"لؤلؤة الجنوب" لا تزال غير حرة

رجل يرتدي زيًا صحراويًا ويغطي رأسه بالحجاب يمتطي جملًا. في الخلفية، يُعرض إعلان لليونسكو على كثيب رملي.
يحتفي مهرجان الموسم بالتقاليد الصحراوية، ولكن كجزء من الثقافة المغربية فقط. (Photo: Picture Alliance / AP | A. Bounhar)

يحتفي المغرب اليوم بالثقافة الصحراوية على شاشاته الرسمية وفي مهرجاناته الفنية، في مشهد غير مألوف سابقًا، وبينما يبقى حلم تقرير المصير بعيد المنال في الصحراء الغربية، تمضي الحكومة المغربية في بسط نفوذها في عمق الإقليم.

تقرير: بيتينا جراف

يدعو ناشطون حول العالم حاليًا إلى تجديد الاهتمام بصراع استعماري لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، ألا وهو الصراع على الصحراء الغربية، حيث تُحيى الذكرى الخمسين بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني، ويناير/كانون الثاني، لانسحاب الاستعمار الإسباني من المنطقة التي عُرفت بـ"الصحراء الإسبانية".

حينها، أعقب هذا الانسحاب احتلال عسكري مغربي-موريتاني للإقليم، ونزوح جزء كبير من السكان الصحراويين إلى مخيمات للاجئين في الجزائر، التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

تُعتبر الصحراء الغربية "إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي"، منذ الانسحاب الإسباني خلال عامي 1975 و1976، بحسب توصيف الأمم المتحدة. فقد احتّل المغرب، الذي نال استقلاله عن فرنسا عام 1956 فقط، هذه المنطقة بشكل غير قانوني منذ ذلك الحين، واضعًا نفسه فوق القانون الدولي والأوروبي المعمول به.

كما هو الحال الآن، تستخدم المملكة المغربية جميع وسائل الإعلام والقنوات الثقافية المتاحة لتعزيز روايتها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية وصرف الانتباه عن الاحتلال، بيد أن الاستراتيجية المغربية لشرعنة الاحتلال تغيرت بمضي الوقت.

ويتجلى هذا خاصة في السياسة الثقافية للبلاد المتعلقة بالاحتلال، التي وقعت في عهد ملكين مغربيين، الحسن الثاني (1961-1999) ومحمد السادس (منذ عام 1999)، وبالتالي فهي ذات وجهين متميزين.

"سنوات الرصاص" في عهد الملك الحسن الثاني

اتفق الأب والابن على أن الصحراء الغربية تعود ملكيتها تاريخيًا إلى المغرب، وتشير هذه الحجة إلى انتماءٍ وحكم مغربي شرعي مستمد للإقليم. إلا أن رأيًا استشاريًا أصدرته محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، ناقض هذا الرأي، وأكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.

في العقود الأولى من الاحتلال، سلك الحسن الثاني، نهجًا مختلفًا تمامًا عما سلكه محمد السادس منذ بداية الألفية الثانية، فخلال ما عُرف بـ"المسيرة الخضراء" في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، استجاب حوالي 350 ألف مدني مغربي وآلاف الجنود لدعوة الملك، وعبروا الحدود نحو مدينة العيون (بالفرنسية: Laayoune) التي طورتها إسبانيا.

امرأة ترتدي الزي الصحراوي تعبر الشارع.
صحراويون في مدينة الداخلة بالزي التقليدي: "الملحفة" للنساء و"الدراعة" للرجال. (Photo: Picture Alliance/AP | M. Elshamy)

ربط الحسن الثاني مسألة انتماء الصحراء الغربية إلى المغرب، ارتباطًا وثيقًا بشرعيته كملك والوحدة الوطنية للمغرب، ولذلك، تعامل بقسوة مع من شككوا في ذلك، وفي عهده، لم تكن الثقافة الصحراوية البدوية، شأنها شأن الثقافة الأمازيغية، جزءًا من الهوية المغربية.

يقول المؤرخ الدكتور عبد الرحمن طالب عمر أحمد بابا من جامعة نافارا لموقع قنطرة: "اتّبع الحسن الثاني نهجًا قائمًا على اتخاذ إجراءات قاسية، أي القمع الثقافي واستخدام القوة. على سبيل المثال، أُجبر الصحراويون على تبني أسماء وألقاب مغربية، ومُنعوا من ارتداء ملابسهم التقليدية كالملحفة والدراعة، ولم يُسمح لهم بالتحدث بلهجتهم الحسانية".

يحتفي المغرب اليوم بـ"تنوعه الثقافي"

تغيّر هذا الوضع مع انتقال السلطة عام 1999، الذي أنهى أيضًا القمع الواسع النطاق وما يُعرف بـ"سنوات الرصاص"، وانتهج الملك الحالي محمد السادس سياسة "المغربة"، التي لا تهدف إلى تحقيق أهدافها من خلال الحظر وقمع الثقافة الصحراوية، بل من خلال دمجها في التنوع الثقافي المغربي المُعلن عنه حديثًا.

تشرف على هذه السياسة وكالة الجنوب، التي تأسست في الرباط عام 2002، وعلى الصعيد الاقتصادي، تستخدم مراكز الاستثمار الإقليمية في الداخلة والعيون مقاطع فيديو مفصلة لجذب الاستثمارات في السياحة والزراعة والشحن والطاقة المتجددة في الصحراء الغربية.

كرّس الإصلاح الدستوري المغربي لعام 2011 اعتراف النظام الملكي بالتنوع في القانون، وكجزء من هذا التحول في السياسة الثقافية والإعلامية، أسست الدولة المغربية محطة تلفزيون العيون عام 2004 - ومن المفارقات أن ذلك حدث في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرى "المسيرة الخضراء"، التي يُطلق عليها الصحراويون اسم "المسيرة السوداء".

تبث هذه المحطة التلفزيونية الحكومية الأخبار باللهجة الحسانية، بهدف تمثيل الثقافة الصحراوية، إلا أنها لا تعرض الأصوات التي تنادي بالاستقلال أو تنتقد سجن النشطاء الصحراويين، وذلك يتماشى مع مصالح الدولة المغربية. 

ومن الأمثلة الأخرى مهرجان موسم طانطان، جنوب المغرب الذي يقع منطقة كانت تحت سيطرة إسبانيا حتى استقلال المغرب، وسكنها لفترة طويلة صحراويون في المقام الأول، وتقليديًا، كان مهرجانًا لتكريم أحد الأولياء الصالحين، وملتقىً للقبائل البدوية من جميع أنحاء الصحراء.

في عام 2004، أحيت العائلة المالكة المغربية هذه العادة القديمة، وفي العام التالي، أعلنت اليونسكو، المهرجان من روائع التراث الثقافي الشفهي وغير المادي المغربي، متجاهلةً الظروف السياسية الصعبة.

يؤكد الصحفي محمد راضي الليلي، الذي عمل في قناة الأولى التلفزيونية الحكومية بين عامي 2001 و2013: "يخدم مهرجان طانطان السياسة الثقافية للحكومة المركزية المغربية؛ لإضفاء الشرعية على احتلال الصحراء الغربية، ولم يُسهم المهرجان قط في دعم الشعب الصحراوي الذي يعيش هناك أو ثقافته الحقيقية".

وأوضح في مقابلة مع قنطرة، أن المهرجان يهدف أيضًا إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال لدى الدول الصديقة للمغرب؛ مثل الإمارات العربية المتحدة التي تواجدت بجناح خاص في المهرجان.

عطلة في الأراضي المحتلة

تُعدّ السياحة، جانبًا أساسيًا من السياسة الثقافية المغربية المتعلقة بالاحتلال. يُروّج المكتب الوطني للسياحة، لبحيرة الداخلة بلغات متعددة بصور جذابة، حيث تتميز بشواطئها الخلابة، المثالية لركوب الأمواج الشراعية، والصحراء التي تغمرها أشعة الشمس عند غروب الشمس، ويُطلق الموقع الإلكتروني للمكتب باللغة الإنجليزية، على المغرب لقب "مملكة النور"، والداخلة لقب "لؤلؤة جنوب المغرب".

من المقرر توسيع البنية التحتية في الصحراء الغربية المحتلة في السنوات القادمة، إذا ما سارت الأمور على ما يرام مع الملك والدول الشريكة المؤثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا العظمى والإمارات العربية المتحدة.

يظهر شعار "المغرب، مملكة كرة القدم" بشكل بارز على رأس الموقع الإلكتروني للمكتب الوطني للسياحة، حيث يستضيف المغرب هذا الشتاء كأس الأمم الأفريقية، وبعض مباريات كأس العالم في صيف 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال. 

يخرج شباب المغرب، الشغوفون بكرة القدم عادةً، إلى الشوارع حاليًا تحت اسم "جيل زد 212" احتجاجًا، من بين أمور أخرى، على الاستثمارات في الأحداث الرياضية الكبرى، إذ تتدهور أوضاعهم المعيشية منذ سنوات، ولا يتوقع السكان أن يستفيدوا من كأس العالم. كما يُخطط لبناء ملعب جديد في الصحراء الغربية المحتلة.

القانون الدولي يتلاشى

بالإضافة إلى سياساته الثقافية المتوافقة مع الاحتلال، شنّ المغرب أيضًا حملةً ترويجيةً في سياسته الخارجية عام 2007. في 11 أبريل/نيسان 2007، قدمت الحكومة المغربية خطةً إلى الأمم المتحدة تُحدد، في بضع صفحات فقط، للحكم ذاتي بمنطقة الصحراء تحت السيادة المغربية.

لا تتضمن هذه الخطة استفتاءً على استقلال دولة صحراوية، والذي كان عاملاً أساسيًا في الخطة التي قدمها عام 2004 الممثل الخاص للأمم المتحدة للصحراء الغربية آنذاك، جيمس بيكر، وهي الخطة التي رفضها المغرب رفضًا قاطعًا.

في عام 2020، اعترفت الولايات المتحدة رسميًا بالصحراء الغربية كجزء من المغرب، وتلتها فرنسا عام 2024. ومنذ ذلك الحين، أعربت الدولتان، بالإضافة إلى إسبانيا، ومؤخرًا المملكة المتحدة، عن دعمهما لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب. 

وتراجع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن موقفه يوم الجمعة الماضي، واعتمد قرارًا قدمته الولايات المتحدة، يدعم خطة الحكم الذاتي، وبالتالي مطالبة المغرب بالصحراء الغربية. ومع ذلك، قرر مجلس الأمن في الوقت نفسه، تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، مما يعني أن إجراء استفتاء على الاستقلال لا يزال هدفًا قائمًا.*

يبدو أن هذه الدول غير مهتمة بانتهاك المقترح للقانون الدولي، ولا بالحكم غير الديمقراطي في المغرب. ومع ذلك، فإن الهياكل الديمقراطية في المغرب، شرط ضروري لكي يكون للشعب الصحراوي فرصة حقيقية لـ"الحكم الذاتي" السياسي والثقافي، تحت الحكم المغربي.

إن اعتراف دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية بالخطة يضر بالصحراويين، الذين يناضلون من أجل استقلالهم واحترام القانون الدولي لخمسين عامًا.

*أُضيفت هذه الفقرة إلى النص في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بعد اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

 

ترجمه من الإنجليزية: محمد مجدي

قنطرة ©