هل سيتمخض الربيع العربي عن ميلاد جديد للجامعة العربية؟
لعقود طويلة من الزمن كانت الجامعة العربية بمثابة رابطة دولية عاجزة ومنظمة متداعية تنقصها الهياكل الواضحة والأهمية السياسية. وعلى الصعيد الدولي كان هذا "النمر الورقي العربي" مدعاة للسخرية في مناسبات وفي خضم أحداث عديدة. ولهذا مثلت هذه المنظمة بالنسبة للكثير من المراقبين والناشطين في مجال الديموقراطية "مرضاً عربياً"، اتضحت معالمه في الجمود السياسي وعجز الشعوب العربية بشكل خاص. لكن يبدو أن التغيرات التاريخية التي أتت بها رياح الربيع العربي حررت هذه المؤسسة من سلبيتها الذاتية ومن قصورها.
التدخل في ليبيا كنقطة تحول
إن الحراك المفاجئ للجامعة العربية بدأ في آذار/ مارس من هذا العام في خضم الصراع في ليبيا بين الثوار ونظام القذافي، حين صادقت للمرة الأولى في تاريخها الممتد لستة وستين عاماً على تدخل خارجي. حين طالبت الجامعة العربية بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، أضفت الشرعية على مهمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، متخلية بذلك عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى. ونقطة التحول هذه جديرة بالملاحظة، كونها تعود في المقام الأول إلى تغيرات في ميزان القوى الإقليمية في ظل حركة الثورات في العالم العربي، وإلى حقيقة أن الشعوب العربية عادت إلى المسرح السياسي كعامل قوة. إذ لم يعد من الممكن الاستمرار في تغييب الرأي العام عن عمليات القرار لسياسي في العالم العربي بحقبة ما بعد الثورات، منذ أن أُسقط ابن علي في تونس ومبارك في مصر، ومنذ أن صعدت قناة الجزيرة القطرية لتكون ناطقة بلسان الثورات العربية، باستثناء انتفاضة البحرين، التي قللت القناة من شأنها واصفة إياها بـ"اضطرابات ذات خلفية طائفية".
حزم مذهل ضد نظام الأسد
كان نظام القذافي في ليبيا ممقوتاً من أغلب الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومعزولاً إلى حد بعيد، لكن الحالة السورية مختلفة، إذ إن سوريا تعد تاريخياً وثقافياً من البلدان العربية ذات الأهمية الكبيرة، كما أنها تعد مهد الحركة القومية العربية. وعرف نظام الأسد كيف يظهر أمام الشعب السوري بمظهر المدافع الوحيد عن المصالح العربية ضد تأثيرات الهيمنة الغربية. إضافة إلى ذلك فإن سوريا تحافظ على تحالف استراتيجي مع إيران وحزب الله في لبنان، وهما حليفان قويان في المنطقة. وعلى الخلفية تلك يجب أن يتم تقييم قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سوريا، لأنها لم تلتزم ببنود خطة الوساطة المتفق عليها. لكن هذا الأمر يختلف تماماً عن الفيتو المتعلق بالحالة الليبية.
قطر والمملكة السعودية – قوى محركة
لكن هذا الحراك غير التقليدي للجامعة العربية لا يعود إلى حماس محتمل للديمقراطية من قبل الدول الموجهة في الوقت الراهن، ولا إلى التعاطف مع الثوار السوريين، إذ إن جميع الدول الأعضاء الجامعة العربية تقريباً تقمع الاحتجاجات السلمية وترفض أي إصلاحات ديمقراطية أساسية على أراضيها. إضافة إلى ذلك أرسلت السعودية والإمارات العربية المتحدة في منتصف آذار/ مارس قواتها الأمنية إلى البحرين، انطلاقاً من رغبة الحكومة البحرينية في مساعدتها لقمع الاحتجاجات ضد العائلة السنية الحاكمة هناك.
إن ملكيات البترول الغنية في المملكة العربية السعودية وقطر ترغبان في استغلال فرصة التغييرات الحادثة في العالم العربي لصالحها، فالعائلة الحاكمة في قطر ترغب في جعل إمارتها الصغيرة قوة إقليمية في المنطقة. ولذلك فإنها تستغل "سياسة دفتر الشيكات المفتوح" بشكل حاذق وقناتها التلفزيونية "الجزيرة" كأداة إعلامية للقوة الناعمة.
وبدورهم يتحين المخططون الاستراتيجيون في المملكة السعودية فرصة تاريخية أخرى: فبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق نما النفوذ الإيراني في المنطقة، ومن خلال الإطاحة بحليف إيران بشار الأسد يمكن أن يتراجع نفوذ طهران في المنطقة من جديد. إن النخب المتنفذة حول العاهل السعودي تعتقد في الوقت الراهن أن سوريا ما بعد الأسد ستهيمن عليها القوى السنية، وهم أقرب إلى "المعقل السني للإسلام"، منها إلى إيران الشيعية. وحتى حزب الله الشيعي في لبنان، حصان طروادة الإيراني في العالم العربي، لن يبقى دون نظام الأسد قوة يحسب حسابها.
وهذا التوجه داخل الجامعة العربية يستمد زخمه أيضاً في أن حركة حماس، الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين السنية في مصر، تمتنع عن دعم القمع الدموي لحركة الاحتجاجات على نظام بشار الأسد. لكن ليست المخاوف الواضحة لملكيات الخليج من السيطرة الإيرانية فقط تدفع الجامعة العربية إلى انتهاج سياستها التدخلية، بل وأيضاً الضعف الذي يعاني منه الغرب في الوقت الراهن، فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية لا يقوم الغرب بدور يُذكر في تشكيل معالم الأوضاع الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما قد يمكن أن يؤكده نهج الجامعة العربية الجديد.
لؤي المدهون
ترجمة: عماد غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011