منى مكرم عبيد: مصر بحاجة لبناء دولة مؤسسات وليس دولة أفراد
كيف تقيمين المشهد السياسي في مصر بعد الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي؟ هل تحسن الوضع الآن في مصر وهل هناك تحولات ملموسة؟
الدكتورة منى مكرم عبيد: أهم تحول ملموس هو أن الثورة انتصرت انتصارا تاريخيا على الخوف وقدمت مئات من الشهداء ثمنا لذلك. هذا بالإضافة إلى أن المصريين تغيروا تماما بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، وأيضا بعد أحداث حزيران/30 يونيو.
وكما ترى، فالكل يشارك الآن في ما يسمى بالمسار الديمقراطي والمستقبل، إلا أن الناس قلقون على مستقبل أولادهم ومستقبل الوطن بسبب توالي العمليات الإرهابية التي تحدث يوميا. ولكننا جميعا ننتظر نتائج خارطة الطريق، التي ستكون بداية لبناء دولة المؤسسات، وهذا أهم تغيير بالنسبة لنا، أي أن تصبح هناك دولة مؤسسات وليس دولة أفراد.
على ذكر خارطة الطريق، التي وضعها الجيش بتوافق مع العديد من القوى السياسية الفاعلة في مصر، هل تسير مصر في ظل هذه الخارطة لبناء ديمقراطية حقيقية؟
طبعا. المهم أن يكون هناك طريق إلى الأمام. وبالطبع فهذا الطريق مشحون بالعقبات، بالعنف والدم، ولكن الأمل يبقى موجودا دائما. ولذلك فرؤيتنا تتمثل في إنشاء دولة مدنية حديثة وعادلة، ترسخ مبدأ المواطنة للجميع وعدم التمييز واحترام دولة القانون. وهذه تبقى من أهم مبادئ اللعبة الديمقراطية ولابد أن يتفق الكل ويلتف حول هذه الرؤية. ولكن لابد أيضا من إصلاحات في المؤسسات السيادية والأمن والقضاء والإعلام، حتى نبدأ الطريق بآليات جديدة، فيها إبداع ورؤية للمستقبل.
تم إنشاء لجنة كتابة الدستور أو ما يصطلح عليها بـ"لجنة الخمسين"، ما هي أهم مواضع الخلاف المتوقعة بين أعضاء هذه اللجنة؟
الخلاف سيكون بالأساس حول الحقوق والحريات، أي كيف نحمي الحريات المدنية بشكل عام وبدون تمييز، بالإضافة إلى وضع المرأة. ونحن نطالب في هذا الصدد منذ أن كنا عضوا في مجلس الشورى أن يتم استخدام نظام "الكوته". أي كوتا للمرأة في خوض الانتخابات، وذلك من خلال دستور يضمن للمرأة المشاركة السياسية وأن تكون ممثلة بنسبة 30 في المائة على الأقل في توزيع المقاعد البرلمانية.
كمستشارة سابقة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. هل ترين أن الجيش قادر على توفير الأمن في البلاد، وخاصة في منطقة سيناء التي شهدت وتشهد العديد من الهجمات الإرهابية؟
المؤسسة العسكرية هي أكثر مؤسسة تحظى باحترام وحب الشعب المصري. فبالنسبة لنا كمصريين لدينا الثقة الكاملة في قواتنا الوطنية المسلحة. وهم يواجهون بطبيعة الحال خطرا جسيما في سيناء واختراقات على الحدود. وهي اختراقات لا بد أن يسيطروا عليها. وأظن أنهم يسيطرون عليها إلى حد ما.
ولكن في ما يخص الدور السياسي، هناك علامات استفهام كثيرة حول دور الجيش في العملية السياسية الانتقالية؟ هل هو دور مؤقت، أم سيمتد إلى المستقبل؟
الفريق السيسي يحظى اليوم بشعبية جارفة على أساس أنه هو منقذ الثورة ومنقذ الوطن من احتمال وقوع حرب أهلية. لذلك اكتسب الفريق السيسي شعبية كبيرة من خلال أخلاقياته وهدوءه ورؤيته المستقيمة للمستقبل ومن خلال وقوفه لصالح الاستقلال الوطني في الماضي. ولكن رغم ذلك فهو بنفسه نفى أن تكون له نية لترشيح للانتخابات القادمة.
من جهة أخرى تعيش مصر تحديات كبيرة مثل ملف الأقليات وبالتحديد ملف الأقباط الذي كان له حضور دائم في مختلف العهود السياسية. كيف يمكن وصف وضع الأقباط في الفترة الراهنة، وما الذي يشغل الرأي العام القبطي في ما يتعلق بحقوقهم ومطالبهم السياسية والاجتماعية؟
الذي يشغل الرأي القبطي في الوقت الراهن هو المجازر، التي تقع بشكل مستمر بما في ذلك الاعتداءات على الكنائس، حيث تم الاعتداء على 82 كنيسة. وقبل يومين قتل أربع أبرياء في طريقهم لحضور حفل عرس. ما هو ذنبهم؟
هذا يعني أن وضع الأقباط لم يتحسن برأيك ؟
نعم بالفعل الوضع العام للأقباط لم يتحسن. فالأمن غير كافي لحراسة الكنائس ونحن نحمل الدولة المسؤولية في حماية الأقباط، كما نحمل الشرطة أيضا مسؤولية عدم توفير الحراسة الكافية حول الكنائس. أيضا نحن نريد في المستقبل أن يتم العمل بشعار "ثورة 1919" الذي أوصل مصر لهذا التقدم وهو "الدين لله والوطن للجميع". فلابد من ترسيخ هذه الفكرة في المدارس وفي الإعلام وفي الثقافة الشعبية والثقافية المجتمعية. فمطالب الثورة في 25 يناير تشبه جدا مطالب الثورة في 1919. الفرق الوحيد هو أنه آنذاك كان النضال من أجل الاستقلال وألان من أجل الدستور.
في سياق آخر تظهر بعض المعطيات أن علاقة مصر ببعض الدول الغربية تشهد تراجعا نسبيا، فالولايات المتحدة الأمريكية قررت مؤخرا خفض مساعداتها العسكرية والمدنية لمصر. الاتحاد الأوروبي من جهته اتفق في شهر آب/ أغسطس الماضي على وقف صادراته من الأسلحة لمصر بعد إفراط الجيش في استخدام العنف، وألمانيا قررت هي الأخرى وقف منح مساعدات مالية إضافية لمصر في السنة الجارية. كيف يؤثر ذلك برأيك على العلاقات بين مصر والغرب وبالتحديد علاقتها مع ألمانيا ؟
علاقة مصر بألمانيا جيدة للغاية ولا أرى أن ألمانيا قد أخذت قرارات تسيء إلى مصر، بل بالعكس. فمن خلال تواجدي هنا لمدة ثلاثة أيام في ألمانيا وزياراتي للمسئولين الألمان، الذين شددوا على إرادتهم في دعم المسار الديمقراطي والمساعدة في هذا التحول من خلال المنظمات الغير الحكومية.
ونحن سنناضل بقانون جديد وبالذات من أجل التعاون مع مؤسسة كونراد أديناور، التي تربطنا بها علاقة وطيدة، وهي حاضرة في مصر منذ 20 سنة. ومن ناحية أخرى نحن نحتاج إلى علاقات طيبة مع ألمانيا لأن الشعب المصري يحترم القيادة السياسية في ألمانيا الممثلة بشخص المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وهو ما تؤكده رسائل التهنئة التي قدمها العديد من أفراد الشعب المصري للمستشارة عبر الفايسبوك مثلا. ولذلك فنحن ننتظر الكثير من ألمانيا.
وأما بالنسبة للولايات المتحدة فهناك توتر في العلاقات في الوقت الراهن. لكن لا يمكن لمصر والولايات المتحدة أن يخسروا بعضهما. لأن مصر دولة محورية والولايات المتحدة لها مصالح كثيرة في مصر، و من ضمنها أمن إسرائيل، الملاحة من خلال قناة السويس والتعاون العسكري.
أجرى الحوار: أمين بنضريف – برلين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013
الدكتورة منى مكرم عبيد: أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، عضو سابق في مجلس الشورى المصري ومستشارة سابقة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة 2012.