ثورة أدونيس الشعرية وثورة الشعوب العربية....صمت الشاعر وهدير الشارع

قد مل منجزات الداثة الأوروبية إلى الثقافة العربية، كما كان متمرِّدًا متمِّسًا تمرَّد على جمود الثقافة العربية. هذه بعض الأسباب التي دفعت لجنة التكيم الخاصة بجائزة غوته إلى اختيار أدونيس لمنه الجائزة. وقد يكون هذا الكم صي في العقود الماضية؛ عندما كان أدونيس يعد في القيقة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالنسبة للكثيرين من الكتَّاب العرب الشباب شاعرًا متمرِّدًا. وكان يمثِّل القطيعة مع الماضي والتفكير الناقد والتجديد. كما كان يعارض في مقالاته التعصّب والاستبداد.
ولكن أدونيس لم يعد متمرِّدًا منذ زمن طويل، بل جمُد بينما تترَّك الثقافة العربية من وله بسرعة أسرع من أي وقت مضى. كما أنَّه خان أفكاره التي كان يدعو إليها. ومع الربيع العربي نشهد ثورات تاريخية في منطقة كانت تعاني منذ فترة طويلة من الخمول. ولكن يبدو أنَّ أدونيس البالغ من العمر وادًا وثمانين عامًا غير قادر على اتِّخاذ موقف واض في هذا الصدد. فهو يناور ويبدو أنَّه يأمل في أن تنقشع "غيوم العاصفة" بسرعة.
صمت المفكِّر
تصل الكاتبة السورية الشابة، مها سن إلى ذروة انتقادها أدونيس من خلال دعوتها له الاستفادة من فرصته الأخيرة باتِّخاذه موقفا واضا من الثورة السورية، يث كتبت مها سن في مقال نشرته في صيفة الياة اللندنية: "عليك اليوم أن تكون أكثر وضوا ودقة ومباشرة، في قول كلمة قّ مما يدث في سوريا. عليك أن تقول كلمة أمام الدم السوري!".
والشاعر السوري اللبناني، أدونيس يكتب عمودًا في الصيفة نفسها. وفي هذا العمود يعكس أفكاره ول القضايا الثقافية والسياسية. وعلى الرغم من أنَّه كان يصف في مقالاته الأخيرة النظام الاكم في سوريا، إلاَّ أنَّه كان يترك القارئ في ريبة من موقفه تجاه هذا النظام. وهذا الأمر غير معقول نظرًا إلى التطوّرات في وطنه.
السير مع الركب
وأدونيس ليس الممثِّل الويد للنخبة العربية المثقفة الذي يتم وضعه تت ضغوطات من خلال الأداث الثورية التي يشهدها العالم العربي. ويبدو أنَّ المثقّفين العرب الذين سيطروا في العقود الماضية على المشهد الثقافي العربي ودَّدوا شكل الخطاب العام، يجدون صعوبة في مواكبة التطوّرات في الأشهر الأخيرة. ومن الواض أنَّ الجماهير ترد بساسية أكثر على التصريات التي تدافع عن الكَّام المستبدِّين أو تتوارى خلف الكلام.
وصي أنَّ عددًا كبيرًا من الكَّتاب العرب أعربوا عن تضامنهم مع المتظاهرين. كما أنَّهم شاركوا في مسيرات خرجت إلى ميدان الترير في القاهرة أو شارع بورقيبة في تونس. واول الآخرون السير مع الركب من خلال إدلائهم ببعض التصريات. ولكن على الرغم من ذلك لم يكن لأي منهم أي دور فعَّال في الاتجاجات والثورات وكأن الأجيال قد تبدّلت بين عشية وضاها.
وكتب الباث المغربي عبد الصمد الكباص في مقال تم نشره على موقع الأوان العربي أنَّ الأمور كانت ناضجة ودقيقة بالنسبة للشباب الثوريين. وأنَّهم "في غنى عن بوصلة المثقّفين المرسمين في المشهد الثقافي إما كموالين للنظام أو كمعارضين له". وأضاف: "لم يلزمهم لصنع الثورة خطب مطوَّلة لزعيم الزب ولا قصائد لشعراء طليعيين مبشِّرين بالثورة ولا أغاني ملتزمة". وهذا ينطبق على تونس ومصر، وكذلك على "ركة 20 فبراير" في المغرب.
قطيعة مع جيل المثقّفين القديم
ويؤكِّد عالم الاجتماع التونسي والأستاذ السابق في جامعة تونس، الدكتور الطاهر لبيب القائق التي أثبتها عبد الصمد الكباص. ويلاظ الطاهر لبيب عدم اترام الشباب للنخب المثقَّفة القديمة. كما أنَّه يتدَّث عن نخبة جديدة، عن ثقافة جديدة لم تعد مفهومة لدى أبناء جيله. ويقرّ أيضًا بوجود قطيعة بين صانعي الثورة الشباب والمثقّفين أبناء جيله.
وهذه القطيعة مفهومة وقد طال انتظارها منذ ين. فالنخبة القديمة قبلت بمسائل كثيرة؛ بأمور مثل التورّط والصمت وشراء الولاءات والذمم والعلاقات المشبوهة مع السلطة. ويا ترى كيف قبل الشاعر الفلسطيني المشهور، ممود درويش استلام جوائز رسمية من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي؟ ولماذا يستطيع أدونيس التفاهم دون أي مشكلة مع النظام الاكم في دمشق، بينما يقوم دائمًا في أوروبا بتقديس قيم الداثة الأوروبية؟
وبالنسبة لعبد الصمد الكباص يعتبر هذا السلوك فصلاً بين الأفكار والياة، بين الدعوة إلى التنوير وممارسته. وهو يتعلَّق أيضًا بموضوع أشكال السلوك المقبولة في الدول الدكتاتورية والتي لا يمكن تجنّبها من أجل البقاء الشخصي وأشكال السلوك غير المقبولة. وتعرِّف الكاتبة والصفية المصرية، منصورة عز الدين دود الاستعداد لتقديم التنازلات والصمت على الظلم والاضطهاد بقولها: "هذه مسألة صراع مستمر من أجل الفاظ على الاستقلال الشخصي".
انعدام النقد الذاتي
وفي الأسابيع الماضية تم التشهير بالباث والمفكِّر المصري جابر عصفور كما تم وصفه من قبل مختلف الأشخاص المهتمين بأنَّه مثال المثقف الفاسد. وجابر عصفور الذي عمل في السابق أمينًا عامًا "للمجلس الأعلى للثقافة" في مصر والائز على جائزة القذافي للأداب لعام 2010، وافق على تعيينه وزيرًا للثقافة في الكومة الأخيرة في عهد الرئيس سني مبارك.
وجابر عصفور الذي كان يظى بالاترام والتقدير لجودة عمله الأكاديمي على الرغم من قربه من السلطة، استقال بعد عدة أيَّام من تعيينه في الوزارة وكتب مقالاً لتبرير موقفه؛ ولكنه لم يكن مقنعًا. ولم يتبع مبرِّراته أي نقد ذاتي أو اعتذار. وما من شكّ في أنَّ الكثيرين من العرب يتساءلون: لماذا صل أدونيس في هذا الوقت بالذات على جائزة ثقافية ألمانية مرموقة؟ وفي الواقع إنَّ ربيع الثورات العربية لا يستق ذلك!
منى نجار
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
قوق النشر: قنطرة 2011