زهرات الربيع العربي- ثورات الشعوب العربية بلمسات أنثوية
بعد عام على التغيير احتفظ الرجال في العالم العربي باحتكارهم لصنع القرار في بلدانهم. وهذا ما نشاهد نتائجه في تشكيلة الحكومة التونسية الجديدة أو في البرلمان المصري الذي اُنتخب مؤخراً، إذ لم تحصل النساء في الانتخابات المصرية إلا على اثنين بالمائة من مقاعد البرلمان، على الرغم من أن مصر كانت قد وقعت قانون مكافحة العنصرية وإعطاء الحقوق الأساسية للمرأة في عام 1981 وعلى الرغم من التعهد الذي قطعته الدولة المصرية لزيادة تمثيل المرأة في المؤسسات السياسية فيها.
والمتتبع لمسار الربيع العربي تفاجأ بهذه النتائج ولا سيما أن المرأة قد ساهمت في صناعة الربيع العربي وبشكل فعال وكبير، إذ في بداية ثورة 25 يناير في مصر والتي أدت إلى خلع مبارك، كانت هناك الناشطة الشابة أسماء محفوظ والتي دعت عبر صفحتها في الفيسبوك في مطلع يناير 2011 إلى التجمع في يوم 25 يناير، وهو عيد احتفال الشرطة المصرية بعيدها، داعية جعله يوما للتظاهر والدعوة إلى التغيير.
تاريخ طويل في النشاط السياسي
النساء في العالم العربي كن دائما من المشاركات في الثورات العربية على امتداد عصورها. ففي تونس احتجت المنظمات النسائية في الأربعينيات ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد. وفي عام 1923 في مصر قامت الناشطة النسوية هدى شعراوي بنزع غطاء وجها أمام الملأ في دعوة منها لتحرير المرأة وتثقيفها في المجتمع المصري. إضافة إلى ذلك اشتهرت هدى شعراوي كناشطة وطنية ضد الاحتلال البريطاني للبلاد.
مشاهد النساء وهن يتصدرن ساحات الاحتجاج في العام الماضي هي ليست بالجديدة في المفهوم العربي. والمشاركة الكبيرة للنساء في الثورة عن طريق الانترنيت كان تفسيرها الوحيد هو تباين القيم الاجتماعية في العالم العربي، الذي قسم المجتمع إلى قسمين منعزلين عن الآخر واحد للرجال وآخر للنساء، كذلك الحياة الخاصة، إذ على النساء "المؤدبات" أن يقضين أوقات فراغهن في منازلهم ومع عوائلهن وليس خارج المنازل، حسب العادات العربية التقليدية. فلهذا وجدت النساء مساحة واسعة في التعبير عن مشاعرهن وتوجهاتن السياسية والثقافية، وخاصة من ذوات الشهادات الجامعية ، واصبحن من رواد مواقع التبادل الاجتماعي المختلفة كتويتر وفيسبوك والمدونات لما وفرته هذه المواقع من فرصة لهن للتواصل عبرها مع العالم الخارجي.
المرأة كقيادية في الربيع العربي
لكن الجديد والمثير في النشاط السياسي النسائي الحالي هو الإصرار على تنظيم وقيادة المظاهرات في الربيع العربي، ليس فقط عبر الانترنيت في مواقع الفيسبوك وتويتر، وإنما تعداه أيضا إلى المشاركة بصورة فعالة في الحشد وتنظيم وتصدر المظاهرات في الربيع العربي، كل واحدة منهن حسب إمكانيتها الخاصة، فالفنانات منهن مثلا نجحن في إيصال صوتهن بصورة فعالة في المظاهرات، كما حدث مع المطربة التونسية الشابة نوال بن كريم أو مع المطربة والملحنة التونسية أمل مثلوثي، اللتان نجحتا من خلال أغانيهما التي قدمت في الساحات العامة أيام الثورة في الحشد ودعم الثورة ومن ثم إسقاط حكم بن علي، وأصبحت أغانيهما أناشيداً حماسية يغنيها الثوار في جميع أنحاء تونس.
الربيع العربي شهد أيضا بسالة المرأة العربية في تصديها لقوات الأمن، إذ حاولت هذه القوات وبشتى الطرق إضعاف النساء وضربهن لإخضاعهن وردعهن عن المشاركة في المظاهرات، ففي مصر أجبرت قوات الأمن المتظاهرات المصريات المقبوض عليهن على إجراء "كشف العذرية" في مراكز التوقيف، في إجراء يعد انتهاكا لحرمة جسد المرأة وعدوانا على كرامتها. ضحايا "كشف العذرية" لم يسكتن عن المطالبة بحقوقهن ومحاسبة الذي أقدم على هذه التصرفات المشينة معهن وطالبن أمام الرأي العام المصري بفتح هذا الملف الحساس بالنسبة لهن وإرسال المتهمين إلى العدالة، في خطوة تعد جديدة على الأعراف الاجتماعية السائدة في مصر، إذ نادرا ما تطالب المرأة في مصر بحقوقها عندما يتعلق الأمر بمسائل حساسة تخصها، كما في حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
كما حدث لسميرة إبراهيم ذات الـ25 ربيعا والتي ربحت دعوة قضائية في شهر ديسمبر الماضي ضد المتهمين بعملية "كشف العذرية" عليها والتأييد الكبير لقضيتها من خلال المسيرات الحاشدة في شوارع القاهرة والتي ضمت أيضا آلاف النساء تضامنا معها رافعين فيها لافتات كتب عليها "نساء مصر خط أحمر".
ثقة نفس كبيرة ومطالبة بإصلاح القوانين
الثقة الكبيرة بالنفس للنساء العربيات هو مؤشر واضح للتغيير الاجتماعي الجاري الآن في هذه البلدان. ولا شك أن للتعليم دور هام في تطوير ثقة النفس هذه، إذ وعلى الرغم من أن نصف النساء في بعض هذه المجتمعات، كما في مصر وفي المغرب، لا يستطعن القراءة والكتابة وعلى الرغم من احتلال المرأة العربية في مجال التعليم لمراكز متأخرة مقارنة بقريناتها في الدول الأخرى، تضاعف عدد النساء المتعلمات ولعدة مرات خلال سنين قليلة. واقتحمن النساء ذوات الشهادات الجامعية منهن جميع مرافق الحياة المختلفة في سابقة جديدة في العالم العربي.
يضاف إلى ذلك التغيرات الاجتماعية في العالم العربي، إذ لم تعد التقاليد القديمة القاضية بملازمة النساء لمنازلهم مواكبة للعصر في العالم العربي، والمرأة بدأت بالمطالبة في إتاحة الفرصة لها في الحياة العامة. هذه المطالب اصطدمت بكثير من المعوقات منها، الأعراف الذكورية العربية والتي تقف أمام إعطاء المرأة لحقوقها الكاملة . هذه الأعراف لا تزال تلقى قبولا كبيرا في المجتمعات العربية وخاصة بعد انتشار الإسلام السياسي المحافظ والممول من دول الخليج. منظرو هذا التيار الديني يشددون من جهة على التعاليم السمحة للدين الإسلامي ويطالبون من جهة أخرى بضرورة إخضاع المرأة للرجل وأيضا بالسماح له بالزواج من أربعة نساء في آن واحد، إضافة إلى مطالبتهم بعزل النساء من الحياة العامة بحجة أنهن غير قادرات على السيطرة على مشاعرهن.
معظم قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي لا تعطي للمرأة حقوقها الكاملة، وخاصة في المسائل التي تتعلق بالزواج والطلاق والإرث. هذه القوانين العربية تستند في معظمهما على رؤية محافظة جدا لتفسير القانون الإسلامي والتي تغبن في الغالب المرأة من حقوقها. اليوم وبعد عام من الربيع العربي لا تزال النساء في مصر وفي تونس تتجه إلى الشوارع مطالبات بحقوقهن. وتختلف النساء في مطالبهن، فمنهن من يطالب بدولة مدنية تحمي حقوق المرأة، وأخريات يطالبن بتطبيق الشريعة الإسلامية كضمان لحقوقهن، لكن ما يجمع هؤلاء النساء هو مطالبتهن بدولة يحكم فيها القانون وتغيب عنها مظاهر الفساد والفوضى.
مارتينا صبرا
ترجمة: زمن البدري
مراجعة: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012