كندا - فيلم "صناعة التهديد"

A man and a woman sit at a desk, a window shielded by a blind in the background
يسلط الفيلم الوثائقي "صناعة التهديد" لإيمي ميلر، الضوء على حادثة وقعت في عام 2013، حين تلاعب عملاء سريون كنديون بالزوجين المعتنقين للإسلام حديثاً، عمر نوتال وآنا كورودي، من أجل التخطيط لهجوم إرهابي. ‏image: Wide Open Exposure Production

تزايدت حوادث الإسلاموفوبيا مجددا في الغرب عقب هجوم حماس 07 /10 /2023 على إسرائيل. جنكيز فارزي شاهد لموقع قنطرة فيلماً وثائقياً يذكرنا بمدى ما قد تذهب إليه الحكومات لتحقيق نتائج تعتقد أن الناس يريدون رؤيتها.

الكاتبة ، الكاتب: Changiz Varzi

للدخول إلى سينما "دو بارك" Cinema Du Park، حيث عُرِض الفيلم الوثائقي "صناعة التهديد" على الشاشات الكندية في 25 آب/أغسطس 2023، ينبغي على الجمهور المرور عبر شارع Rue de Park، مكان يظهر فيه تأثير التشرّد بصورة كبيرة في مونتريال.

في الشارع، عند تقاطع "رو دو بارك - رو ميلتون" Rue de Park Rue Milton، تجمّع مشرّدون ينتمون لخلفيات عرقية ودينية مختلفة خارج المقاهي والمطاعم المريحة، بحثاً عن عزاء في العقاقير المحظورة. وداخل السينما، تناول وثائقي إيمي ميلر قصة اثنين من هؤلاء الأشخاص من الساحل الغربي البعيد لكندا.

"صناعة التهديد" هو فيلم وثائقي يحقّقُ في عالم العمليات المُقلق الذي تقوم به شرطة الخيالة الملكية الكندية RCMP. يسلّط الفيلم الضوء على حادثة وقعت في عام 2013 تُعرف باسم "مشروع تذكار"، حين تلاعب عملاء سريون بزوجين فقيرين كانا قد اعتنقا الإسلام حديثاً، عمر نوتال وآنا كورودي، من أجل التخطيط لهجوم إرهابي.

Collage of images of people, mostly taken using hidden camera or CCTV
تحطيم الوهم: تقول مخرجة الأفلام الوثائقية إيمي ميلر: "جزء من صناعة الأسطورة أنّ كندا هي الرجل الصالح عالمياً، وهو اعتقاد خاطئ وحقيقة زائفة، ولكنها جزء من الهوية الثقافية. يتعلّم الكنديون التمسّك بهذا الاعتقاد ويفخر العديد منهم به". ‏image: Wide Open Exposure Productions

جرت العملية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي شكّلت تغييراً كبيراً في شكل العدو المُتصوَّر للعالم الغربي. منذ تلك الهجمات حوّل المشهد العالمي -بما فيه كندا- تركيزه من الحرب الباردة والشيوعية إلى ما يُسمى بتهديد الإسلاموية.

في 1 تموز/يوليو 2013، ألقت الشرطة القبض على الزوجين بعد زرعهما لقنابل وهمية على أراضي برلمان كولومبيا البريطانية في مدينة فيكتوريا في مُخطّطٍ دبره عملاء سرّيون.

ومع ذلك قدّمت شرطة الخيالة الملكية الكندية هذه العملية علناً على أنها عملية ناجحة ضد التطرّف الإسلامي في كندا.

يرفض نوتال هذه السردية بشدة، مؤكداً خلال الفيلم الوثائقي أنّ العملية كانت "عملية داخلية زائفة نفّذتها الحكومة الكندية". ورغم ذلك، أُدين الزوجان بالتآمر لارتكاب جريمة قتل وزرع متفجرات لصالح منظمة إرهابية.

وتطلّب الأمر من محاميهما ثلاث سنوات لإقناع النظام القانوني بأنّ الزوجين، اللذين كانا يعانيان من الإدمان والفقر، كانا ضحيتين لمكيدة ولاستفزاز من قبل شرطة الخيالة الملكية الكندية.

صدمة في المجتمع الكندي

وقد شكّلت مشاهدة الفيلم تجربة صادمة للعديد من الكنديين. ففي الليلة الأولى من العرضة  العام للفيلم في مونتريال وصفت إحدى المُشاهِدات من الشرق الأوسط عملية الشرطة الكندية بأنّها "غير إنسانية وغير قانونية"، وقارنت بين الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط وبين إيقاع الزوجين المسلمين الكنديين في مكيدة.

وأضافت: "أنا عاجزة عن التعبير. أنا من الشرق الأوسط وأعرف كيف تسير الأمور هناك. لكن يبدو أنّ ما يحدث هنا هو مرآةٌ لما يحدث في أماكن أخرى، في سوريا أو العراق أو إسرائيل".

وخلال جلسة النقاش التي أعقبت العرض، قال مُشاهِد آخر لميلر: "لقد جعلتِني أشعر بالقلق وبالخوف الشديد. لم أكن أعلم قَطّ أنه بإمكان الحكومة أن تكون خادعة وفاسدة إلى هذا الحد".

بالنسبة لميلر، لم تكن الصدمة التي تسبّب بها فيلمها مفاجِئة. فكما أخبرت موقع قنطرة، يتحدّى فيلمها "الأسطورة التي تقول إنّ كندا دولة خيّرة، حافظة للسلام وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي الشرير الكبير دائماً" والتي تشارك في أعمال غير عادلة.

وأضافت: "جزء من صناعة الأسطورة أنّ كندا هي الرجل الطيب عالمياً، وهذا اعتقاد خاطئ، وواقع مزيّف، بيد أنّه جزء من الهوية الثقافية. تعلّم الكنديون التمسّك بهذا الاعتقاد والعديد يفتخرُ به".

كما أصرّ ألكسندر بوبوفيتش -مؤلف كتاب "Produire la Menace"، والذي شكّل مصدر إلهام الفيلم- خلال جلسة النقاش على أنّ "الشرطة السياسية" تستهدف الأقلّيات في كندا. "نحن نسميها ديمقراطية، ولكن هناك مراقبة. وهؤلاء الأشخاص الذين يتقاضون أجوراً مقابل مراقبتنا لديهم الأدوات والسلطة والقانون الذي يقف وراءهم، لكن ينبغي ألا ننسى شيئاً صغيراً: إنهم أقلية صغيرة جداً (في المجتمع)؛ نحن الأكثرية. وبإمكاننا إيقاف كل هذا".

Headshot of a woman with dark hair against an evening urban scene
إيمي ميلر، منتجة أفلام حاصلة على جوائز، تقيم في مونتريال. عُرِضت أفلامها في أكثر من 80 مهرجاناً حول العالم. وهي صانعة محتوى إعلامي ومنظِّمة للعدالة الاجتماعية، وملتزمة بتطوير أفلام وثائقية مهمة من أجل التغيير الاجتماعي التحويلي ودعم الحملات الشعبية من أجل العدالة. ‏image: Wide Open Exposure / Manufacturing the Threat

الشرطة والتطرّف

بالنظر إلى قضية نوتال وكورودي، يكشف الفيلم عن لقطات سرية سجّلها ضباط شرطة الخيالة الملكية الكندية داخل سياراتهم خلال المحادثات مع الزوجين وفي غرف الفنادق التي استأجروها.

سلّط ماركو فورتيير -وهو صحفي وكاتب كندي معروف- الضوء على القوة الهائلة لاستخدام هذه اللقطات. "كتب في مراجعته للصحيفة الناطقة بالفرنسية لو ديفوار: "تكمنُ القوة الكبيرة للفيلم الوثائقي -الذي استمر قرابة ساعة ونصف- في اعتماده إلى حدٍ كبير على الصور التي التقطتها الشرطة المتخفّية... (ومع هذه الصور) نشهد انحدار الزوجين، محاصرين من قبل ضباط الشرطة الذين كانوا يبحثون عن جناة بأي ثمن".

تكشف ميلر، عبر هذه اللقطات، كيف تواصلت الشرطة السرية في البداية مع الزوجين الضعيفين من خلال تزويدهما بالتعاليم الدينية الإسلامية. وفي الوقت ذاته، حثّتهم على عدم زيارة المراكز الإسلامية، في محاولة للحفاظ على سيطرتها عليهما.

ويكشف الفيلم الوثائقي "صناعة التهديد"، كيف وقع الزوجان المعتنقان للإسلام حديثاً في شرك عملية مُخطّطة بعناية بدأت بتقديم النقود والتعليم الإسلامي. وفي نهاية المطاف وجد الزوجان نفسيهما تحت ضغط هائل لإعداد خطة هجوم إرهابي قابل للتطبيق.

وتكشفُ المحادثات التي سُجِّلت في اللقطات عن خوف نوتال وكورودي من التعرّض للقتل على يد الضباط السريين إن رفضا مطالب التخطيط لهجوم إرهابي. وعندها يلجأ نوتال إلى طرح أفكار مختلفة بعيدة المنال،  يرفضها مرشدهما الديني.

وأخيراً، استقرّوا على خطة نوتال المتمثّلة في استخدام قدور ضغط لزرع القنابل، بشكل مشابه لحادثة ماراثون بوسطن في العام ذاته. ومن ثم استأجر العملاء غرفة فندق للزوجين وزودوهما بعلم تنظيم الدولة الإسلامية الأسود وكاميرا فيديو لتسجيل مبايعتهما للتنظيم.

في الفيلم، أوضحت آنا -التي تعاني بشكل واضح من اضطراب ما بعد الصدمة مع متلازمة تململ الساقين التي ظهرت في جميع مقابلاتها- ببطء وهدوء مدى الارتياح الذي شعرت به حين داهمت الشرطة غرفتهما في الفندق واعتقلتهما. كان ذلك كما لو أنّ الكابوس قد انتهى أخيراً.

Here you can access external content. Click to view.

حياة مُحطّمة

تقول ميلر، واصفة حياة نوتال وكورودي بعد الإفراج عنهما في عام 2016 وتأثير تجربتهما عليهما: "إنّهما مُحطّمان للغاية. وحياتهما محصورة في شقةٍ من غرفة نوم واحدة. ونادراً ما يتفاعلان مع أي أحد".

وعلى الرغم من تعاونهما أثناء إنتاج الفيلم الوثائقي، اختار الزوجان عدم مشاهدة النسخة النهائية، مُفضّلين البقاء بعيداً عن تجربة عام 2013.

ولقد كان لانسحاب الزوجين من الحياة تكلفة عالية على الحكومة الكندية. إذ كشف تقرير في عام 2016 أنّ شرطة الخيالة الملكية الكندية أنفقت 911000 دولار كندي على العمل الإضافي لأكثر من 200 ضابط خلال الأشهر الخمسة من العملية السرية.

والآن مع إقامتهما في مدينة سوري، في مقاطعة كولومبيا البريطانية، نادراً ما تخرج كورودي إلى أبعد من محطة الوقود التي تبعد 700 متر من شقتهما. ويعاني كلاهما من القلق واضطراب ما بعد الصدمة.

قالت ميلر: "إن كان هناك أي احتمال بأنهما قادران على القيام بأي عمل إرهابي، فقد قُضِي على ذلك تماماً. إنهما مُحطّمان تماماً، روحياً وجسدياً وعقلياً وعاطفياً".


جنكيز فارزي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
Qantara.de/ar