فرقة الحشاشين: أسطورة صحفية عن عالم الإسلام
بلاد فارس في القرن الحادي عشر - فترة الصعود السريع للأسر الإسلامية الحاكمة ثم انهيارها: شعوب التركمان تغزو مدن شرق إيران الكبرى وتجبر الخلفاء العباسيين في بغداد في نهاية الأمر على الإذعان لسلطتهم. هكذا قامت مملكة السلاجقة الكبيرة التي امتدت من آسيا الوسطى حتى سوريا، وانقسم العالم الإسلامي إلى عدة مراكز سلطة؛ فهناك السلاجقة السنة في الشرق، والخلافة الفاطمية المعادية في مصر وفي المغرب، ثم في الأندلس في الغرب.
في تلك الفترة ولدت فرقة شيعية متطرفة أطلق عليها الإسماعيلية النزارية تحت قيادة حسن الصباح، واشتهرت الفرقة باسم "الحشاشين". كانت هذه الفرقة "طائفة داخل طائفة"، فهي انقسمت عن الفاطميين الشيعة الذين ينظر السنة إليهم باعتبارهم من أهل البدع والهرطقات.
الاغتيالات الدنيئة كوسيلة لتثبيت سلطة الحكم
في قلب مركز السلطة السلجوقي، في المناطق الجبلية الوعرة شمالي إيران، أسس حسن الصباح مع أتباعه قلاعاً حصينة عالية لصد هجمات الحكام السلاجقة. وسرعان ما أضحى الهراطقة الإسماعيليون بمثابة شوكة في حلق السلاجقة، كما يقول توماس شيفلر، الباحث بالعلوم الإسلامية في معهد أوتو زور البرليني: "حدثت ملاحقة لهذه الطائفة، وهي من جانبها قامت باغتيال عدد من ملاحقيها عبر رسل كانوا يتسللون إلى بلاط الحكام السلاجقة، وهناك كانوا يعملون على اكتساب ثقة السلاطين، إلى أن يتمكنوا من طعنهم بالخناجر، وفي معظم الحالات
دون أن يفروا، ولهذا يمكن اعتبارهم طلائع منفذي العمليات الانتحارية".
كان الحشاشون يقومون بعمليات الاغتيال غيلةً وغداراً، معتبرين ذلك وسيلة فعّالة لتأمين سلطة الحكم. عبر الاغتيالات التي نفذوها أخلّ الحشاشون بموازين القوى في مملكة السلاجقة إخلالاً عظيماً، إذ أدى اغتيال الحكام المسلمين وذوي المناصب الرفيعة إلى صراعات تنافسية طويلة، ما منح فرقة الحشاشين الصغيرة وقتاً ثميناً، تمكنوا خلاله من تثبيت دعائم سلطتهم. وقد نُسجت العديد من الأساطير والخرافات حول قائدهم حسن الصباح الذي كان يُمني الراغبين في تنفيذ الاغتيالات – أي الفدائيين – ويعدهم بالجنة، كي يستطيع أن يكلفهم بالقتل. ويزعمون أن المختارين كانوا يُخدرون بالأفيون ويعيشون في حدائق أُعدت لهم خصيصاً.
صفوة المقاتلين في الحرب على "أعداء الإمام"
كان اغتيال الوزير السلجوقي الأكبر "نظام المُلك" عام 1092 الحلقة الأولى في سلسلة من عمليات الاغتيال استهدفت السنة واستمرت عدة عقود. ولم يكن الحشاشون يعتبرون أنفسهم سفاحين أدنياء أو هراطقة أو متآمرين على الإسلام، بل كانوا ينظرون إلى الفرقة باعتبارها صفوة المقاتلين في الحرب على "أعداء الإمام". كان هدف الحشاشين إنشاء "دولة المُخلِّص" بالمعنى الشيعي للكلمة، كما كانوا يعتبرون قيامهم بقتل من اعتبروهم "القامعين" و"المغتصبين" السنة دليلاً على قوة إيمانهم وولائهم، معتقدين أن ذلك يفتح لهم الطريق إلى الجنة مباشرة.
ونظراً إلى حبهم للاستشهاد والتضحية ينظر عديد من الكتاب المعاصرين إلى الحشاشين باعتبارهم النبتة الأولى للحركة الإسلامية الراديكالية الحالية: من جماعة حماس الفلسطينية وصولاً إلى الحادي عشر من سبتمبر. غير أن المقارنة ليست في محلها، كما يرى الكاتب والباحث في العلوم الإسلامية نافيد كرماني: "للاستشهاد مكانة عالية في الإسلام. والحشاشون يمثلون وضعاً خاصاً بين الشهداء. غير أن حب الاستشهاد سمة شيعية خالصة، بمعنى أنك تجد بين الشيعة استعداداً واضحاً لتحمل الألم والعذاب وللتضحية بالذات".
الشيعة ودورهم الخاص
تبلورت المكانة العالية للاستشهاد بصورة خاصة داخل الجماعات المعارضة للإسلام السني، يقول كرماني: "لذلك لا نستطيع القول ببساطة إن هناك خطاً واضحاً لا ينقطع - ابتداءً من الحشاشين الشيعة، الذين لا يُعتبرون ممثلين للإسلام الشيعي، غير أن لهم مكانهم داخل الإسلام الشيعي – وصولاً إلى الانتحاريين السنة. إننا نقابل هنا أشياء تأتي من سياقات متباينة كل التباين".
ونحن إذا ألقينا نظرة فاحصة على تاريخ العمليات الانتحارية في الشرق الأوسط منذ بداية الثمانينيات، فسيتضح لنا عدم جدوى الاعتقاد بوجود خط يربط بين العمليات الانتحارية الحالية والحشاشين. في يوم الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1982 قاد أحمد قصير شاحنته في اتجاه مقر قوات الاحتلال الإسرائيلية في صور بلبنان، فلقي 140 شخصاً حتفهم في هذه العملية. بعدها ببضعة شهور أثارت الضربات الموجهة للسفارات والثكنات العسكرية الأمريكية اهتمام الرأي العام بصورة أكبر. وكل تلك الهجمات نفذتها جماعة شيعية إرهابية متطرفة: حزب الله.
أسطورة الشهيد والحرب غير النمطية
بدأ حزب الله عملياته لتحرير لبنان من قوات الاحتلال الأجنبية وتأسيس دولة دينية. لتنفيذ أهدافه تلقى حزب الله الدعم المادي والمعنوي من جمهورية إيران الإسلامية. وفي عام 1979 تولى رجال الدين الشيعة تحت قيادة آية الله خميني دفة الحكم في إيران وأسسوا الجمهورية الإسلامية. لقد استطاع خميني حشد الجماهير قبل الثورة وأثنائها، لاسيما عبر أسطورة الشهيد المتجذرة بعمق في الفكر الشيعي. كان لهذه الأسطورة أهمية قصوى خلال الحرب الإيرانية العراقية من عام 1982 حتى عام 1988. آنذاك سيق إلى الموت آلاف المتطوعين، ومنهم عدد كبير من الأطفال والصبية – على أمل الدخول إلى الجنة عبر التضحية بالذات. وإذا كان الاستشهاد هنا ظاهرة جماهيرية للدفاع عن الدولة الدينية، فقد بات على يد حزب الله اللبناني سلاحاً يُستخدم بدقة في الحرب غير النمطية ضد قوة الاحتلال الإسرائيلية.
أساطير صحفية
ولكن هل يمكن بالفعل التحدث عن تراث للاستشهاد في الإسلام السياسي يمتد من الحشاشين في القرن الحادي عشر ويصل حتى الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001؟ "ليس هناك أي نص، لا من أسامة بن لادن أو من القاعدة أو من حزب الله أو حماس، يحاول – بأي طريقة كانت – إيجاد صلة مع الحشاشين"، هذا ما يراه توماس شيفلر، ويضيف: "وهو ما سيتناقض أيضاً مع أيديولوجية تلك الجماعات تناقضاً كلياً، لأن الحشاشين – من وجهة نظر غالبية السنة والشيعة – هراطقة لا يريد المرء أن تكون له أي علاقة بهم".
ربما يحتل الحشاشون مكانهم في تاريخ الشرق الأوسط كطائفة إرهابية نُسجت حولها الأساطير أو كمنفذين لعمليات مثيرة ولافتة للأنظار، ولكنهم لا يصلحون لكي يكونوا العقول الأيديولوجية للحركة الإسلاموية الراديكالية الحديثة. إن نظرية التراث الإسلامي فيما يخص العمليات الانتحارية التي تصل حتى العصور الوسطى ليست إلا أسطورة صحفية عن عالم الإسلام، أسطورة تبدو معيقة ومسيئة للبحث الجاد في مواضيع الإرهاب الإسلاموي المعاصر.
أريان فاريبورتس
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع قنطرة 2008
......................
طالع أيضا
عودة طالبان إلى حكم أفغانستان: أميركا تنسحب باختيارها
أفغانستان - مشاهد الفرار من كابول حين دخلتها طالبان
أثر خمس روايات فارسية على ثقافة الإيرانيين الشعبية
شعب إيران بين شقي رحى نظام الملالي والإدارة الأمريكية
الإعدام في إيران...ردع تام ورعب من شبح تقويض النظام
......................