خطة ترامب للسلام - ما أكثر العناوين الخداعة
ما يصفه الرئيس الأمريكي بتصور "واقعي" لحل الدولتين ما هو إلا مكافأة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي المحتلة المخالفة للقانون الدولي.
المنطقة المقترحة لإقامة دولة فلسطينية عليها تتبع معادلة بسيطة: حيثما لا تقع مستوطنات أو مصالح لإسرائيل، هناك يمكن إقامة دولة فلسطينية. تكفي نظرة واحدة على الخرائط التي تحويها الخطة الأمريكية لرؤية أن هذه الدولة في الضفة الغربية ستقام على رقعة من القطع المتناثرة: مناطق ممزقة، ولكن بالرغم من كونها أكبر من جزر الحكم الذاتي الفلسطينية الحالية، إلا أنها منفصلة بعضها عن بعض.
هذه الخطة تتضمن أيضاً ربط المناطق المركزية بجسور وأنفاق. لكن الأرض الواقعة بين هذه "المحميات" وحولها، نحو ثلث الضفة الغربية، سيؤول لإسرائيل. متى؟ في أسرع وقت ممكن.
ولتعويض الفلسطينيين، سيتم منحهم قطعتي أرض صحراويتين في النقب، ترتبطان بقطاع غزة عبر ممر بري ضيق على طول الحدود المصرية. وإلى ذلك، سيقام نفق يصل طوله إلى ضعف طول نفق غوتارد ليربط غزة بالضفة الغربية. كل هذا وأكثر سيتم تمويله بمساعدات لإعادة البناء قدرها 50 مليار دولار.
تمويل مشكوك به
المسؤول عن تمويل هذه الصفقة ما يزال في علم الغيب. لكن لا يوجد أي من هذه المشروعات سيبدأ العمل فيه فوراً، بل بعدما يقول الجانب الفلسطيني باستكمال لائحة كاملة من الشروط: نزع سلاح حماس والتعهد بوقف العنف ومحاربة الفساد، وبالطبع الإقرار بسيادة إسرائيل على القدس والرضى بنقل العاصمة الفلسطينية إلى ضواحٍ أشبه بالأحياء بالفقيرة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعجل وأعلن، بعد عودته من واشنطن، أثناء جلسة للحكومة عن نيته إصدار قرارات بضم غور الأردن وعدد من مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل. لكن صهر ترامب، جاريد كوشنر، وهو أحد المشاركين في وضع الخطة المثيرة للجدل، أوضح بأن هذه القرارات لن تكون جزءاً من جدول الأعمال إلا بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية في الثاني من مارس / آذار 2020.
على ما يبدو أرادت الولايات المتحدة ألا تظهر وكأنها تخدع الجامعة العربية -التي قررت عقد اجتماع قمة خلال نهاية الأسبوع نفسه- بقرار إسرائيلي لضم أراضٍ فلسطينية. وبما أن بيني غانتس، منافس نتنياهو في الانتخابات، يريد أيضاً تنفيذ رؤية ترامب للسلام، فلن يكون هناك فرق في من سيفوز بالانتخابات.
اعتراف شكلي بحل الدولتين
ضم أراضٍ بالنسبة لإسرائيل قد تكون له عواقب غير محمودة، وخاصة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. فحتى الآن، كان الرد المفضل لدى الخبراء القانونيين الإسرائيليين على الانتقادات للمستوطنات بأن وضع الأراضي المحتلة، والتي يعتبرونها متنازعاً عليها فقط، ما يزال مؤقتاً إلى حين التوصل إلى حل نهائي عبر المفاوضات. لكن هذا الرد الجاهز لن تكون له أي قيمة في حال ضم إسرائيل للمستوطنات. إملاء شروط سلام عبر قيام الطرف القوي بضم أحادي الجانب لأراضٍ يتنافى والقانون الدولي.
لكن على الرغم من ذلك، من المشكوك فيه إن كان المجتمع الدولي سيرد على هذا الإجراء بأكثر من احتجاج لفظي. فلطالما أعرب الأوروبيون خاصة عن التزام شكلي فقط بحل الدولتين. وفي ذات الوقت، خلق بناء إسرائيل لأكثر من 130 مستوطنة، بعضها في عمق الضفة الغربية، حقائق على الأرض لا يمكن إنكارها.
ويبقى من السذاجة التصديق بأن هذه الرؤية "الترامبية" قادرة على تمهيد الطريق لإعادة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. حتى الرئيس الأمريكي نفسه لا يتوقع ذلك. وبدلاً من ذلك، منح الفلسطينيين مهلة من أربع سنوات للتفكير في الخطة وقبولها، على مبدأ: "اقبلوا أو تحملوا عواقب الرفض". فهذه، بحسب ما يقول، "الفرصة الأخيرة" لهم للحصول على دولتهم المستقلة.
ليس حلاً، بل جزءاً من المشكلة
هذه الدولة لن تكون مستقلة، بل كياناً يخضع لمراقبة إسرائيلية ويتخلله 15 جيباً استيطانياً. وقف المستوطنات خلال مهلة التفكير البالغة أربع سنوات، والذي سُوِّق له على أنه تسوية، ينحصر في هذه الجيوب وفي الأراضي التي تمنحها الخطة للفلسطينيين فقط. عدا ذلك، فإن لإسرائيل سلطة مطلقة في توسيع سيادتها – بمباركة أمريكية صريحة – على بقية الضفة الغربية.
ويتبقى سؤال أخير طرحه الصحفي في "هآرتس"، نير حسون: هل يضمن مقترح ترامب لطفلٍ إسرائيلي وطفلٍ فلسطيني وُلِدَا اليوم حقوقاً مدنية وحرية تنقل وحق العيش بأمان وكرامة بعد عشرين عاماً من الآن؟ الإجابة الصادقة على هذا السؤال هي لا. ففي حقيقة الأمر، خطة السلام هذه ما هي إلا غش في المسميات [عنوان خداع]، أو -بحسب ما يقول حسون- فهي ليست حلاً، وإنما جزءاً من المشكلة.
إنغه غونتر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020