"كان لي موطن اسمه فلسطين"
أثناء عودته بالطائرة إلى الولايات المتحدة بعد تشييع جنازة ياسر عرفات في رام الله كان ساري نُسيْبة يقرأ كتابا بدا له كـ"نوع من الوحي"، ألا وهو السيرة الذاتية للكاتب أموز أز بعنوان "قصة عن الحب والظلام". كان كلاهما يشترك أحيانا في مؤتمرات للسلام، والتقيا في حلقات النقاش. إلا أن الوسط الذي نشأ فيه أموز أز في بداية الخمسينيات في إسرائيل، التي كانت حديثة التأسيس آنذاك، يعد بالنسبة لـ"نُسيْبة" عالما متوازيا مجهولا يدل على الجهل المزدوج للإسرائيليين والفلسطينيين. يقول نُسيْبة "إن عدم ذكر العرب في ذكريات طفولة أموز أز جعلتني أفكر في نشأتي".
وتساءلتُ: "ماذا كان يعرف والديّ عن عالمه؟ ربما يكون "العجز عن تصور حياة الآخرين" هو في نهاية المطاف "السبب الرئيس للصراع الفلسطيني الإسرائيلي". وبعد ذلك بدأ نُسيْبة في الكتابة. إن نُسيْبة، الذي كتب مذكراته السياسية، أحد أبناء عائلة عريقة بالقدس، وهو مواليد عام 1949، أي بعد تأسيس دولة إسرائيل بعام واحد.
وكان شاهدا على كيفية تلاشي نفوذ نبلاء القوم في المدن شيئا فشيئا. على الرغم من أن والده - بعد مباشرته لمناصب وزارية أردنية مختلفة - عُيّن عام 1963 من قِبل ملك الأردن محافظا لمنطقة القدس، إلا عصر الرِّفعة والشهرة ولّى بعد حرب الأيام الستة عام 1967 واحتلال اسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية.
مسيرة علمية وعملية حافلة
إبان حرب الأيام الستة كان الكاتب تلميذا في إحدى مدارس النخبة بانجلترا. وبعد دراسته في أكسفورد عام 1968 وإقامته في أبو ظبي وحصوله على الدكتوراة في هافارد ذهب نهاية السبعينيات إلى جامعة بيرزيت التي أُسست عام 1972. في هذه الفترة بدأ نشاطه السياسي، على مستوى النقابات أولا، وفيما بعد في محادثات السلام السرّية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث كان إحدى همزات الوصل بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى بتونس وبين السكان في الضفة الغربية. وهو اليوم يشغل منصب رئيس جامعة القدس بمدينة القدس.
اتخذ نُسيْبة عائلته نموذجا للحديث تاريخ عن فلسطين، خاصة في القرن العشرين. وبدأ بالحديث عن الحرب العالمية الأولى وثورة 1936 مرورا بإقامة دولة إسرائيل عام 1948 والانتفاضة ووصولا إلى الوقت الحاضر الذي تقوم فيه حماس من ناحية وحركة الاستيطان من ناحية أخرى بتصعيد العنف. وقام الكاتب بخلط الأحداث السياسية والحياة الخاصة وقضايا التحول الاجتماعي لتصبح رواية سهلة القراءة، وعلى الرغم من الإسهاب إلا أنها لم تكن جافة. وبسعة صدر ونقد ذاتي من دون حساسية مفرطة وصف نُسيْبة الإمكانيات (المحدودة) والفرص (الضائعة) في السياسة الفلسطينية، ولكن بدون أيدلوجيا على الإطلاق.
كانت علاقته بعرفات تتأرجح بين التحفظ النقدي والإعجاب المدهش، على العكس من ذلك تلاشى نقده لشارون بصورة جلية، الشيء الذي لم يكن مفاجأة إلى حد ما. يرى نُسيْبة أن هناك حلا جماعيا واحدا، ألا وهو أن يُصبح اليهود والعرب "حلفاء"، وكل محاولة للتفريق بينهم تعتبر ضلالا عن الطريق و"نِتاج الأسطورة الأوروبية الحديثة عن الشعب الطاهر النقي من الغرباء".
على خطى إدوارد سعيد
يشابه كتاب نُسيْبة السِّير الذاتية لمفكرين فلسطينيين آخرين اشتغلوا أيضا بالسياسة، وهما سيرتا إدوارد سعيد "خارج المكان " "أنا مولودة في فلسطين" لحنان عشراوي ووجه الصلة بين كتاب نسيْبة والكتاب الأول هي النظرة البعيدة والاهتمام بالتطور الثقافي والاجتماعي، ووجه الصلة مع الكتاب الثاني هي الدقة في شرح خلفيات محادثات مدريد وأسلو وواشنطن.
أما كتاب نُسيْبة "كان فيه بلد في يوم من الأيام" فيعرض تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يفوق وصف حياته الخاصة، ويعتبر بالفعل مكملا للسيرة الذاتية لـ"أز" لوفرة الصور المعاصرة فيه. لقد تميّز الكاتبان أيضا بالنقد الذاتي وانعكاس التطورات الشخصية على الأيدلوجيات الثابتة في مجتمعاتهم. وطريقتهم في ذلك تدعو إلى التفاؤل، على الرغم من النتائج المحزنة.
أندرياس بفلتش
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008
""كان لي موطن اسمه فلسطين" " لساري نُسيْبة (مع أنطوني دافيد). ترجمه من الانجليزية: غبريلا جوكل وكتارينا فورس وتوماس فوللرمان. صدر عام 2008 عن دار نشر كونستمان بميونخ، 526 صفحة.
قنطرة السيرة الذاتية لأيان هرسي علي: القفز من أصولية الى أصولية أخرى أيان هرسي علي إمرأة إشكالية مثيرة للجدل. تكشف سيرتها الذاتية كيف أن هذه الهولندية المنحدرة من أصل صومالي والمشتغلة بالسياسة تحولت إلى الأصولية الغربية ومعاداة كل ما يتعلق بالإسلام. تقرير كتبه دانيال باكس. سياسة برويز مشرف في سيرة ذاتية: "على خط النار" صدرت مؤخراً ترجمة السيرة الذاتية لبرويز مشرف الى اللغة الأوردية. الملفت للنظر في هذه النسخة هو حذف بعض التعليقات التي تضمنتها النسخة الانكليزية، مثل تسليمه بعض المتهمين بالارهاب لأميركا بدون حكم صادر ضدهم مقابل مكافآت مالية. تقرير كتبته عطيلة إفتخار. رواية "يمّة - أمّي، ابني" للكاتب الطاهر بن جلون: "ليست مجنونة، لكنها على سفر" يتابع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون حياة أمّه التي تعاني من اضطرابات في الذاكرة، متقصيًا سيرتها الذاتية منذ زواجها الأول الذي استمر فترة قصيرة حتى شيخوختها، حيث أصبحت لا تستطيع مفارقة السرير ولم تعد تتعرّف على نفسها. أنغيلا شادر قرأت هذه الرواية التي ترجمت إلى الألمانية.