رحيل المفكر التونسي محمد الطالبي...ناقد التشدد الديني والظلامية
توفي أمس (الأول من مايو/ أيار 2017) المفكر والفيلسوف التونسي محمد الطالبي، الذي عرف بآرائه المثيرة للجدل، ودعواته إلى التجديد في قراءة النصوص الدينية.
ولد الطالبي عام 1921 بتونس العاصمة ودرس بالمدرسة المرموقة الصادقية في تونس، ثم التحق بجامعة السوربون بفرنسا حيث حصل على شهادة الدكتوراه. ودرس الطالبي التاريخ الإسلامي وتولى منصب عميد كلية الآداب في جامعة تونس سنة 1955، كما عين عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في سبعينات القرن الماضي. وتولى الطالبي في الثمانينات رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية.
ورغم أنه لم يكن أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957 -1987) يمارس نشاطا سياسيا أو حقوقيا، إلا أنه انضم عام 1995 للمجلس الوطني للحريات في تونس. وترأس الطالبي بيت الحكمة بقرطاج (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون) عام 2011.
"الإطار الكهنوتي"
وفي تصريحات سابقة قبل وفاته أوضح الطالبي أن معركته لتغيير الواقع الديني في تونس كانت تواجه تضييقا من قبل ما يسميه بـ "الإطار الكهنوتي" بعد أن كان واجه تضييقا من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ويقصد الطالبي بالإطار الكهنوتي، المؤسسات الدينية ومناهج التعليم الرسمية في الجامعات الدينية، إذ يعتبر الطالبي أن مناهج التدريس المعتمدة تسببت في تخريج جيل من المتشددين والتكفيريين في تونس.
وصدرت معظم مؤلفاته بلغات أجنبية ومن أبرزها "عيال الله" و"أمة الوسط" و"مرافعة من أجل إسلام معاصر" و"كونية القرآن" و"ليطمئن قلبي" و"ديني الحرية". ونال العديد من الأوسمة والجوائز من تونس وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والسويد.
رحيل الطالبي على صفحات مواقع التواصل
ونعى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، محمد الطالبي، وأعرب في برقية نعي عن "بالغ تأثره لرحيل هذا المفكّر الحر والمجتهد المجدّد والمصلح الجريء، والمناضل الوطني الصلب من أجل الحريّة والإنسانيّة". وأكد قايد السبسي في برقيته، التي نشرت اليوم، على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، أن الاستاذ الراحل محمد الطالبي، "كان يمثل أحد أعمدة الفكر في تونس، وتتلمذت على يديه أجيال تلو أجيال، ولم تثنه في الدفاع عن دينه وعلمه وشعبه وأفكاره، لومة لائم ولا شوكة حاكم"، متمنيا أن يُرزق أهله وذووه وكامل الاسرة الجامعيّة والثقافية، جميل الصبر والسلوان".
وبدورها نعت وزارة الشؤون الثقافية التونسية، المفكر الراحل في بيان قالت فيه "يعتبر الفقيد أحد أعمدة الفكر في تونس وهو ينتمي إلى الجيل الذي أسس الجامعة التونسية الحديثة". وأضاف البيان "ألف الراحل محمد الطالبي، على امتداد ستة عقود، ما يناهز ثلاثين كتابا، ما يترجم مسيرته الأكاديمية ويجسد تراثه الفكري".
الرئيس السابق منصف المرزوقي كتب عن رفيق دربه في مجلس الحريات الذي أسسه المرزوقي ضد حكم بن علي، وجاء في تدوينة للمرزوقي"رحم الله محمد الطالبي كنت لا أتفق وأحيانا لا أفهم حتى بعض افكاره، لكن للتاريخ أن الرجل وقف معنا عندما أسسنا المجلس الوطني للحريات سنة 1977 كردّ على تدجين الرابطة مع سهام بن سدرين وخديحة الشريف ومصطفى بن جعفر وسناء بن عاشور وتوفيق بن بريك ونجيب حسني وبعض الإخوة الآخرين". وأضاف المرزوقي"كان الالتزام يومها يتطلب الكثير من الشجاعة والتضحية ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة لرجل في عمره".
ورغم أن آراءه المتحررة في قضايا الدين كانت تجلب عليه الانتقادات والغضب من قبل الأوساط الدينية المحافظة، فقد كان لافتا أن حركة "النهضة"الإسلامية، أصدرت بيان نعي في وفاته وقدمت التعازي لأسرته.
وفي إشارة منه للغط الإعلامي الذي أثير حول آراء الطالبي وشخصه في السنوات القليلة الأخيرة من حياته، كتب الصحفي التونسي محمد سفينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "محمد الطالبي في عمر السبعين عارض بن علي وفي عمر التسعين عارض أعداء الفكر الحر، آخر إصداراته كتاب ديني الحريّة. عاش حرا و مات يدافع عن الفكر الحر والتاريخ سيحفظ له ذلك. رغم ما واجهه من بذاءة إعلامية".
واختار المدون كريم بنعبد الله عبارة من أقوال الطالبي حول طريقة تفكيره في أمور العلاقة بين الإله والإنسان، بتغريدة على حسابه في تويتر: "احنا مانخافوش من ربي .. احنا نحبوه".
وفي نعيه للراحل، قال الدكتور المهدي مبروك وزير الثقافة السابق في تدوينة على صفحته بفيسبوك: "رحم الله الدكتور محمد الطالبي. جلست أمامه طالبا سنة 1986 وكان يدرسنا آنذاك مادة "الحضارة الاسلامية الكلاسيكية".. كان المبحث طريفا وممتعا: النظافة والزينة (التجميل) والحياة اليومية في الحضارة الإسلامية". وأضاف مبروك "لقد ترك في شخصيا أثرا حسنا: اعتزاز بالانتماء إلى تلك الحضارة، حس نقدي، وتثمين لكتب الثراث التي كنا نجافيها دون معرفة ما في متنها ". المصدر: ( وكالات، دويتشه فيله)