ الحوار من مصر التي شهدت حزنا عميقا وغاضبا بعد مقتل 305 شخصا [نوفمبر/ تشرين الثاني 2017] أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة في قرية الروضة في شمال سيناء. ما تعليقك على حادث استهداف المصلين في مسجد الروضة، خاصة أنه كان هدفا لتنظيم الدولة الإسلامية بسبب ارتباطه بالصوفية وذكر التنظيم نيته في استهداف هذا المسجد في نشرة خاصة به "النبأ" منذ عام؟
حسن نافعة: لم يعلن أي تنظيم رسميا [حتى تاريخ إجراء هذا الحوار] مسؤوليته عن هذه الجريمة الكبرى، ربما بسبب بشاعتها، فهي جريمة تسيء كثيرا إلى مرتكبها بأكثر بكثير مما تؤدي إلى زعزعة ثقة الناس في النظام الحاكم، ولست متأكدا من أن هذا المسجد بالذات استهدف بسبب ارتباطه بالصوفية، وإن كنت لا أستبعد أن تكون إثارة الفتنة المذهبية من بين أهداف التنظيم، فالمسلمون المصريون يصلون في كل المساجد وخلف أي إمام ولا يفرقون بين المساجد أو يصنفوها بحسب مذاهب أو عقائد مؤسسيها. وراح ضحية الحادث حوالي ثلاثين طفلا ليس بوسعهم أن يفرقوا بين مذهب وآخر.
وأعتقد أن هذا الحادث كاشف لأمور ثلاثة على جانب كبير جدا من الخطورة: الأمر الأول: أنه لا حدود لحجم ما يمكن أن تصل إليه الجماعات الإرهابية من بشاعة. فالكل مستهدف: المسلمون والمسيحيون، الشيعة والسنة، السلفيون والجهاديون والمتصوفون. النساء والأطفال والشيوخ، وليس الرجال فقط، الجوامع والكنائس...إلخ. ولم يعد مستبعدا الآن أن تقع حوادث مماثلة من الآن فصاعدا في المدارس والأسواق وفي كل الأماكن التي يتجمع فيها الناس.
الأمر الثاني: أن النظام الحاكم في مصر بات عاجزا تماما عن مواجهة ظاهرة التطرف المركبة والمتشعبة الجذور.
فلا هو قادر على الحد من انتشارها، بسبب عدم كفاءة الأجهزة الأمنية التي تتصدى لها. فمجزرة مسجد الروضة وقعت في منطقة مواجهة مع الإرهابيين، أو في مكان لا يبعد كثيرا عن ساحة المواجهة المباشرة، وفيما يتعلق بهذا الحادث بالذات كان ينبغي على الأجهزة الأمنية، مهما تكن محدودية كفاءتها الفنية، أن تضع هذا المسجد وما شابهه من أماكن عامة، خصوصا أثناء صلوات الجُمَع والأعياد، في نطاق الأهداف الرخوة التي يسهل استهدافها من جانب الجماعات الإرهابية، وهو ما لم يحدث. وهناك قصور واضح في المعلومات وفي كفاءة الأجهزة الاستخباراتية.
ولا النظام قادر أيضا على معالجة الظاهرة من جذورها بسبب افتقاره للرؤية السياسية والفكرية واعتماده فقط على الوسائل الأمنية في مواجهتها.
الأمر الثالث: أن المجتمع المصري بات محشورا بين قوتين غاشمتين يقطعان الطريق على أي تحول ديمقراطي: الجماعات الدينية التكفيرية التي تحمل السلاح ليس فقط في وجه النظام وإنما في وجه المجتمع أيضا وكل من يخالفها في الرأي، والمؤسسة العسكرية التي تحكم بسطوة الأجهزة الأمنية وتخنق المجتمع المدني والحياة السياسية برمتها.
لماذا تسمي البحث عن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية بـ"اللهاث وراء سراب التسوية"؟
حسن نافعة: البحث عن التسوية بدأ منذ زيارة السادات للقدس، أي منذ 40 عاما وكان لافتا للنظر أن إسرائيل وحدها هي التي تحتفل بهذه الزيارة ولم يحتفل بها أحد آخر في العالم العربي. فعندما يُقدِم رئيس أكبر دولة عربية على الذهاب إلى القدس التي أعلنتها إسرائيل عاصمة لها، ويلقي خطابا في الكنيست يعبّر فيه عن قناعته واستعداده التام للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة، كان يجب على إسرائيل أن تغتنم الفرصة وأن تعمل بشكل جاد للتوصل إلى مثل هذه التسوية. غير أن إسرائيل تعاملت مع مبادرة السادات باعتبارها دليل ضعف وليس قوة واستخدمت في مواجهتها استراتيجية تقوم على "إدارة الأزمة" وليس "حل الصراع"، لذا ما زال العالم العربي يلهث واء تسوية شاملة وعادلة لم تتحقق بعد رغم مرور 40 عاما على زيارة القدس. فطالما أن موازين القوة تميل لصالح إسرائيل ستظل هذه الأخيرة تعتقد أن بإمكانها أن تحصل من العرب غدا على تنازلات أكبر مما كانوا على استعداد لتقديمها بالأمس.
لذا فهي لا تبدو في عجلة من أمرها لتحقيق السلام ولديها مشروع لم يكتمل بعد، فهي تريد الاستيلاء على كل فلسطين وأجزاء من دول عربية أخرى، وهي تصر على تحقيق هذا المشروع. السلام الذي مازال العرب يلهثون وراء إسرائيل لتمنحه لهم بعد 40 عاما من زيارة القدس هو نوع من اللهث وراء السراب. فالسلام الشامل والعادل لن يتحقق إلا إذا تمكن العرب أولا من تصحيح الخلل القائم في موازين القوة بينهم وبين إسرائيل.
هناك حديث يتردد كثيرا منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في أنه يعد لصفقة كبرى يطلق عليها صفقة القرن. فما هي؟
حسن نافعة: الخطوط العريضة لهذه الصفقة لم تتضح بالكامل بعد، وما نعرفه عنها مجرد تسريبات صحفية لا نعلم مدى دقتها، وآخر الصحف التي تحدثت عنها كانت إسرائيلية وكشفت عن أن الصفقة المطروحة تطرح اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية بلا حدود جغرافية واضحة، والتسليم ببقاء وعدم إزالة المستوطنات الإسرائيلية القائمة حاليا، خصوصا المستوطنات الرئيسية الكبرى المحيطة بمدينة القدس، والتسليم بحق إسرائيل في التواجد عسكريا في غور نهر الأردن، والقبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكنهم ومنحهم جنسية الدول التي يعيشون فيها مقابل تعويضات مالية، وتأجيل البحث في الوضع النهائي لمدينة القدس وبعض القضايا الشائكة الأخرى كالمياه وغيرها.
وإذا صح ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية أستطيع أن أقول لك إن التسوية بهذه الشروط غير قابلة للتحقيق، ولن يستطيع أي نظام عربي أو السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية، حتى ولو كانت في أضعف حالاتها، أن يقبل بمثل هذه الشروط كاساس للتسوية.
على ماذا تراهن إسرائيل للقبول؟
حسن نافعة: إسرائيل تراهن على العداء المتصاعد بين السعودية وإيران، وهي تريد أن تستثمر هذا العداء للتطبيع مع السعودية وربما مع بقية دول الخليج قبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
وتراهن إسرائيل أيضا على كراهية إدارة ترامب للنظام الإيراني الذي يرى فيه الخطر الأكبر؛ ووجود رجل مثل ترامب على رأس الإدارة الأمريكية في ظل استعداد السعودية، خاصة تحت قيادة محمد بن سلمان للتعاون مع إسرائيل بل وحتى للتحالف معها في مواجهة إيران يتيح أمام إسرائيل فرصة ذهبية للانقضاض على الد أعدائها: إيران وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة.
أنا أتصور أن "صفقة القرن" التي يتم التجهيز لها الآن لا يمكن أن تمر إلا إذا تمكنت الولايات المتحدة وإسرائيل من إزاحة أهم العقبات التي تعترض هذه الصفقة وهي: حزب الله؛ الذي يعتبر أحد أعداء إسرائيل الأشداء، والنظام الإيراني؛ الداعم الرئيسي لحزب الله خصوصا وأن النظام السوري والذي كانت تمر عبر أراضيه كل أنواع الأسلحة الإيرانية ضَعُف تماما بسبب تطورات الأزمة السورية وهذا يفسر لنا لماذا حدث التصعيد مؤخرا على الجبهة اللبنانية.
فقد أجبرت السعودية سعد الحريري على الاستقالة على أمل إحداث أزمة داخلية في لبنان يمكن في ثناياها توجيه ضربة لحزب الله وتصفيته عسكريا أو الضغط عليه سياسيا إلى الدرجة التي تسمح بمحاصرة وتجميد سلاحه تمهيدا لنزعه بالكامل من خلال معادلة سياسية يصبح فيها الطرف الأضعف. وإذا نجح هذا المخطط فلن يكون أمام إيران سوى الاختيار بين أحد أمرين كلاهما مر: الموافقة على تمرير "صفقة القرن" أو تعريض نفسها لضربة عسكرية بعد التخلص من سلاح حزب الله أو شل قدرته على الفعل، وبهذه الطريقة يمكن "قصقصة" أجنحة إيران كلها.
لا أستبعد أن تتمكن إسرائيل من استدراج الولايات المتحدة في عهد ترامب أو حتى ابتزازها للسير في هذا الاتجاه وتبني تلك الاستراتيجية الخطيرة. غير أنه يبدو واضحا أن الذين يريدون تجربة السير على هذا الطريق لم يتعلموا شيئا من مسار الصراع العربي الإسرائيلي خلال الأربعين عاما السابقة، ذلك أنني أشك كثيرا في قدرة إسرائيل أو حتى في قدرة الولايات المتحدة على إجبار الفلسطينيين على قبول تسوية لا يرغبون بها وخصوصا إذا كانت هذه التسوية ستفضي إلى دولة شكلية تمكن إسرائيل من أن تصيح القوة المهيمنة الوحيدة على منطقة الشرق الأوسط برمتها وبالذات على العالم العربي.
لكن يبرز الدور المصري في محاولة إنهاء المصالحة سريعا واستضافة شخصيات من حركة حماس التي كانت تعدها العدو الأكبر على الحدود الشرقية وكانت المخابرات المصرية خلف هذه المصالحة؟
حسن نافعة: ملف القضية الفلسطينية في يد الأجهزة الأمنية منذ فترة طويلة جدا، فعمر سليمان مدير المخابرات المصرية الأسبق كان هو المسؤول عن إدارة هذا الملف في عهد مبارك، وبالتالي لم يتغير شيئا على هذا الصعيد. ما تغير هو النظام الذي يحكم مصر حاليا الذي جاء بعد ثورتين.. فكما تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من سرقة ثورة 25 يناير المسلمين، أظن أن جماعة المصالح المرتبطة بالنظام القديم، والتي تقودها المؤسسة العسكرية المصرية الآن، تمكنت من سرقة ثورة 30 يونيو وبالتالي أعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير، غير أن النظام الحالي ليس استنساخا من نظام مبارك. فالأخير كان يقوده رجل حارب إسرائيل في 1973، أما السيسي فلم يشترك في أي حرب ضدها، ووصل إلى السلطة في مرحلة تواجه مصر فيها أزمة اقتصادية طاحنة وتحديات أمنية خطيرة جدا.
ويبدو أن الأرضية أصبحت ممهدة تماما في المنطقة الآن لتشكيل تحالف مصري سعودي إماراتي تقوده إسرائيل. فعلاقة مصر بإسرائيل لم تكن أقوى في يوم من الأيام مما هي عليه الآن، ولم تكن السعودية والإمارات أقرب إلى إسرائيل في أي مرحلة سابقة مما هما عليه الآن.
أليس هناك تقاطع في المصالح بالنسبة لمصر مع السعودية في عدد من الملفات؟
حسن نافعة: علاقة مصر بالسعودية قوية ولكنها تعتمد فقط على الدعم المالي ولكن هناك خلافات في ملفات كثيرة، وهذا واضح في كيفية إدارة أزمة اليمن على سبيل المثال، فالسعودية كانت تتمنى أن تكون مصر شريكا أكثر نشاطا في الحرب وربما داعم بقوات على الأرض في الميدان، غير أن مصر اكتفت بتواجد بحري في منطقة باب المندب وهي مدخل طبيعي لقناة السويس وهذا أمر يمكن فهمه من منظور الأمن الوطني المصري، ورفضت مصر المشاركة الفعلية في الحرب سواء بطائرات أو قوات على الأرض. أيضا الخلاف بين مصر والسعودية واضح في سوريا.
فمصر ضد انهيار مؤسسات الدولة وهي تعتبر أن الجيش هو عماد الدولة، وإذا انهارت المؤسسة العسكرية فسوف تتفتت الدولة، الأمر الذي سيشكل خطرا كبيرا على المشرق العربي ككل وبالتالي على الأمن المصري. فمصر معنية بوحدة سوريا أكثر مما هي معنية برحيل أو ببقاء بشار الأسد. فالنظام الحاكم في سوريا لا يختلف كثيرا من حيث النوع عن النظم السياسية السائدة في العالم العربي، فجميعها مستبدة.
ولماذا هذا الخلاف مع السعودية من وجهة نظرك؟
حسن نافعة: أعتقد أن هناك إحساسا مصريا بأن تغييرا عميقا يحدث في السعودية ويتعامل مع الأزمات بقدر من الاندفاع وبالتالي هناك حذر من الانخراط وراء القيادة السعودية، ومصر تأنف بطبيعتها عن أن تصبح أداة أو تابعة لكن علاقة مصر مع إسرائيل تختلف، فمصر تدرك أن لإسرائيل تاثيرا كبيرا على الولايات المتحدة كدولة، أيا كان شكل الإدارة الحاكمة، وبالتالي هي تربط دائما مستوى تحسن علاقتها مع الولايات المتحدة بمستوى تحسن علاقتها بإسرائيل لكن في المرحلة الحالية يبدو هناك محاولة لإيجاد تحالف سني في مواجهة إيران تنخرط فيه إسرائيل لتصفية النظام الإيراني وإزاحة كل العقبات التي تعترض السياسة الأمريكية في المنطقة، يصعب التكهن إن كانت إسرائيل والولايات المتحدة سينجحان في مسعاهما.
لكن صفقة القرن تندرج في هذا السياق. أي سياق إنضاج الوضع في المنطقة كي تصبح الظروف ملائمة لإدماج إسرائيل فيها عبر تحالفات تتعامل مع إيران، وليس مع إسرائيل، باعتبارها العدو ومصدر التهديد الرئيسي في المنطقة. ففي هذه الحالة فقط يصبح بالإمكان تطبّيع علاقة إسرائيل مع عدد من الدول العربية، في مقدمتها السعودية، دون أن تضطر إلى الانسحاب من كل الأراضي المحتلة.
وإذا حدث ذلك فلن تجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام أمر واقع وستجد أن كل الطرق أمامها مغلقة فيما عدا طريق وحيد لن يفتح إلا بعد القبول بكل المطالب الإسرائيلية والأمريكية. لذا يمكن القول إن الدور المصري في إجراء المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية يأتي في هذا السياق.
فالجميع يدرك أنه لن يكون بالإمكان تمرير أي صفقة، سواء جيدة أو غير جيدة، بدون وجود حكومة فلسطينية موحدة، والحكومة الفلسطينية الموحدة التي تدير القطاع والضفة الغربية هي حكومة تديرها السلطة الفلسطينية، ودور حماس تراجع أو انزوى، وبالتالي يمكن استغلال هذا الوضع إسرائيليا ببدء عملية التفاوض مع السلطة من جديد، الأمر الذي يحدث الآن بمساعدة نشطة من مصر التي تحاول أن تلعب هذا الدور منذ فترة ليست بالقصيرة.
لاحظ هنا أن السيسي، حتى قبل إتمام المصالحة بفترة طويلة، كان قد عبر علنا عن رغبته في تحويل السلام البارد إلى سلام دافئ وذهب لمقابلة نتيناهو في العقبة مع الملك الأردني وبالتالي يتم إعادة تدفئة وتسخين العلاقات العربية الإسرائيلية.
وحتى موضوع جزيرتي تيران وصنافير. تم توظيفه واستخدامه لكي يكون بابا يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل لأن نقل تبعية السيادة على الجزيرتين إلى السعودية معناه التزام الأخيرة رسميا وكتابة بنفس الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في المعاهدة المصرية الإسرائيلية فيما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في المنطقة "ج"، فنقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية يعني أن هذه الأخيرة أصبحت طرفا مباشرا في المعاهدة، ومن خلال وثيقة رسمية موقع عليها من أعلى سلطة فيها. الأخطر من ذلك أن نقل الجزيرتين إلى السعودية يؤدي إلى تدويل خليج العقبة وبالتالي سيخرج بالكامل عن السيادة المصرية وسيصبح من حق إسرائيل المرور عبر هذه المياه باعتبارها مياها دولية، أما قبل ذلك فكان المضيق جزءا من الأراضي المصرية، وبالتالي لا تستطيع إسرائيل أن تمر فيه إلا من خلال موافقة مصر على منحها "حق المرور البريء" عبر مياه يعتبرها القانون الدولي (قانون البحار) جزءا من الإقليم المصري.
وهل مصر متوافقة مع السعودية بشان الحرب على إيران؟
حسن نافعة: مصر لا تريد فتنة طائفية في المنطقة ولا تريد صراعا سنيا شيعيا، وهي ربما تختلف عن السعودية في هذا الشأن. فالسعودية تنظر إلى الصراع مع إيران أنه طائفي، أما مصر فتنظر إلى الطموحات الإيرانية في المنطقة باعتبارها طموحات قومية؛ ربما تكون لدى إيران أطماع أو أحلام امبراطورية، لكن ليس بسبب كونها شيعية أو غير شيعية؛ فمصر ليس لديها خلاف مع الشيعة كطائفة؛ وأخت الملك فاروق، وهي سنية، تزوجت من شاه إيران الشيعي في فترة من الفترات.
إذاً، أنت ترى أن مصر تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير بهدف فتح طريق غير مباشر للتطبيع بين السعودية وإسرائيل لأن الأولى تريد الأخيرة في حربها مع إيران؟
حسن نافعة: التنازل عن الجزيرتين سمح بإقناع إسرائيل بأن السعودية أصبحت جاهزة الآن للتطبيع والتعامل مع إيران باعتبار أنها العدو الرئيسي. وربما تكون إسرائيل هي نفسها التي خططت لإخراج المسألة بهذه الطريقة التي توحي بأن هناك تمهيدا لتحالف عربي إسرائيلي أمريكي يحاول إزالة الخطر الإيراني. بصرف النظر عن كونه خطرا قوميا، كما تراه مصر، أو خطرا مذهبيا، كما تراه السعودية، وإسرائيل تعمل منذ لحظة وجودها على تفتيت هذه المنطقة وتعتبر أن تحويل الدول الكبرى إلى دويلات طائفية أمر يخدم الأمن الإسرائيلي بمعناه المطلق.
فإسرائيل تعتقد أن التفوق العسكري على الدول العربية مجتمعة، والتي تمثل 40 ضعف وزنها الديمغرافي، هو أمر مؤقت ويصعب الاحتفاظ به، خصوصا إذا تمكنت الدول العربية من تحقيق شكل ما من أشكال الوحدة. إذاً أمنها المطلق يتحقق في حالة واحدة فقط؛ وهو نجاحها في تفتيت الدول العربية الكبرى إلى دويلات طائفية متصارعة ومتناحرة، وأظن أن إسرائيل نجحت في تحقيق هذا الهدف تماما، بمساعدة الولايات المتحدة والغرب، وجهل العالم العربي وحمقه وغفلته.
تحدثت عن صفقة القرن وتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل. هنا لا بد من الحديث عن الشعوب من هذا. إذا كانت هناك تفاهمات والشعوب غير موافقة فعند حدوث ثورة مثلا فلن تصمد هذه الاتفاقيات ولن يستمر التطبيع؟
حسن نافعة: عن أي شعوب تتحدث يا سيدي. إذا كانت الشعوب تحارب نفسها في الداخل. السنة يحاربون الشيعة وهما معا يحاربون الأكراد. وفريق 14 آذار يحارب فريق 7 آذار. والحروب الأهلية ذات الطابع المذهبي أو العرقي أو السياسي مشتعلة في العديد من الدول العربية. والنظام في مصر يحارب جماعة الإخوان أو يعتقل الآلاف من الجماعة ومن كل المختلفين معه في الرأي ويضعهم في السجون. الدول العربية تبدو مشغولة بأوضاعها الداخلية، وبالتالي الشعوب مشغولة. الدول الرئيسية مثل مصر مشغولة بلقمة العيش؛ فملاين المواطنين لا يستطيعون أن يجدو حياة كريمة حقيقة فكيف تطلب منهم أن يفكرو في الصراع العربي الإسرائيلي أو مستقبله.
العالم العربي يمر بأسوأ فتراته وبالتالي النظم العربية أيضا مشغولة في المحافظة على بقائها ووجودها وعلى استمرارها وليس هناك ما يشغلها على مستوى الأمن القومي أو العربي أو الوحدة العربية، كما أن الجامعة العربية في أضعف حالاتها وهذه هي فرصة إسرائيل والولايات المتحدة أن تستغل حالة الضعف الكبيرة التي عليها العالم العربي الآن لتمرير صفقة يقال إنها صفقة القرن، ولكنها في حقيقتها صفقة لتصفية القضية الفلسطينية وليس لتسوية القضية الفلسطينية.
رأينا مصر تدخل على خط أزمة الحريري وأيضا في أزمة سوريا، فتعقد الاتفاقيات بشأن مناطق خفض التوتر. فهل مصر تحاول أن تلعب دور الوسيط؟
حسن نافعة: لا أظن ذلك. فمصر تواجه أزمات داخلية ولا تزال منكفئة على نفسها وتتعرض لتهديدات كثيرة جدا من مصادر مختلفة في الداخل والخارج. فهناك دولة فاشلة على حدودها الغربية هي ليبيا التي يتدفق منها السلاح والجماعات الإرهابية على مصر.
وهناك إثيوبيا التي تصر على بناء سد النهضة دون أن تأخذ المصالح المصرية في اعتبارها. فاكتمال بناء السد يهدد بأزمة مائية خطيرة في مصر، الأمر الذي يشكل أكبر تهديد للأمن الوطني المصري، ولم تقدم إثيوبيا حتى الآن ما من شأنه إزالة المخاوف المصرية.
وتسرّب الجماعات الإرهابية إلى سيناء يشكل أيضا تهديدا خطيرا لأمن مصر الوطني. لذا يمكن القول إن مصر ليست معنية بالبحث لنفسها عن دور تلعبه في الأزمة السورية أو في غيرها من الأزمات، لكنها تخشى من إدارة الأزمة السورية بطريقة تهدد أمنها الوطني، وهو ما قد يحدث إذا أدت الأوضاع إلى انهيار الدولة السورية لأن ذلك سيفتح الطريق أمام مسلسل تفتيت المنطقة برمتها.
وبالتالي يمكن القول إن مصر تتحرك من منطلق العمل على سد الثغرات، فهي تتعاون مع إسرائيل للبحث عن تسوية للقضية الفلسطينية، وتحاول مع إثيوبيا من خلال المفاوضات ومن خلال دفع الأطراف الأخرى لأن تتفهم حقيقة المشكلة، وتحاول أن تبحث عن تسوية في ليبيا لا تؤدي إلى أن تصبح الجماعات الإرهابية أو حتى جماعة الإخوان جزءا من الحكومة.
إذاً مصر لا تطرح نفسها كوسيط ولا يهمها أن تلعب دور الوسيط ولا تملك مقومات الوسيط، فهي ضعيفة ولا تزال غير قادرة على امتلاك كل الموارد الاقتصادية التي تمكنها من لعب دور حقيقي وكبير. مصر ليست في وضع يسمح لها بقيادة المنطقة في هذه المرحلة وبالتالي كل ما تستطيع أن تفعله وتحاول أن تفعله هو سد الثغرات في جدار أمنها الوطني.
منذ أيام قليلة تابعنا اجتماع المعارضة السورية في الرياض. وكانت عبارة عن ثلاث منصات موسكو والرياض والقاهرة. ما مدى الدور العربي حاليا في الأزمة السورية؟
حسن نافعة: لا توجد دولة عربية الآن لديها القدرة على حسم الصراع أو حتى لعب دور رئيسي فيه. هناك دول عربية قد تكون قادرة على لعب دور مساعد هنا أو هناك لتسهيل حلول معينة، لكن القوى التي تملك بناصية التسوية الآن هي روسيا وإيران وتركيا.
والمؤتمر الذي حدث قبل أيام هو مؤتمر هدفه تكريس نفوذ هذه القوى السياسية الثلاث على الأرض السورية. هذه الدول التي تملك القوة العسكرية وأيضا لديها مقدرة اقتصادية ستؤثر في شكل التسوية السياسية القادمة، حتى الولايات المتحدة دورها تضاءل ولكنها تعود الآن لتبحث لنفسها عن دور، لكن يبدو أنه لن يمكنه العودة إلا بالتوافق مع روسيا وليس ضدها.
أليست أمريكا هي من تراجعت فسمحت لروسيا بتعاظم دورها؟
حسن نافعة: هي لم تسمح او تتراجع بمحض إرادتها وإنما تم لي ذراعها. هي كانت قد قررت ألا تشارك مرة أخرى بقوات كبيرة في أزمات المنطقة، واستطاعت روسيا أن تستغل الأزمة السورية للرد على السياسات الغربية التي استهدفت حصارها إقليميا، خاصة في جورجيا وفي أوكرانيا. وبالتالي هي تدافع عن أمنها الوطني في سوريا، وهذا صراع كوني ليس له علاقة بخصوصية الأزمة السورية. الدور الروسي في الأزمة السورية له علاقة بفكرة الهيمنة على النظام الدولي ومن يتقدم على رقعة الشطرنج الدولية.
وكيف ستنتهي الأزمة السورية من وجهة نظرك؟
حسن نافعة: أخطر ما يمكن أن تنتهي إليه الأزمة السورية هو التقسيم؛ فإذا وقع التقسيم في سوريا ستبدأ في لبنان على الفور أزمة تنتهي بتقسيمه أيضا، وستنتقل عدوى التقسيم أيضا إلى دول أخرى مجاورة فورا. وهذا أمر يخشى منه الجميع، وسوف تلاحظ هنا أن كل الدول المؤثرة حاليا على مسار الأزمة السورية، خاصة إيران وتركيا وروسيا، اتفقت على الوقوف ضد سيناريو التقسيم، وعملت على منع الأكراد الذين هم حلفاء الأمريكان من الانفصال. وكان الأكراد يعتقدون أن الأمريكان سيقفون في ظهرهم تماما.
وبالتالي تمت إعادة النضال الكردي الذي استهدف إقامة دولة كردية كبرى في المنطقة إلى نقطة الصفر بعد أن كانوا قد قطعوا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، لكن لا تزال تركيا معنية بموضوع الأكراد، فمشكلتها الرئيسية في سوريا هي منع قيام دولة كردية على حدودها مع سوريا؛ لأن هذا يهدد تركيا نفسها بالتفكك في المستقبل.
بالنسبة لعلاقات مصر مع أوروبا. هل ترى أن أوروبا أصبحت تقبل بالأمر الواقع وتراجع اهتمامها تماما بحقوق الإنسان ونجح السيسي في استمالة الدول الأوروبية؟
حسن نافعة: أوروبا شأنها شأن كل الدول الأخرى تتعامل مع الأمر الواقع وتبحث عن مصالحها في المقام الأول، وأوروبا تواجه مأزقا كبيرا، ليس فقط بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن هناك قضية المهاجرين الذين يتدفقون عليها، وهناك صعود لليمين المتطرف داخل أوروبا، وهناك الإرهاب الذي يضربها بين الحين والآخر.
وفي ظل هذه الأزمات المفتوحة والنظام الدولي غير المستقر، يمكن أن تكون مصر مفيدة جدا لأوروبا، مفيدة في معالجة قضية المهاجرين وقضية الإرهاب، وبالتالي موضوع حقوق الإنسان أصبح يحتل مرتبة أقل في التفكير الأوروبي خاصة مع إبرام صفقات سلاح ضخمة مع مصر تستفيد منها، وطالما أنها قادرة على إبرام صفقات تجارية تفيد أوروبا فسوف تستمر في التعامل مع النظام لكن إذا واجه النظام تحديا شعبيا خطيرا يهدده بالسقوط فلن تهرع أوروبا للدفاع عنه، لذا يمكن القول إن السيسي نجح بالفعل في استمالة الدول الأوروبية.
ولم يكن هناك في الحقيقة تناقض كبير بين مصر وأوروبا عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، بل إن التناقض بين مصر والولايات المتحدة كان أكبر بكثير من التناقض مع أوروربا، والتناقض مع إفريقيا كان أكبر من الاثنين في البداية. فالاتحاد الإفريقي ذهب في علاقاته مع مصر إلى حد تجميد عضويتها في البداية ثم، ومع قدرة النظام على تثبيت أقدامه في الداخل، عادت مصر إلى عضوية الاتحاد وبدأت تنشط من جديد على الساحة الأفريقية.
شهور قليلة وتنطلق انتخابات الرئاسة المصرية. ولا نشعر بأن هناك أي انتخابات قادمة. ما تعليقك؟
حسن نافعة: لا يريد السيسي انتخابات حقيقية والأرجح أن يتمكن السيسي من الحصول على فترة ولاية ثانية مدتها أربع سنوات أخرى، لكن الطريقة التي سيتم بها إخراج الانتخابات القادمة ستؤثر على شرعيته كثيرا خلال فترة الولاية الثانية، وستفتح الطريق إما إلى تخفيف حدة التوتر في الأزمة السياسية القائمة في مصر حاليا، خصوصا إذا جرت انتخابات صحيحة نجح فيها السيسي بنسبة معقولة وهو أمر لا يبدو واردا أو محتملا، لكن إذا زُوِّرت الانتخابات تزويرا كبيرا وجرت بمثل الانتخابات السابقة على طريقة 97% هذا سيكون معناه بداية التأسيس لمزيد من الأزمات في المستقبل في مصر.
الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون مهمة من زاوية أنها ستكون كاشفة لنوايا النظام ولحجم ما قد يتمتع به من شرعية في الداخل. نجاح السيسي بنسبة تقترب من مائة في المائة سيضعف النظام في الداخل والخارج، وسيفتح بابا جديدا للأزمات في مصر.
حاوره: مصطفى هاشم
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017