صعود مثير للجدل

وزير الآثار المصري خالد العناني ينظر إلى تابوت تم الكشف عنه في مقبرة مصرية قديمة بالمنيا، 24 فبراير/شباط 2018.
تولّى خالد العناني وزارة الآثار بين عامي 2016 و2022، حيث أشرف على عدد من المشاريع والاكتشافات الأثرية الكبرى. (Photo: Picture Alliance / Fayed El-Geziry/NurPhoto)

بينما احتفت الحكومة المصرية بتعيين خالد العناني مديرًا عامًا لليونسكو، يرى مثقفون وعلماء آثار مصريون، أن الاختيار يغلب فيه البعد السياسي على الكفاءة الثقافية للوزير المصري السابق في حماية التراث.

تقرير: أحمد الجمال

صدّق المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، خلال دورته الاستثنائية في مدينة سمرقند بأوزبكستان، على تعيين المصري خالد العناني مديرًا عامًا للمنظمة المعنية بحماية التراث العالمي لولاية تمتد 4 أعوام، ليصبح أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب.

وكان العناني حصد على تأييد المجلس التنفيذي للمنظمة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ55 صوتًا من أصل 58 في اقتراع المنظمة، متفوقًا على منافسه الكونغولي إدوارد فيرمن ماتوكو، قبل أن ينال في الجلسة العامة الأخيرة 172 صوتًا من أصل 174. 

وقوبل انتخاب العناني، بردود فعل متباينة بين احتفاء رسمي مصري بخبراته الأكاديمية وكفاءته لتولي منصب بهذا الثقل الدولي، وبين انتقادات محلية ودولية، بالنظر إلى سجله المثير للجدل في ملف حماية التراث المعماري والتاريخي في مصر خلال توليه وزارة الآثار بين عامي 2016-2022.

يقول حنا نعيم وكيل وزارة الآثار بين عامي 2018-2021، الذي استقال من مجلس أمناء بيت التراث المصري المعني بالحفاظ على التراث، احتجاجًا على هدم جنابات القاهرة التاريخية، إن فترة ولاية العناني اتسمت بـ"الخشونة تجاه كل ما هو أثري ويحمل قيمة روحية للمصريين"، واصفًا عهده بأنه "الأسوأ في الحفاظ على التراث والهوية التاريخية بشقيها الثقافي والعمراني".

Here you can access external content. Click to view.

من الجامعة إلى الوزارة

وُلد العناني في محافظة الجيزة عام 1971، وتخرج في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان وعمل بها أستاذًا عام 1993، قبل أن ينال الدكتوراة لاحقًا في علم المصريات وحفظ التراث من جامعة بول فاليري مونبلييه الفرنسية عام 2001، ومع عودته إلى مصر، عمل أستاذًا لعلم المصريات بجامعة حلوان، وتولى إدارة المتحف المصري بالتحرير، وشارك في مشاريع تنقيب وترميم أثرية مهمة أكسبته خبرة للتعامل مع ملفات التراث المعقدة حتى جرى اختياره في 2016، وزيرًا للآثار، قبل أن يتولى معها حقيبة السياحة عام 2019، بعد دمج الوزارتين.

وأشرف خلال فترة ولايته على افتتاح مشروعات أثرية كبرى، مثل افتتاح المتحف القومي للحضارة وطريق الكباش بالأقصر، حتى خروجه من الحكومة في 2022، وبينما وصفت اليونسكو العناني، في بيانها الرسمي بأنه "عالم آثار بارز ذو خبرة طويلة في صون التراث"، رأى خبراء مصريون، أن خبرته مشوبة بخيارات سياسية جعلت الحفاظ على التراث في حقبته الوزارية تابعًا لمنطق السلطة أكثر من منطق الثقافة، خاصة في ملف تطوير منطقة القاهرة التاريخية.

يقول نعيم، لـ"قنطرة"، إن وزارة الآثار فقدت استقلالها المهني خلال فترته، وأصبحت أشبه بهيئة تابعة لرئاسة الجمهورية، "لا شك أن العناني ما كان ليجرؤ على تنفيذ هذه القرارات لولا لوجود تعليمات من سلطة أعلى، ولكن في النهاية يظلّ هو جزءاً من الكارثة لأنه المشرف على عمليات الهدم والتشويه".

عمليات هدم مدينة الموتى

وتعرّضت المنطقة المسجلة على قوائم التراث بمنظمة اليونسكو التي تولى العناني رئاستها للتو، خلال عهده لواحدة من أكبر موجات الهدم في تاريخها الحديث، ضمن "مخطط لتطوير العاصمة" تنفذه الحكومة المصرية منذ عام 2020.

وبينما دافع العناني عن المشروع، في مناسبات عدة، بأنه يهدف لإعادة القاهرة إلى بريقها وتاريخها العريق المميز لها، وأن الدولة لا تهدم آثارًا، بل تطوّرها، أظهرت الصور الميدانية العكس: عمليات هدم واسعة داخل مدينة الموتى من قبور لشخصيات سياسية وفنية بارزة، وقباب تاريخية عمرها يصل إلى قرون تشكّل جزءًا أصيلاً من ذاكرة المدينة.

Here you can access external content. Click to view.

ورغم الرواية الرسمية، بأن المقابر المهدمة غير مسجلة قانونًا كأثر، فإن آثاريين، اعتبروا تلك التبريرات التفافًا حول قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، خاصة أن عددًا من المواقع كان مسجلاً فعليًا أو موصى بتسجيله من لجان قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، كموقع تراثي يستحق الحماية.

لم تتوقف الانتقادات عند حدود الإزالة المادية، بل امتدت إلى فلسفة التعامل مع التراث، فخلال تلك السنوات، أُعيد توظيف عدد من المعالم الأثرية في احتفالات وطنية ومهرجانات شعبية، مثل نقل أربعة كباش من معبد الكرنك، ومسلة أثرية من الشرقية إلى ميدان التحرير في قرارات رأى فيها آثاريون، تجريدًا للآثار من معناها التاريخي والروحي، وتوظيفًا سياسيًا للجماليات القديمة في خدمة السردية الرسمية.

ترشيح مفاجئ

رغم الجدل الذي رافق فترة تولي العناني وزارة السياحة والآثار، فإن المفارقة اللافتة جاءت بعد خروجه من المنصب في عام 2022، حين أعلنت الحكومة المصرية، ترشيحه رسميًا في أبريل/نيسان 2023، لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، في خطوة أثارت استياء الأوساط الثقافية المصرية.

في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقع عدد من المثقفين وخبراء الآثار والنقابات والجمعيات، على عريضة طالبوا فيها بوقف عمليات هدم القاهرة التاريخية التي استمرت حتى بعد خروج العناني من منصبه، وكتبوا: "في الوقت الذي تتقدم فيه مصر بمرشح لتبوأ مركز مدير أكبر مؤسسة عالمية راعية للثقافة والتراث، عليها أن تثبت للعالم أولاً أنها تحافظ على تراثها".

ومع ذلك، مضت القاهرة في حملة دعمه، مستندةً إلى ثقلها الدبلوماسي، وشبكة علاقات ممتدة بفضل تمثيلها القوي في الدول الإفريقية والعربية، حتى فاز بالمنصب في نهاية المطاف. يرى إبراهيم طايع، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أن العناني واجه منافسة محدودة أمام الكونغولي إدوارد ماتوكو، المعروف أن بلاده لا تمتلك نفوذًا سياسيًا أو شبكة علاقات دولية مقارنة بالقاهرة، مشيرًا إلى انسحاب المرشحة المكسيكية البارزة غابرييلا راموس من السباق.

واعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تغريدة، فوز العناني، "إنجازًا تاريخيًا يُضاف إلى سجل مصر الدبلوماسي والثقافي وإلى إنجازات الشعوب العربية والإفريقية".

وقبل التصديق النهائي على انتخابه، وجّهت منظمة "مراقبة التراث العالمي"، (World Heritage Watch) التي تتخذ من برلين مقرًا لها، نداءً إلى الدول الأعضاء في اليونسكو في 29 أكتوبر/تشرين الأول، لإعادة النظر في تعيين المسؤول المصري السابق، مشيرة إلى أنه "يتحمل قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن هدم أجزاء كبيرة من مقبرة القاهرة التاريخية، وعن التطوير السياحي الهائل حول دير سانت كاترين في شبه جزيرة سيناء".

جاء في رسالة موقعة من أكثر من خمسين منظمة وخبيرًا: "من غير المسؤول أن يُوكل منصب كهذا لشخص لديه مثل هذا الماضي، في مؤسسة تُعنى بحماية التراث العالمي".

"العالم الآن يراقبه"

يعلّق المسؤول المصري السابق حنا نعيم: "تعيين العناني في ذلك المنصب لن يكون أول المفارقات وآخرها، فهناك أستاذة مصرية عينت في منصب دولي رغم كونها صاحبة أكبر مذبحة أشجار في تاريخ مصر" بحسب وصفه، في إشارة إلى الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة السابقة التي جرى تعيينها بمنصب الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، وشهدت ولايتها أيضًا، اتهامات بقطع ممنهج للأشجار وتقليل المساحات الخضراء في أنحاء البلاد.

أما العناني يجد نفسه، مع تسلمه مقاليد الأمور منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أمام مؤسسة مثقلة بالتحديات السياسية والمالية، أبرزها تراجع ثقة بعض الدول في حياد المنظمة، وتزايد الضغط من القوى الكبرى لإعادة تشكيل أجندتها الثقافية والتعليمية بما يخدم مصالحها الجيوسياسية. فقد أعلنت الولايات المتحدة، في يوليو/تموز الماضي، انسحابها من المنظمة، مدعية تحيّزها ضد إسرائيل والترويج لقضايا "مثيرة للانقسام".

وتعهد العناني، في كلمته بعد فوزه أكتوبر/تشرين الماضي، بـ"العمل يدًا بيد مع جميع الدول الأعضاء لبناء خارطة طريق مشتركة لتحديث المنظمة ودفعها نحو المستقبل".

فيما يقول عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية إبراهيم طايع: "نتمنى كآثاريين أن يغير سياساته التي انتهجها تجاه المعالم والمواقع التراثية في مصر، وأن يعي حجم وثقل المنصب الذي بات يشغله، فالعالم الآن يراقبه".

قنطرة ©