نقد تجميل الديكتاتورية العلمانية وشيطنة السلطوية الدينية
من يطرح نظرية يرى فيها أن الإسلام يحمل في جيناته الدينية قرباً من الفاشية يضمن لنفسه اهتماماً منقطع النظير. هذا الاهتمام يزداد أكثر حين يكون صاحب النظرية نفسه ذا خلفية مُسلِمة. لكن الحياة ما بين الانتخابات الرئاسية في الجزائر وتلك في مصر، تطرح مقابل ذلك سؤالاً آخر: متى تتعدى معاداة الإسلاموية، المسماة أيضاً محاربة الإرهاب، حدود الفاشية؟
إن قلب الطاولة بهذه الطريقة ليس استفزازاً لغرض الاستفزاز وحسب. فما يحدث في مصر، التي تحول فيها الإخوان المسلمون إلى صورة العدو النمطي، يتطلب التحليل والبحث عن مصطلحات مناسبة. فطالما تعلق الأمر بجرائم ذات دوافع دينية، فإن اللهجة في ألمانيا تتعاظم لتصل إلى حد مسعور. لكن هذه اللهجة قلما تصل إلى هذا الحد المحموم عندما يُشار إلى القمع العلماني في الدول الإسلامية.
ما الذي يمكن إطلاقه، إذاً، على قانون محاربة الإرهاب في مصر؟ هذا القانون يعمل طبقاً لتعريف عريض للغاية لم يسبق له مثيل: فهو يعاقب أي إزعاج لـ"النظام العام"، أي أن الكتابة على تمثال قد تتحول إلى عمل إرهابي. هذا القانون عبارة عن إجراء اعتباطي لدولة عسكر قمعية، كان ضحاياه حتى الآن 16 ألف معتقل وصحفيون في قفص الاتهام وأكثر من 500 حكم بالإعدام بعد جلسة محاكمة دامت ساعتين فقط (كما حصل من أحكام بالإعدام على 683 إسلامي)، وأيضاً سحب حق الاقتراع لعناصر تنظيم الإخوان المسلمين.
إن جنرالات النيل يتجاهلون بذلك كافة الدروس المستقاة من الصدمة الجزائرية، التي بدأت قبل أكثر من ربع قرن عندما قرار جناح من الجيش الجزائري إيقاف العملية الانتخابية بالقوة من أجل منع فوز الإسلاميين بها. واليوم يبدو الرئيس السقيم بوتفليقة رمزاً صامتاً لاستمرار هذه التراجيديا. المؤسسة العسكرية المصرية باتت تدمج النفوذ السياسي بشكل واضح مع نفوذها الاقتصادي، فهي تتحكم بـ40 في المائة من الاقتصاد المصري، فيما تبقى ميزانية الدفاع سراً لا يخضع للرقابة ولا تُفرض عليه أي ضرائب.
أما عن كيفة وصول الحال بمصر إلى سلطة قمعية عسكرية، فيبقى ذلك أمراً محاطاً بالأساطير. خبيرا الشرق الأوسط الأمريكيان، شادي حمدي وميريديث ويلر، قاما بإجراء بحث حول فترة رئاسة محمد مرسي وذلك طبقاً لمعايير شائعة الاستخدام في العلوم السياسية، وذلك بهدف دراسة تطور المجتمعات الانتقالية بعد سقوط الأنظمة القمعية. والنتيجة؟ على المستوى العالمي، فإن مرسي، بالرغم من قلة أهليته وتكبّره، كان وسطياً. أما على مقياس الديمقراطية، فإن مصر في عهد مرسي كانت بعيدة للغاية عن أن توصف بالقمعية. أما الانقلاب، بحسب الباحثين، فقد استمد شرعيته من "تفسير خاطئ ومبالغة في الأحداث التي سبقته".
إن التقليل من إرهاب الأنظمة العلمانية كان في الغرب إجراءاً معهوداً في بداية الثورات العربية. ولكن بعد سقوط نظامي مبارك وبن علي، بدا وأن ذلك على وشك التغير. لكن هذا التغيير، كما يرى المرء الآن، لم يدم طويلاً.تصوير الأسد كأخف الضررين
أما بالنسبة لسوريا، فإن بشار الأسد بات يشكل "أخف الضررين". ودوماً يغيب عن التصور إمكانية إقامة تحالف ظلامي بين نظام حكومي علماني وإرهاب ذي دوافع دينية، رغم أن نشوء "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بدعم من عناصر المخابرات الجزائرية مثال يؤكد ذلك.
كما جاء في خبر من نيجيريا على لسان راديو "صوت أمريكا"، الذي لا يمكن وصفه بالتهوين من التيار الإسلاموي، بأن جندياً نيجيرياً تعرّف على مدربيه السابقين وضباط من الجيش النيجيري بين صور لمقاتلين من جماعة بوكو حرام الإرهابية نُشرت على موقع إلكتروني تابع للجماعة.
هذا لا يعني أن الجرائم التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام وغيرها أقل سوءاً. ولكن ما هي دقة الصورة التي يتم إيصالها لنا؟ وهل تخفي الأجزاء الناقصة في الصورة أسباباً تفسر عدم نجاعة الحرب ضد بوكو حرام؟
وبحسب توصيف المجرم كشخص مسلم أو علماني، فإن اللهجة والحالة العامة تعرف مقاييس مختلفة. فعندما يقوم إردوغان بحجب خدمة "تويتر" في تركيا، فإن الصراخ يتعالى أكثر من عندما يقوم الأسد بتعذيب أطفال. أما حجة أن تركيا أقرب إلينا وأنها تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فلا يمكنها أن تفسر الاختلاف في المزاج العام بشكل مُقْنِع.
أيضاً فيما يتعلق بإيران، والتي ليست قريبة منا، فإن الضحايا هناك يتمتعون في الغرب دوماً بثقة مسبقة، لأنهم ضحايا نظام إسلامي، حتى وإن كان مَن حُكِم عليه بالإعدام تاجر مخدرات.
لاسم الإخوان المسلمين مفعول "مثبِّط للتعاطف" الغربي معهم
إن انعدام التعاطف مع الضحايا يعتبر أحد أسباب التهوين الغربي المزمن للقمع العلماني، فمثلا اسم الإخوان المسلمين وحده يكفي تأثيره ليعمل عمل مُستحضَر "مثبِّط للتعاطف" معهم في الغرب. كما أن تلك الأنظمة ما تزال، كما كانت قبل الربيع العربي، شريكاً يمكن التنبؤ به بالنسبة للغرب. وقد وزير الخارجية الأمريكي (السابق) أقام جون كيري لوقت طويل في الجزائر الذي يعتبر الشريك المفضل للولايات المتحدة في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب.
لكن الجديد في هذا الصدد هي النظرة إلى التيار الإسلامي كعدو تقليدي رئيسي، وهي نظرة متغلغلة في اليسار الغربي والعربي على حد سواء. هذا ما شلّ التعاطف مع الثورة السورية ويؤدي إلى قراءة خاطئة للأحداث في مصر، ويثير الاستقطاب في تونس. ربما يتعلق الأمر بنوع من الدولية الموجهة بطريقة خاطئة.
ولكن حتى مجتمعات ما بعد الثورة في مصر وتونس، هناك انقسامات بينهما أكثر من القواسم المشتركة. وهذا ينطبق على درجة التديّن بقدر ما ينطبق على مميزات اللاعبين الإسلاميين فيهما. وبأخذ كارثة الإخوان المسلمين في عين الاعتبار، تخلى حزب النهضة في تونس عن السلطة.
وفي الجزائر، قاطعت الأحزاب الإسلامية الثلاثة الأكبر في البلاد، بالإضافة إلى معارضين علمانيين، الانتخابات. وعلى المستوى العالمي، من إندونيسيا وحتى القرم، فإن الإسلام السياسي يسير – بحسب البلد – في اتجاه مختلف. لهذا فشلت كل النظريات الرائجة حول صعود أو سقوط الإسلام السياسي في نقطة ما من الزمن.
شارلوته فيديمان
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017