تزايد دور المغرب "كحارس" للحدود الأوروبية

صورة من: Ja vier Bernardo/AP/dpa/picture alliance - مهاجر يجري عبر حقل في جيب مليلية الإسباني.A migrant runs across a field in the Spanish enclave of Melilla
يهدف اتفاق حماية الحدود الأوروبية مع المغرب إلى وقف الهجرة غير النظامية: صورة من: Javier Bernardo/AP/dpa/picture alliance

حملات المغرب ضد موجات الهجرة غير النظامية تسلط الضوء على تزايد دوره في وقف الهجرة إلى أوروبا. لكن يوجد اعتقاد بأن تلقي مساعدات مالية ليس هدف الرباط من اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة. استعلام جنيفر هولايس.

الكاتبة ، الكاتب: Jennifer Holleis

يزداد دور المغرب "كحارس" للحدود الأوروبية من الهجرة غير النظامية، إذ صدر بيان حديث عن القوات المسلحة الملكية المغربية أفاد بإيقاف حوالي 87 ألف مهاجر غير نظامي العام الماضي 2023 بما يشكل زيادة كبيرة عن معدل عام 2022، الذي شهد تسجيل إيقاف 56 ألف مهاجر بين يناير / كانون الثاني وأغسطس / آب من ذاك العام.

وأشار الجيش في بيانه إلى أن معظم عمليات الإيقاف جرت قرب الساحل الغربي للمغرب. الجدير بالذكر أن جزر الكناري الإسبانية تبعد حوالي مئة كيلومتر عن الساحل الغربي للمغرب.

وفي السياق ذاته أفاد بيان أوروبي بوصول أكثر من 56 ألف مهاجر إلى الجزر الإسبانية انطلاقاً من هذا المسار في الفترة ما بين يناير / كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي 2023، ما يمثل زيادة غير مسبوقة بلغت 82% مقارنة بعام 2022.

لكن ليس كل المهاجرين -الذين وصلوا إلى جزر الكناري- ينطلقون من المغرب، إذ يستقل العديد منهم سفنا صغيرة أو قوارب مطاطية للإبحار من الساحل الغربي لأفريقيا.

وكان العام الماضي 2023 مأساويا إذ لقي عدد قياسي من المهاجرين حتفهم في عرض المحيط الأطلسي، فيما ذكرت منظمة "كاميناندو فرونتيراس" الإسبانية غير الحكومية أن 6618 مهاجرا قضوا حتفهم خلال رحلة الوصول من المغرب إلى جزر الكناري، وهذا يمثل معظم حالات الوفاة أي ضعف ما سُجل عام 2022.

وفي مقابلة مع دي دبليو قالت سونيا حجازي -نائبة مدير "Leibniz and Zentrum Moderner Orient" (مركز لايبنتز للشرق الحديث)، وهو معهد بحثي ألماني- إن "هناك العديد من الأسباب وراء تزايد استخدام ما يُعرَف بالطريق الغربي في ظل أن طرق (الهجرة) الأخرى تتسم بالخطورة".

وأضافت أن الظروف في ليبيا باتت أكثر قسوة حيث يُعْتَرَض المهاجرون ويُعادُون إعادةً قاسية، فيما يُجرى احتجازهم في سجون غير إنسانية، مشيرة إلى أن الدول الأخرى في منطقة شمال أفريقيا "ليست معروفة بتعاملها اللين مع المهاجرين".

ميثاق الهجرة المغربي

وفي ضوء هذه المعطيات من المتوقع ازدياد دور المغرب كحارس لما يُعرف بـ "بوابة الهجرة الأوروبية"، إذ بعد سبع سنوات من المفاوضات الماراثونية، اتفقت الرباط والاتحاد الأوروبي على اتفاق بشأن الهجرة أواخر العام الماضي 2023.

وفي هذا الإطار قام الرئيس التنفيذي للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) -هانز ليتينز بزيارة المغرب عدة مرات بهدف تعزيز الحوار والتعاون مع السلطات المغربية المنوط بها ضبط وإدارة الحدود.

وفي بيان قال المسؤول الأوروبي إن "المغرب يبرز كشريك هام في أفريقيا".

وفي تعليقها قالت كاميل لو كوز -المديرة المساعدة لمعهد سياسة الهجرة في أوروبا- إن من المهم التأكيد على أنه رغم التوصل إلى اتفاق "فإننا بعيدون جدا عن تنفيذه".

وفي مقابلة مع دويتشه فيله أوضحت أن "هذا اتفاق سياسي سيحشد الاتحاد الأوروبي بموجبه ميزانيات وموظفين بهدف إنشاء بنية تحتية حتى يصبح اتفاق الهجرة أمرا حقيقيا في غضون سنوات قليلة".

في المقابل قالت سونيا حجازي إن "طرفي المعادلة يتمثلان في دعم الاتحاد الأوروبي لمطالب المغرب الإقليمية، فيما يدعم المغرب السياسة الأوروبية الخاصة باللاجئين".

وقال مراقبون إن الالتزام المغربي واجه اختبارا مطلع العام الجاري 2024. فعشية رأس السنة تمكنت القوات المسلحة الملكية المغربية من اعتراض حوالي 1100 شخص واعتقالهم وهم من المغرب و الجزائر وتونس واليمن و بلدان جنوب الصحراء الكبرى كانوا في طريقهم إلى جزر الكناري وجيبي سبتة ومليلية الإسبانيين.

ويقع جيبا مليلية وسبتة على الساحل الشمالي للمغرب ويمثلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية، ويتعرض الجيبان بانتظام لمحاولات دخول سرية.

  صورة من: Toufik Doudou/AP/picture alliance - نساء صحراويات يَسِرْنَ في مخيم سمارة للاجئين في منطقة تندوف، جنوب الجزائر. Sahrawi women walk through Smara refugee camp in Tindouf, southen Algeria
دعمت إسبانيا مؤخرا وقبلها الولايات المتحدة مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية. صورة من: Toufik Doudou/AP/picture alliance

المصالح السياسية

وترى سارة زعيمي -نائبة مدير الاتصالات في المجلس الأطلسي للأبحاث ومقره واشنطن- أن المغرب ينظر إلى قضية "الهجرة بمثابة ورقة ضغط كلاسيكية في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي".

وفي مقابلة مع دي دبليو أضافت أنه بين عامي 2020 و2021 ووسط أزمة مع إسبانيا "سمح المغرب عمدا لمهاجرين محليين ووافدين سريين باقتحام حدود جيبي سبتة ومليلية، مما تسبب في حالة ذعر كبيرة داخل الحكومة الإسبانية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي".

وأشارت إلى أن الواقعة أسفرت عن فرار حوالي ألفي شخص صوب حدود مليلية مما أدى إلى أعمال عنف و شغب دامت لساعات و أودت بحياة 23 شخصا في يونيو / حزيران عام 2022، مضيفة أنه تلى ذلك ظهور بوادر "ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين".

وقالت الباحثة إن هذا "الوضع مهد الطريق أمام تحقيق توافق بين المغرب وإسبانيا".

وبالإضافة إلى التعاون الحدودي وافقت إسبانيا على مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية -التي استقلت عن إسبانيا عام 1975- وتحولت موضع نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وأصبح الإقليم -الذي تعتبره الأمم المتحدة "إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي وهو جزء من مستعمرة سابقة" كانت خاضعة لأسبانيا- نقطة انطلاق مفضلة للمهاجرين  الطامحين إلى الوصول إلى جزر الكناري.

ويقول مراقبون إن إسبانيا لم تكن الدولة الغربية الوحيدة التي تقبل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، إذ في عام 2020 اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم في إطار حيثيات "مقايضة" بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة بشأن التطبيع مع إسرائيل.

ومهد هذا الاعتراف الطريق أمام فتح العديد من القنصليات الأفريقية -في مدينة العيون ومدينة الداخلة- فيما دعمت دول الخليج الموقف المغربي عبر ضخ استثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة.

ويعد الإقليم أيضا موطناً لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وتقول البوليساريو إنها تمثل الشعب الصحراوي وتناضل من أجل استقلال الإقليم منذ حوالي 50 عاما. وتزامن ذلك مع استمرار العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر.

المغرب وتحولات في السياسة الخارجية

وقالت سونيا حجازي إن "المغرب قد فرض مطالبه السياسية المتعلقة بالصحراء الغربية منذ عقود، لذا يشعر أنه وصل إلى نقطة الأمان. ولهذا السبب يمكنه استخدام سياسته الخاصة باللاجئين لممارسة المزيد من الضغوط لتعزيز التنمية المحلية".

لكن لا يبدو أن هدف المغرب يقتصر على الحصول على مساعدات مالية، بحسب ما أشارت إليه سارة زعيمي.

وفي سياق ذلك قالت إن "التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية المغربية تشير إلى أن المملكة باتت أكثر ثقة وأيضا أكثر مشاكسة، لذا أجد من الصعب تصديق أن المغرب يستخدم المهاجرين للاستفادة من المساعدات التنموية".

وأضافت زعيمي أن "الرباط برهنت على ذلك من الطريقة التي تمكنت من خلالها إدارة أزمة الزلزال"، في إشارة ضمنية إلى رفض المغرب معظم المساعدات الخارجية عقب كارثة زلزال سبتمبر / أيلول الماضي 2023 والذي أودى بحياة قرابة ثلاث ألاف شخص.

وأشارت إلى أن "المغرب يفضل الآن السيادة على علاقاته مع القوى الاستعمارية السابقة وعلى ديناميكيات التبعية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تنويع الرباط لشركائها خارج المدار الغربي بما يشمل الإمارات والصين والسعودية وحتى روسيا وأمريكا اللاتينية ودول أخرى".

وأضافت أن المشاريع الاستثمارية الكبرى -مثل الاستضافة المشتركة لكأس العالم 2030 مع البرتغال ومشروع النفق الرابط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق وجذب الصناعات إلى الأراضي المغربية- أصبحت تتصدر أولويات الرباط.

 

 

 جنيفر هولايس

ترجمة: محمد فرحان

حقوق النشر: دويتشه فيله 2024

 

Qantara.de/ar