ندوة أممية: مواجهة الإرهاب تتوجب مقاربة عالمية
في يوم رمضاني ساخن حار كحرارة العنف في بعض دولنا العربية وفي قاعة مكتظة بالحضور من سفراء وممثلي الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وممثلين عن هيئات ومنظمات المجتمع المدني ورجال القرطاس والقلم من أكاديميين وإعلاميين، انطلقت أشغال ندوة النقاش المبرمجة تحت عنوان "التخلص من التشدد، وسبل دحر التطرف العنيف".
الشباب المحبط والمهمش هو من يتبنى اليوم التطرف العنيف وتمتصه سوق الإرهاب العالمية
و في مستهل كلمته عبر الوزير الإماراتي الأسبق، ورئيس مركز جنيف، الدكتور حنيف القاسم عن بالغ تقديره للحضور على قبولهم المشاركة في هذه الفعالية الجانبية على هامش الدورة الــ 32 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قائلا :"إننا نجتمع هنا اليوم لمناقشة موضوع يندرج في قلب القضايا الراهنة وهو "التخلص من التشدد أو سبل دحر التطرف العنيف".[embed:render:embedded:node:24255]
وقد اقتضى هذا الموضوع اتخاذ مبادرة جاءت في حينها من طرف الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة الفدرالية السويسرية لعقد اجتماع وزاري يومي 7 و8 نيسان/ أبريل الماضي"، مذكرا بما جاء في كلمة ديدييه بور كهالتر، المستشار الفدرالي السويسري، في كلمته الافتتاحية أمام مؤتمر جنيف بشأن "منع التطرف العنيف - الطريق إلى الأمام" يوم 8 أبريل الماضي: "نحن بحاجة إلى فهم أكثر وضوحا بشأن هذه الظاهرة التي نواجهها حتى نتمكن من التعاطي مع العوامل التي تجذب الناس - خاصة الشباب - الانزلاق في أحضان التطرف العنيف ".
ويهدف النقاش الراهن، حسب الدكتور حنيف "إلى محاولة تقديم إجابة على انشغال الوزير وإلى التموضع داخل "الطريق إلى الأمام" من خلال تعميق إدراكنا لهذه الظاهرة"، متسائلا، بقوله: "هل التشدد هو المشكلة؟" فقد وُجدت أحزاب متشددة في الغرب وفي مناطق أخرى من العالم منذ القدم.
وعندما ينجح المتشددون فهم يشكلون حكومات عصرية، ويصبحون بالتالي جزءًا لا يتجزأ من عملية سياسية سليمة. لذلك "ينبغي التمييز بين هذا الصنف من التشدد وغيره من الجماعات الفوضوية أو الإرهابية"، لأن التشدد شيء مختلف. "من يتبنى اليوم التطرف العنيف هو الشباب المحبط أو المهمش الذي تمتصه سوق الإرهاب العالمية".
التطرف العنيف ليس سوى جزء من الحكاية
إن التحدي في مثل هذه الحالة ليس فقط التشدد – على حد تعبيره – "بل هو بالأحرى محاولة فهم دوافع التطرف العنيف سواء كان مرتبطا بالتشدد أم لا"، مركزا على أن هناك اليوم إقرار عالمي "بحقيقة أن الوقاية هي أمر أساسي، وأن فرض احترام القوانين بحيث تتماشى مع حقوق الانسان وإن كان يشكل عاملا محوريا لمعالجة التطرف العنيف، فهو ليس سوى جزء من الحكاية.، على حد قوله، خاتما كلمته بما جاء في الاستنتاجات المشتركة لرئيسي مؤتمر جنيف في 8 أبريل الماضي وهي أن "التطرف العنيف والإرهاب لا يمكن ولا ينبغي أن يرتبطا بأي دين أو حضارة أو جنسية أو مجموعة عرقية"، ومقرا، بأن إنكار هذا الأمر سيؤدي في الواقع إلى تأجيج شبح التطرف العنيف الذي نرمي إلى التخلص منه.
التطرف العنيف يغذي الردود العشوائية المعادية للأجانب
أما كلمة السفير إدريس الجزائري، فقد استهلها متسائلا مستفهما بأنه "لا يمكن أن يكون الموضوع الذي اختير لندوتنا هذه أكثر قربا من الواقع الراهن حتى في الوجع الذي يحدثه فينا. إن التطرف العنيف الذي نشأ خلال الجزء الثاني من القرن العشرين على امتداد ما يُعتبر هنا أجزاءَ نائية من العالم قد ألقى بظلاله المظلمة اليوم على كافة بقاع الأرض وهو لا يستثني من الآن فصاعدا أية منطقة حاملا معه عبث الموت والدمار. كما إن الحصول الحر على الأسلحة المميتة دون رقابة قانونية في بعض البلدان جعل الأمور أكثر سوءا".
واعترف بأن "التطرف العنيف يغذي الردود العشوائية المعادية للأجانب التي تغذي بدورها الدعاية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب"، مقرا بأن" التحدي لم يعد مجرد تحد وطني أو إقليمي، وبالتالي معالجته لم تعد ممكنة من خلال استحضار الشعارات. كما إن استراتيجيات المواجهة المتبعة على المستوى الدولي ما تزال تعاني من نقائص جمة"، جازما في الختام - هو أيضا- بأن "التطرف العنيف والإرهاب لا يمكن ولا ينبغي أن يرتبطا بأي دين أو حضارة أو جنسية أو مجموعة عرقية".
ضرورة دراسة الأسباب المتعلقة بسياسات الدول
[embed:render:embedded:node:20743]
من جهته أكد المبعوث الدائم للجزائر السفير بوجمعة الديلمي أن بلاده بادرت بعقد مؤتمر دولي في يوليو/ تموز 2015 بخصوص التخلص من التشدد أو سبل دحر التطرف العنيف. ومهّد مؤتمر الجزائر لعقد مؤتمر جنيف حول "منع التطرف العنيف – الطريق إلى الأمام" يومي 7 و8 نيسان/ أبريل.
كما ذكّر الممثل الدائم لدولة الإمارات السفير عبيد سالم الزعابي بإقامة وزارة خاصة بالتسامح الديني في بلاده، وذكرت الممثلة الدائمة للأردن السفيرة سجى المجالي مبادرة الملك عبد الله الثاني حول حوار الثقافات والأديان، فيما ألح الممثل الدائم لدولة أذربيجان أن التطرف العنيف لم ينبع من العدم مشيرا إلى ضرورة دراسة الأسباب المتعلقة بسياسات الدول مبينا أن هذه الأخيرة تكون جزءا من المشكلة و جزءا من الحل كذلك.
وبعد نقاش وأخذ ورد لم يكفي ولم يفي النقاش الموضوع حقه، لم تعطى إجابات شافية لما طرحناه في مقالنا الأسبق الأسبوع المنصرم، حتى بوجود هذه الشخصيات ذات الصيت العالمي والمعرفة الواسعة. لذا يعتزم المنظمون متابعة هذا النقاش في جلسة أطول حول نفس الإشكالية في النصف الثاني من هذا العام، و حبذا – في رأيي البسيط – لوتحدد الندوة بمحور بعينه، مع تقليل عدد المتداخلين، ومن المحاور التي يمكن الوقوف عندها موضوع "الأمن الفكري للشباب"، وقد أطلعني أحد الزملاء على محاور ندوة غاية في الأهمية، أقيمت في دولة عربية منذ أشهر بعنوان " الامن الفكري و حماية المجتمع"، لأن الأمن من أعظم النعم الـتي أكرم الله بها بنى البشر، فالأمن هو الحياة ، بل هو مطلب أساسي لكل أمة.
ويأتي الأمن الفكري على رأس قائمة الغايات الهامة لتكون حماية المجتمع عامة والشباب خاصة من الأفكار الدخيلة الهدامة واجباً شرعياً وفريضة دينية وضرورة حضارية. فالأمن الفكري محصن للمجتمع من كل الجهات وبالتالي يمكن تعريفه بأنه:"حماية وحصانة للمنظومة الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية للفرد والمجتمع" بما يكفل الاطمئنان إلى سلامة الفكر الإنساني عموما من الانحراف، الذي يشكل تهديداً للأمن الوطني المحلي بجميع مقوماته.
محمد مصطفى حابس، قصر الأمم المتحدة بجنيف/ سويسرا
قنطرة 2016