يجب وضع حد لسياسة الأرض المحروقة في ميانمار
ما هو سبب تصاعد أعمال العنف الحالي في ولاية راخين (أراكان)؟
فيل روبرتسون: جاء الهجوم الأخير على أقلية الروهينجا كرد من قِبَل قوَّات الأمن في ميانمار على سلسة من الهجمات التي قام بها "جيش إنقاذ روهينجا أراكان" (ARSA) في الخامس والعشرين من شهر آب/أغسطس2017. ومن الواضح أنَّ هذه الهجمات قد مثَّلت القشة التي قصمت ظهر البعير. والآن أصبحت الحكومة تستخدم هذه الهجمات كذريعة للدخول إلى مناطق الروهينجا وفرض سياسة الأرض المحروقة ضدَّ المدنيين هناك.
تتَّبع قوَّات الأمن في ميانمار تكتيكًا مفضلاً يكمن في زعمها أنَّها تريد فقط محاربة المتمرِّدين، غير أنَّها بدلاً من ذلك تستهدف المدنيين. ونحن نعتقد أنَّها تعمل بالذات على تدمير مئات البلدات والقرى. ولدينا من نحو أربعين قرية من هذه القرى صورٌ ملتقطة بالأقمار الصناعية، تُظهِر كيف يمضي الجيش بشكل منهجي وواسع النطاق في تدمير القرى. وكذلك تؤكِّد شهادات اللاجئين أنَّ قرى الروهينجا محاطة بقوَّات الأمن. وأنَّ الكثيرين من الأهالي قتلوا بالرصاص، في حين تمكَّن الآخرون من الفرار والنجاة. وقد ذكر بعض اللاجئين أنَّهم كانوا أثناء هروبهم يشاهدون قراهم مشتعلة بالنيران.
ما هو الدور الذي تلعبه هنا رئيسة وزراء ميانمار، أونغ سان سو كي؟
فيل روبرتسون: أولاً، وجَّهت أونغ سان سو كي اتِّهامات خطيرة جدًا إلى ممثِّلي الأمم المتَّحدة والمنظمات غير الحكومية على موقعها على الإنترنت، وقالت إنَّهم مشاركون في دعم الإرهابيين، ولكنها لم تُقدِّم حتى الآن أي دليل على ذلك. ومن خلال هذه الادِّعاءات تحوَّلت جميع المنظمات الإنسانية التي تحاول العمل في ولاية راخين (أراكان) إلى أهداف محتملة.
ونتيجة لذلك وجدت الكثير من هذه المنظمات نفسها مضطرة إلى إيقاف نشاطاتها، وهذا له بطبيعة الحال عواقب كبيرة. فحتى النازحون داخل البلاد في المخيمات المنتشرة غرب سيتوي، حيث يعيش نحو مائة وعشرين ألف شخص بعيدًا عن العنف وعمليات التطهير في ولاية راخين، لم يعودوا يحصلون على الغذاء - وذلك بسبب خوف موظفي منظمات الإغاثة المحلية من دخول تلك المخيمات.
ثانيًا، ادَّعت أونغ سان سو كي إنَّ الإرهابيين ينشرون "جبلاً جليديًا ضخمًا من التضليل" بشأن ما يحدث في ولاية راخين (أراكان). وبالتالي فإمَّا أنَّ لديها أسبابًا سياسية لعدم الدفاع عن الروهينجا، أو أنَّها موافقة تمامًا على ما تفعله قوَّات الأمن هناك. لكن على أية حال، فقد جعلت نفسها من خلال ذلك من أبرز الأشخاص الذين يُنكرون أعمال العنف ويشرِّدون المدنيين. كما أنَّها تدافع عن الجيش وقادته، بدلاً من أن تدعوهم إلى النظام وتقول لهم إنَّهم قد تجاوزوا كلّ الحدود، وهكذا فهي تتلقّى عنهم جميع الاتِّهامات.
وبسبب صمتها فقد تعَّرضت لانتقادات شديدة. وفي الواقع كان الأهالي يتوقَّعون منها أن تدافع عن حقوق الإنسان وكرامته. بيد أنَّها فشلت في تحقيق هذه التوقعات، وأصبح الكثيرون يشعرون بأنَّها قد تخلت عنهم. وبطبيعة الحال من المعروف أنَّ سلطة أونغ سان سو كي مقيَّدة إلى حدّ كبير بموجب دستور عام 2008.
ولذلك لا يمكنها أن تأمر رسميًا قادة القوَّات المسلحة بوقف هذه الفظائع، وذلك لأنَّ الدستور يمنحهم الحرِّية التامة في التعامل مع قضايا السياسة الأمنية. ولكن على أية حال يمكنها أن ترفع صوتها وأن تضع العقبات في طريق قوَّات الأمن، بيد أنَّها لم تُقدِم حتى على فعل ذلك.
عندما كانت أونغ سان سو كي لا تزال سجينة سياسية وبقت طيلة أعوام تحت الإقامة الجبرية، وكان يجب عليها مواجهة الديكتاتورية العسكرية في ميانمار، قالت بكلِّ وضوح: "اِستغِلُّوا حريَّتكم للعمل من أجل حرِّيتنا!". وقد رأى الناس في ذلك مؤشِّرًا واضحًا يشير إلى توجهها وإلى ما كانت تتبناه.
ويعود سبب دعمها القوي من قِبَل المجتمع الدولي إلى كونها كانت تعتبر رمزًا لمقاومة الدكتاتورية العسكرية ولحماية حقوق الإنسان وكرامة الجميع. وقد كان يبدو الأمر تقريبًا وكأنَّ اتفاقًا غير رسمي كان قائمًا بينها وبين المجتمع الدولي. لقد كانت تحظى بشعبية كبيرة، لا سيما وأنَّ القضايا التي كانت تكافح من أجلها كانت مهمة للغاية، بحيث أنَّ الناس قد نسوا أنَّها امرأة سياسية.
تحاول أونغ سان سو كي التهرُّب تمامًا من السؤال عن حالة الروهينجا ووضعهم، لأنَّها تعرف أنَّ هذه المجموعة السكَّانية غير محبوبة إلى حدّ بعيد في ميانمار. ومع ذلك بما أنَّها تلتزم الصمت إزاء الفظائع في ميانمار، فإنَّ هذا يخلق على المستوى الدولي دينامية تؤدِّي إلى خسارتها الدعم العالمي.
وفي مرحلة ما، ألغت سان سو كي اتِّفاقها مع المجتمع الدولي، الذي كان يعدها في تلك الأيَّام بدعمه في حال وصولها إلى السلطة وعملها من أجل حقوق الإنسان. غير أنَّها لم تفِ بما يترتَّب عليها في هذا الاتِّفاق - ولا حتى بشكل جزئي. وهذه المشكلة لا تقتصر على ولاية راخين (أراكان) وحدها: فحتى في ولايات أخرى في ميانمار تشتعل الصراعات بين المجموعات العرقية وقوَّات الأمن. إذ إنَّ ما نشهده هنا يعدّ فشلاً أخلاقيًا تامًا للقيادة السياسية.
هل يوجد خطر يهدِّد بالتطرُّف في ميانمار؟ وهل يمكن أن تتحوَّل راخين (أراكان) إلى معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية"؟
فيل روبرتسون: حتى الآن لا يمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة. وبطبيعة الحال لا يمكن لأي شخص أن يستبعد تمامًا خطر التطرُّف - وخاصة تطرُّف الناس الذين يشعرون بالسخط إزاء الأعمال الوحشية التي تقوم بها قوَّات الأمن في ميانمار. غير أنَّ بعض المراقبين يعرضون حاليًا جميع أنواع التكهنات المحتملة. حيث يُقال إنَّ ميليشيات "جيش إنقاذ روهينجا أراكان" (ARSA) المسلحة تتعاون مع تنظيم "الدولة الإسلامية" أو مع تنظيم القاعدة.
يبدو تقريبًا وكأنَّ لوبي محاربة الإرهاب يرغب في وجود جبهة جديدة يمكنه فيها أن يفرح ويمرح مثلما يحب. لقد أكَّد "جيش إنقاذ روهينجا أركان" وبكلِّ وضوح على أنَّ نشاطاته تستهدف فقط الوضع في راخين (أراكان) وأنَّه غير متورِّط في أنشطة جهادية دولية. وقال إنَّه لا يسعى لأي هدف آخر سوى حماية الروهينجا. وبحسب معلوماتنا فإنَّ الهجمات التي قام بها "جيش إنقاذ روهينجا أركان" في الخامس والعشرين من شهر آب/أغسطس 2017، كانت موجَّهة ضدَّ قوَّات الشرطة. في حين أنَّ حكومة ميانمار وجيشها يدَّعيان أنَّ "جيش إنقاذ روهينجا أراكان" يُعَدُّ جماعةً إرهابيةً، ولكنهما لم يقدِّما حتى الآن أية معلومات أو أدلة تثبت هذا الادِّعاء.
ومن جانبها تدعو منظمة هيومن رايتس ووتش إلى وضع نهاية لهذه الأعمال العدائية. نحن بحاجة ماسة إلى وجود مراقبين ومراسلين يستطيعون تكوين صورة حول وضع حقوق الإنسان هناك على أرض الواقع ونقلها. يجب علينا أن نتقصى وأن نسأل الأهالي لمعرفة ما يحدث هناك بالضبط.
وبعد ذلك يجب على جميع الأطراف الجلوس سوية ومناقشة الخطة، التي اقترحها كلّ من كوفي عنان واللجنة الاستشارية المعنية بشؤون راخين (أراكان). وهذه الخطة تتضمَّن إصلاحات إيجابية وذكية وواقعية وتتطلع إلى المستقبل، يمكن من خلالها حلّ بعض المشكلات الكبرى. ومن المؤسف أنَّ هذا التقرير لا يحظى بأي اهتمام في الوقت الراهن، وذلك لأنَّ أعمال العنف والوحشية في راخين (أراكان) باتت تطغى على كلِّ شيء بعد هجمات "جيش إنقاذ روهينجا أركان" والحملة العسكرية من قبل جيش ميانمار.
يا ترى مَنْ القادر على المساعدة في تهدئة الوضع؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه مثلاً الاتِّحاد الأوروبي؟
فيل روبرتسون: يجب على دبلوماسيي الاتِّحاد الأوروبي والحكومات الأخرى، الموجودين في رانجون وفي أماكن أخرى، أن يطالبوا حكومة ميانمار بالضغط على الجيش. الوضع هناك خطير للغاية؛ والمَخرج الوحيد يكمن في تأثير الاتِّحاد الأوروبي والدول الأخرى على أونغ سان سو كي والأعضاء الرئيسيين في حكومتها، من أجل دعوة العسكر إلى إنهاء سياسة الأرض المحروقة التي يتَّبعونها. يجب على حكومة ميانمار أن تتوقَّف عن إعطاء قوَّات الأمن شيكًا على بياض، وذلك فقط لأنَّ الضحايا من الروهينجا.
حاورته: روما راجبال فايس
عن الألمانية ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
[embed:render:embedded:node:19995]