ختان الإناث في مصر...معركة مستمرة على جسد حواء
في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2012 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يهدف إلى القضاء على ممارسة ختان الإناث. وبعد صدور هذا القرار بيومين، وافق استفتاء شعبي في مصر على دستور البلاد الجديد. فما الذي يخبئه كل من الدستور والقرار الأممي للجسم السياسي والأنثوي في مصر؟
النساء في الأمم المتحدة وصفن القرار الأممي بأنه "مَعْلَم هام" على طريق السعي العالمي لإنهاء ختان الإناث، الذي أُجبرت عليه الفتيات كتقليد محلي وفرض ديني.
ويزوّد هذا القرار، الذي جاء نتيجة ضغط دولي مستمر بمساهمة فعالة من مصر، الحكومات بأداة إضافية إلى جانب الإرادة السياسية للقضاء على ختان الإناث وعلى انتهاكه لحق النساء في الصحة الجسدية والسلامة الشخصية.
وينصّ الدستور المصري الجديد، الذي أخذ من دستور سنة 1971 ووسعه، على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويوزع السلطات على الدولة وفروعها المختلفة لتحديد معنى ذلك. ومع كون تأويل القرآن في يد الحكومة، فقد أصبح التفسير جزءاً من السياسة.
حملة إسلاموية لتشريع ختان الإناث
وفي ظل النفوذ السياسي الكبير الذي يتمتع به الإسلامويون حالياً، كيف سيكون حال المرأة؟ في المجلس التأسيسي الذي تم حلّه، طالب الإسلامويون بإباحة ختان الإناث مجدداً، والذي يعاقب عليه القانون حالياً، بالإضافة إلى شطب الحد الأدنى لسن الزواج وتوسيع وصاية الرجل على الأطفال وتقييد حق المرأة في طلب الطلاق.
مثل هذه "الرزمة" من القوانين تعني تقوية سلطة الرجل وقدرته على التحكم بالنساء والأطفال من خلال إصدار أحكام دينية لتحقيق ذلك.
وإذا ماعدنا بالزمن آلاف السنين إلى الوراء في مصر ودول أخرى واقعة على نهر النيل، فإن ختان الإناث كان يعتبر موروثاً ثقافياً، ويتضمن بتر جزء من الأعضاء التناسلية للفتاة بهدف إخماد الشهوة الجنسية وإطفائها لديها.
وقد كانت هذه العادة تُمارس للحفاظ على النقاء الجنسي للإناث، والمرتبطة بشرف الرجل والعائلة (والمفارقة هنا هي أن تصرفات الرجال معفاة من هذه الارتباطات بالشرف).
وبالرغم من أن هذه العادة ليست جزءاً من أي فرض في أي دين، إلا أن الناس استغلوا الدين لتبرير ختان الإناث، الذي تتعرض له الفتيات المسلمات والمسيحيات على حد سواء.
ختان الإناث ليس جزءاً من الإسلام، لأنه غير مذكور لا في القرآن ولا في الفقه. لكن هناك من تذرّع بالإسلام لتبرير ختان الإناث وانتهاكه السافر للسلامة الجسدية للفتيات ولصحتهن.
وهذا محير لأولئك الذين يعتبرون الإسلام ديناً يحافظ على السلامة الجسدية والمعنوية لكل البشر، وليس ديناً يدعم إلحاق الأذى والتشويه بالأجساد.
لمحة موجزة عن التاريخ المعارض لختان الإناث
تعود الجهود الجادة لوقف ممارسة ختان الإناث إلى أواسط القرن العشرين، حين تم منعه من قبل حكومة جمال عبد الناصر سنة 1959.
ومع إقامة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة سنة 1994، تكاتفت الجهود الوطنية والدولية لتكثيف حملة وقف ختان الإناث.
ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر، قامت المُصلِحتان الاجتماعيتان المخضرمتان عزيزة حسين وماري أسعد بتأسيس فرقة عمل خاصة شكلت نقطة التقاء لمجموعات تعمل في أطر مهنية ومؤسساتية مختلفة.
هذه الفرقة ذات شبكة الاتصالات الواسعة دعمت الناشطين والناشطات الذين يعملون في المناطق الريفية، ونسقت مع الجهود المحلية للقضاء على ختان الإناث.
هذه الجهود المكثفة لفضح تلك الممارسات ولّدت ردوداً متناقضة في الأوساط العلمية الإسلامية حول موضوع ختان الإناث.
فقد أعلن شيخ الأزهر آنذاك، جاد الحق علي جاد الحق، بوجوب ختان الإناث (كما يسمي هو وعلماء إسلاميون آخرون)، أي لزوم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث. أما مفتي الجمهورية في ذلك الوقت، محمد سيد طنطاوي، فقد أصدر فتوى بتحريم ختان الإناث.
كما كتب المحامي الإسلامي محمد سليم العوا في صحيفة "الشعب" أن ختان الإناث "ليس سنة ولا مكرمة"، فيما أعرب الشيخ نصر فريد واصل (الذي أصبح مفتي الجمهورية سنة 1996) في مقال بصحيفة "الأخبار" عن أنه "لا تراجع عن الفتاوى السابقة حول ختان الإناث، التي أصدرتها دار الإفتاء، وأكدت أنه لا توجد نصوص في الشريعة الإسلامية تحض على أو تنهى عن ختان الإناث".
كفاح من أجل إقرار ختان الإناث
وفي خضم الفوضى السياسية التي أعقبت المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، تم رفع حظر ختان الإناث في المستشفيات.
وحين تمت إعادة الحظر مرة أخرى سنة 1996، رفع الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وطبيب النساء منير فوزي، دعاوى قضائية ضد الحظر الجديد.
وادعى كلاهما أن الحظر يخالف دستور سنة 1971، الذي ينص على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، واقتبسا ما أفتى به شيخ الأزهر السابق جاد الحق، مدعوماً بتفسير الشيخ البدري للشريعة.
وبعد مراجعة القضية، أعلن مجلس الدولة سنة 1997 أن الحظر لا يخالف الدستور. لكن حملة إباحة ختان الإناث استمرت، إذ نشر د. عبد الرحمن أبو عميرة، عميد كلية أصول الفقه في الأزهر سابقاً، مقالاً سنة 1998 حمل عنوان "ختان الإناث من شرع الله رغم حظر المحاكم".
لكن الجهود المستمرة من قبل المجتمع المدني، التي تقودها منظمات غير حكومية تعمل على المستويين الوطني والمحلي، ازدادت قوة بفضل دعم المجلس الوطني للطفولة والأمومة، الذي تم تأسيسه سنة 1989، والذي ازداد بعد تولي مشيرة خطاب منصب الأمين العام للمجلس سنة 2001.
وعلى المستوى المحلي، عندما أدرك الناس الأخطار الصحية المرتبطة بهذه العادة، وفهموا أن الإسلام والمسيحية لا يحضان على ختان الإناث، وأنها عادة اجتماعية قاسية، بدؤوا بوقفها وانضموا بحماسة إلى الحملة المناهضة لختان الإناث.
لقد حوّل أولئك ختان الإناث من علامة شرف إلى ممارسة مخزية. فاقتلاع هذه العادة المتجذرة تتطلب المثابرة والتشجيع المستمرين.
إلى أين يا مصر؟
مع صعود الإسلاميين إلى قمة هرم السلطة في مصر، وجد ختان الإناث تشجيعاً متجدداً. ففي العام الماضي 2012، بدأ بعض النواب الإسلاميين يطالبون في مجلس الشعب بعودة ختان الإناث.
ومع اقتراب الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية في الربيع الماضي 2012، تنقل بعض أعضاء حزب الحرية والعدالة، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بين القرى لعرض عمليات ختان للإناث بأسعار مخفضة.
وتم رصد هؤلاء، على سبيل المثال، في قرية أبو عزيز بمحافظة المنيا. وعندما جذبت عروضهم لختان الإناث الانتباه الشعبي، اختفوا بشكل مفاجئ، وهم على علم تام بأن ختان الإناث جريمة يعاقب عليها القانون. لكنهم أنكروا تورطهم في أية من هذه الحملات.
فما هو وضع ختان الإناث في مصر حالياً؟ الفرح الذي عم أرجاء العالم بفضل القرار الأممي كان مجتزءاً محلياً بسبب التصويت على تبني الدستور الجديد والسياق السياسي الذي جاءت فيه صياغة وإقرار هذا الدستور.
لكن هل سيتسبب إعلان الأمم المتحدة بشأن ختان الإناث في جولة جديدة من تشويه سمعة المؤسسات الدولية ووصفها بأنها "معادية للإسلام"؟
وهل سيتم الاتكاء على بعض فقرات الدستور الجديد لتبرير رفع الحظر عن ختان الإناث، والذي أعلنت شخصيات دينية بارزة أنه ليس من الممارسات الإسلامية؟
ما هي بالضبط الإجراءات والآليات المتبعة لتحديد ما إذا كانت عادة ما، كختان الإناث مثلاً، متوافقة مع الشريعة أم لا؟
طبقاً للفقرة الرابعة من الدستور، يجب أن يُؤخذ برأي الأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة (رغم أن علماء الأزهر قد يختلفون، وهو ما قد يخلق مشاكل إضافية).
وإذا أكد علماء الأزهر الرأي القائل بتحريم ختان الإناث، ومن ثم قام البرلمان، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، بإقرار قانون يبيح ختان الإناث، فما الذي سيحصل؟
فهل ستبقى الشريعة، التي يمكن تفسيرها بطرق مختلفة، دليلاً معنوياً وإلهاماً يُتبع بشكل مستقل، أم أنها ستتحول إلى مفروض سياسي؟
مارغوت بدران
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: الأهرام أون لاين/ قنطرة 2013
بعد كتابة هذا المقال، أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر في قرارها قانونية الحظر المفروض على ختان الإناث.
مارغوت بدران أستاذة في علم التاريخ وباحثة زميلة في مركز الوليد للتفاهم الإسلامي-المسيحي بجامعة جورج تاون، وباحثة متقدمة بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين.