''المجلس العسكري في مصر يعيد العجلة إلى الوراء''
هل الفرصة في مصر الآن للتحول نحو الديمقراطية الليبرالية أفضل منها قبل عام؟
أندريا تيتي: من يجب على هذا السؤال يربح المليون ... أعتقد أن الانتفاضة لم تكن تهدف إلى الوصول إلى ديمقراطية ليبرالية. نحن معتادون في الغرب عندما نقول "ديمقراطية" أن نفكر في الانتخابات وحرية التعبير عن الرأي وحرية تبادل المعلومات. بالنسبة للمصريين، وبغض النظر عن خلفياتهم السياسية، فإن الموضوع أكثر اتساعاً. كان المصريون يريدون حقوقاً سياسية، لكنهم كانوا يريدون أيضاً عدالة اجتماعية.
"الشعب يريد سقوط النظام" – والنظام المقصود هنا ليس فقط نظام حسني مبارك. إن التحديات أكبر بكثير من مجرد إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة. ما زالت الأحداث في مصر تتفاعل، وما زال ممكناً أن تتحرك في اتجاه الديمقراطية، غير أن ذلك يتطلب توازناً حذراً بين مختلف القوى. وبصراحة أعترف بأن ما حدث خلال العام السابق لم يكن مشجعاً للغاية.
تم إسقاط مبارك قبل عام، ولكن بعض شركائه ما زالوا يمسكون بزمام السلطة. إلى أي حد يتمتع هؤلاء بالنفوذ؟
تيتي: لا يمكن أن يكون هناك من هو أكثر نفوذاً في مصر الآن من المشير حسين طنطاوي الذي شغل في عهد مبارك منصب وزير الدفاع. ولكن هناك شخصيات أخرى تتمتع بالسلطة والنفوذ أيضاً. إن الطغمة العسكرية الحاكمة كانت من أركان السلطة في عهد مبارك، كما أنها تعتبر نموذجاً لنظام لم يكد يتغير في قمته منذ اندلاع الانتفاضة. ويبدو بالفعل أن الجيش عازم على أن يكون التغيير في أضيق نطاق، وعلى أن يعيد العجلة إلى الوراء، وأن يسترجع ما تم تغييره منذ سقوط مبارك.
والسؤال المطروح هو: هل كل ما يهم الجيش هو تأمين مصالحه الاقتصادية؟ أم أنه يعتقد أن حكومة مدنية لن تحترم طويلاً الخطوط الحمراء التي يضعها؟ هل يريد العسكر أن يكون لهم دور رئيسي في السياسة المصرية؟
لقد أعلن المجلس العسكري على الدوام أنه يريد أن يحدث انتقال إلى دولة ذات حكومة مدنية. ولكن عندما يتلفت المرء حوله ويرى ما حدث منذ اندلاع الانتفاضة – مثلاً بخصوص قانون الطوالائ وملاحقة النشطاء الديمقراطيين والحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بحق النقابات المستقلة – فلا بد من أن يتشكك المرء كثيراً في نوايا الجيش. ويمكن القول إن الجيش يلعب دوراً متناقضاً في أحسن الأحوال.
أي المجموعات في مصر تتمتع في الوقت الحالي بأكبر قدر من النفوذ؟
تيتي: هناك من ناحية الجيش، كما أن هناك الإخوان المسلمون، غير أن هؤلاء لا يشكلون منظمة موحدة متجانسة. خلال الانتفاضة، وبعدها أيضاً، لاحظنا وجود تيارات مختلفة ومتباينة داخل الإخوان المسلمين. وهناك أيضاً مرشح إسلامي مشهور للانتخابات الرئاسية، وهو عضو في الإخوان المسلمين.
هناك تيارات مختلفة داخل الإخوان المسلمين، كما أن هناك انشقاقاً بين الأجيال القديمة والأجيال الشابة. وعلى ما يبدو فإن الأعضاء الأكبر سناً هم المتحكمون في الأمور داخل الجماعة، ويبدو أيضاً أنهم أكثر استعداداً لعقد صفقة مع الزمرة العسكرية الحاكمة. من ناحية أخرى هناك السلفيون الذين مثلوا المفاجأة الأكبر خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة لأنهم حصلوا على عدد من الأصوات أكثر بكثير مما كان متوقعاً.
على الجانب الآخر يمكن بكل سهولة أن نقول إن الذين يتمتعون بأقل قدر من السلطة هم المجموعات التي قادت الانتفاضة، مثل المنظمات غير الحكومية الليبرالية الديمقراطية التي تعرضت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى هجوم عنيف، وأعني هنا مجموعات مثل "المعهد الديمقراطي الوطني" National Democratic Institute "المعهد الجمهوري الدولي" International Republican Institute و"بيت الحرية" Freedom House. لقد أزاحت جماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية هذه القوى الليبرالية جانباً، غير أنها ما زالت تتمتع بالنفوذ الذي يتيح لها أن تتفاوض تفاوضاً مباشراً مع الجيش للتوصل إلى صفقة.
لقد سبق وذكرت الوضع الأمني السيئ في مصر. ما هي المشاكل الأخرى التي تواجه البلاد؟
تيتي: إن أكبر تحدي يواجه مصر الآن هو – باختصار - صيحة الشعب بإسقاط النظام. لقد طالب المصريون بإسقاط النظام، ولم يطالبوا بإسقاط مبارك وحده، كلا، لقد طالبوا بإسقاط النظام كله الذي استغل الفقراء، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. لقد كان وما زال الهدف الرئيسي هو بناء مجتمع تمثيلي، سواء اقتصادياً أو سياسياً. وللوصول إلى هذا الهدف هناك ثلاث مشاكل رئيسية: إصلاح الأجهزة الأمنية والإصلاح الاقتصادي والتمثيل السياسي.
وربما يكون إصلاح الجهاز الأمني هو النقطة التي لا تحوز إلا أقل انتباه، لا سيما في الصحف غير المصرية. هذا الإصلاح يمثل مشكلة عملية، غير أن هذه المشكلة لها جذورها السياسية العميقة، كما أن هناك ظواهر سياسية ستصاحبها. قبل الانتفاضة كانت الأجهزة الأمنية في مصر تشعر بأنها تستطيع أن تتصرف خارج نطاق القانون بدون أية ملاحقة أو عقاب. وقد فعلت ذلك على نطاق واسع لكي ترسخ سلطتها وتحقق مصالحها. هذا شيء لم يتغير بعد على نحو جوهري منذ سقوط مبارك. لقد تحقق بعض التقدم، لكنه كان تقدماً مصحوباً بمشاكل كبيرة، وبين الحين والآخر يتعرض ذلك التقدم إلى انتكاسات. المشكلة الأمنية هي إذاً إحدى أهم المشكلات التي ينبغي حلها. أما مشكلة الإصلاح الاقتصادي والسياسي فهي من المشاكل التي يدور حولها نقاش كبير، وهي لا تقل حساسية عن المشكلة الأمنية. فيما يتعلق بالاقتصاد فإن الفقر النسبي الذي يعاني منه جزء كبير من الشعب سوف يزداد إذا ما طُبقت إجراءات الانفتاح الليبرالي مثلما كان يفعل مبارك.
خلال الانتفاضة كانت النقاشات تدور حول أن أربعين في المئة من المصريين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الواحد، بينما يعيش عشرون في المئة على أقل من دولار واحد في اليوم – هذه الظروف ازدادت سوءاً وتفاقمت بسبب عملية الانفتاح الاقتصادي الليبرالي. وفي الحقيقة فإنه من غير المناسب على الإطلاق أن نتحدث هنا عن "انفتاح ليبرالي"، لأن ما حدث في مصر هو نوع من حكم الأقلية وفق النموذج الروسي: فمقدرات البلاد وضعت في أيدي مستثمرين من القطاع الخاص بإشراف حكومي، ولكن لم تُطبق قواعد الليبرالية الاقتصادية على نحو حقيقي.
من الناحية السياسية فإن هناك مشكلة التمثيل، فالطبقة السياسية القديمة لم تعد تتمتع بالمصداقية، ولم تعد لها شرعية، كما أنها كانت فاسدة إلى أقصى حد. وهذا تحدي لا بد على أعضاء البرلمان الجديد أن يواجهوه – كما أنه يمثل مشكلة بالنسبة للإخوان المسلمين لأنهم واقعون في مأزق: فالطريق السهل لكي يظلوا في السلطة ولكي يتوصلوا إلى الهدف الذي كانوا يسعون إليه منذ تأسيس جماعتهم في عام 1928 – أي الوصول إلى السلطة وأسلمة المجتمع – هو أن يتوصلوا إلى حل وسط مع الجيش.
ولكن المشكلة هي الثمن الكبير الذي يتوجب عليهم دفعه: فهم بذلك يسلكون المسلك نفسه مثل النظام القديم. وخلال أربع أو خمس سنوات، أي عندما تُجرى انتخابات جديدة، فسوف يجعل الناخبون الإخوان المسلمين يدفعون ثمن تصرفهم، لأن الملايين لم تخرج إلى الشوارع من أجل برنامجهم الاقتصادي والسياسي والصفقة التي يعقدونها مع الجيش.
مَن في مصر يمكن أن يساعده الاتحاد الأوروبي لحل هذه المشاكل؟
تيتي: إن الاتحاد الأوروبي هو أحد الذين يقدمون العون الديمقراطي في المنطقة بشكل أساسي، لا سيما في مصر. من الناحية النظرية ربط الاتحاد الأوروبي تقديم معونته الاقتصادية والتجارة بالتنمية الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان - غير أن المشكلة هي عدم المطالبة أبداً بمراعاة تلك الشروط. وفي نهاية المطاف تؤدي المساعدة المرتبطة بالموافقة على إجراء إصلاحات ديمقراطية إلى نوع من الدعم المقدم للدولة المعنية. لا بد من تغيير ذلك. وعلى ما يبدو فإن بروكسل بدأت ببطء تدرك ذلك، ومنذ شهر مارس (آذار) شرع المسؤولون هناك في اتباع استراتيجية جديدة. ولكن عندما ندقق النظر فإننا نجدهم – على ما يبدو - ما زالوا يواصلون اتباع طرقهم القديمة، فالاقتراحات المُقدمة تتعلق بمزيد من الليبرالية الاقتصادية. على الاتحاد الأوروبي أن يقدم دعمه بشكل عملي، وليس فقط بشكل مبدئي.
ولكن من الواضح أن لذلك سبباً آخر: إن هذا النوع من السياسة يختلف اختلافاً جذرياً عن الاستراتيجيات التي كانت أوروبا تتبعها في الثلاثين سنة الماضية. فلنتخيل التالي: أن تذهب كاثرين أشتون أو ماريو دراغي إلى القاهرة ومن هناك يعلنان استراتيجة جديدة: "هل تعرفون؟ إن الانتفاضات الديمقراطية هي أفضل طريق للوصول إلى الديمقراطية. والديمقراطية تعني مجتمعاً تعددياً قوياً، وهو ما يعني أن تكون هناك نقابات قوية مستقلة، وأن يحدث توزيع عادل للثروة." هل يمكن أن نتخيل كيف ستكون ردود الفعل في أثينا وروما ومدريد، بل وأيضاً في لندن؟ هذا سيعني انصرافاً تاماً عن السياسة الحالية التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي.
أجرت الحوار: أنه ألميلينغ
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012
أندريا تيتي أستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة أبردين البريطانية، وكبير الباحثين في "المركز الأوروبي للشؤون الدولية".