الإسلاموفوبيا كجزء من اللعبة السياسية في الساحة الأمريكية
كنت تقف في الشارع وتحمل لافتة كتب عليها "المسلمون يطالبون بحقوق متساوية!" على ماذا كنتم تحتجون؟
طالب عبد الرشيد: تشكِّل الرقابة المفروضة على الجمعيَّات الإسلامية والمساجد وأماكن الاجتماعات والمجموعات الطلاَّبية انتهاكًا شديدًا لدستور الولايات المتَّحدة الأمريكية. حيث تستبيح شرطة نيويورك وإدارة "شعبة الاستخبارات" لنفسيهما حقّ التجسّس على الجميع وفي كلِّ مكان بحجة الأمن. ولكننا غير راضين عن هذه الانتهاكات التي لا بدّ من إيضاحها أمام المحكمة.
في استطلاعات الرأي يدلي نصف الأمريكيين تقريبًا بآراء مناوئة للإسلام. كما يعتبر ثلث مؤيِّدي حزب الجمهوريين الرئيس باراك أوباما شخصًا مسلمًا ويعتبرون ذلك صفة لغير الأمريكي. فهل وصل التسامح الديني في الولايات المتَّحدة الأمريكية إلى النهاية؟
عبد الرشيد: تعتبر الأجواء الآن بالنسبة للمسلمين سلبية أكثر مما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. نحن جميعنا مصدومون من الحادي عشر من سبتمبر، ولكن في تلك الفترة كانت هناك جهود لدعم بعضنا بعضًا باعتبارنا أمريكيين وعدم التفكير في الذنب الجماعي. وفي يومنا هذا جعل الجمهورون وخاصة حزب الشاي الإسلاموفوبيا جزءً من برنامجهم السياسي، إذ إنَّهم يستخدمون الخوف والصدمة وعدم المعرفة من أجل لعبتهم السياسية. لقد أصبحنا نشاهد مؤخرًا أنَّ في كلِّ سنة انتخابية هناك زيادة في المشاعر المعادية لإسلام. وهكذا كانت الحال في انتخاب أوباما قبل أربعة أعوام وكذلك في الانتخابات المحلية في نيويورك قبل عامين.
لا يواجه الجميع الإسلاموفوبيا بشدة مثلما تفعل أنت. كما أنَّك تتَّهم بعض المسلمين البارزين من ذوي الأصول العربية أو الآسيوية بالانتهازية. فما هو السبب؟
عبد الرشيد: يجب على المسلمين الأمريكيين التوقّف عن النظر إلى أنفسهم دائمًا على أنَّهم "الآخرون". وهذا ينطبق من ناحيتين؛ إذ يسارع المسلمون المهاجرون لكي يصبحوا مقبولين كأمريكيين حقيقيين. وأنا أقول لهم: إذا كنتم أمريكيين فعليكم أن تتصرَّفوا كذلك! فنحن هنا في الولايات المتَّحدة الأمريكية ولسنا في بنغلاديش. وفي المقابل يجب على الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، أي مسلمي أمريكا الأصليين الاعتراف وبكلِّ ثقة بطبيعتهم الفريدة. وعلى أية حال نحن نشكِّل ثلثي المسلمين في البلاد وعددنا يفوق عدد أية مجموعة عرقية أخرى من مسلمي الولايات المتَّحدة الأمريكية.
أنت تتَّهم المسلمين المهاجرين بأنَّهم كثيرًا ما يتصرَّفون بأبوية تجاه المسلمين السود ومعتنقي الإسلام وأبنائهم. ما هو سبب هذا الاستكبار والتعالي؟
عبد الرشيد: معظم المسلمين المهاجرين لا يعرفون تاريخ المسلمين الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية على الإطلاق. وهم يبحثون عن مكانة لأنفسهم في المجتمع، ولهذا السبب فهم يسعون لتكوين علاقات جيِّدة مع الأقوياء الذين يعتبرون من الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية. والمسلمون من ذوي الأصول العربية والجنوب آسيوية يميلون إلى الاعتماد على هياكل السلطة البيضاء أكثر من اعتمادهم على إخوانهم وأخواتهم المسلمين الذين رسَّخوا الإسلام هنا. ولكن يجب علينا في القرن الحادي والعشرين أن نبدأ في فهم أنَّنا جميعنا نواجه الإسلاموفوبيا. ويجب علينا أن نتعلَّم العمل من أجل تعزيز دور الأمة الإسلامية ككلّ. وأنا أراهن على جيل الشباب الذي يفكِّر تفكيرًا عالميًا وسيساعدنا على تجاوز الاختلافات.
يعتبر المسلمون في الولايات المتَّحدة الأمريكية غير متجانسين للغاية فيما يخص الممارسات الدينية وأساليب الحياة. فهل يعتبر التنوّع لديهم كبيرًا إلى هذا الحدّ مثلما هي عليه الحال لدى المسيحيين الأمريكيين الذين يبدون مشتِّتين بالمقارنة مع المسيحيين في أوروبا؟
عبد الرشيد: أجل، إذ إنَّ هذا التنوّع يمثِّل جزءا من الهوية الأمريكية. وهذا ينطبق على المسيحيين وكذلك على اليهود والمسلمين. لقد قال لي حاخام صديق مؤخرًا: "عندما يكون لدينا خمسة حاخامات في غرفة ما فعندئذ تكون لدينا ستة آراء". وأنا بدوري قلت له: "من الممكن أن يكون لخمسة أئمة في غرفة واحدة سبعة آراء". لذلك فإنَّ قوَّتنا تكمن في التنوِّع!
أنت تطالب المسلمين السود أن يكونوا مخلصين لمصيرهم ولمهمتهم. فماذا تعني بذلك؟
عبد الرشيد: لقد بدأ توطيد الإسلام في أمريكا مع تجارة الرقيق. وأنا أعتقد شخصيًا أنَّ هذا جزءً من خطة إلهية لهذا البلد. وليست مصادفة أن يتواجد في الولايات المتَّحدة الأمريكية مثل هذا العدد الكبير من المسلمين الأفارقة، إذ إنَّ هذه إرادة الله. وهنا في نيويورك يمثِّل المسلمون من غرب أفريقيا في يومنا هذا الطائفة الأسرع نموًا. وأنا أقول لهم إنَّ "الله أتى بنا إلى هنا لكي نتمكَّن من استقبالكم". ولكن إنَّ الكثيرين من الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية وكذلك من المسلمين لديهم القليل جدًا من الوعي بتاريخهم والقليل جدًا من احترام الذات. وهم يفتقرون إلى الجذور النفسية والروحانية. وأنا كإمام على علم تام بهذه المشكلة.
لقد اعتنقت الإسلام في عام 1971 وأنت في سن العشرين. فهل تربيت تربية مسيحية دينية مثل الكثيرين ممن اعتنقوا الإسلام؟
عبد الرشيد: كان والدي معمدانيين في ولاية كارولينا الشمالية، وتطلّقا عندما كنت طفلاً. وفي الثامنة من عمري أصبحت لوثريًا وحتى أنَّني كنت أدرِّس وأنا في سنِّ المراهقة في مدرسة من مدارس يوم الأحد. وبسبب فضولي الروحي كنت مهتمًا في الأديان الأخرى. وفي نهاية المطاف أصبحت مسلمًا وهداني الله. واليوم لديّ ابن مسلم وابنة مسيحية قرَّرت اعتناق الديانة المسيحية على الرغم من أنَّها قد تربَّت تربية إسلامية. وهذا نموذج الأسرة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية.
عندما اعتنقت الإسلام في عام 1971 لم يكن قد مضى على اغتيال مالكوم إكس أكثر من ستة أعوام حيث توفى في مكان غير بعيد عن مسجد هارلم هذا الذي نجلس فيه الآن. فما الذي بقي من ذلك الوقت؟
عبد الرشيد: الكفاح من أجل العدالة! وهذا مطلب مهم جدًا بالنسبة لجميع الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية وكذلك للمسلمين بصورة خاصة. ومالكوم إكس كان شخصية رئيسية بالنسبة للكفاح من أجل العدالة الاجتماعية وكذلك أيضًا لتوجّه الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية إلى التقاليد السنِّية في الإسلام. ومالكوم إكس انتقل من شكل معيَّن من الإسلام إلى الإسلام الحقيقي. وهو ما يزال حتى يومنا هذا شخصة ملهمة جدًا.
يلاحظ وجود تيَّارات سلفية بين المسلمين الأمريكيين الشباب من ذوي الأصول الأفريقية، ويبدو ذلك في بعض الأماكن مثل الموضة. فهل يقلقك ذلك؟
عبد الرشيد: أنا أرى في ذلك تأثيرًا إيجابيًا وسلبيًا. ومن المهم هنا أن نلفت انتباه المسلمين الأمريكيين الأصليين إلى مصادر الإسلام الأصيلة. إنَّ لتركيز السلفيين على القرآن والسنة النبوية تأثيرًا إيجابيًا، وذلك لأنَّ الإسلام يتعرَّض دائمًا لدينا بسبب الانتقائية لجميع الأيديولوجيات والفلسفات الممكنة. ولكن المسلمون الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية لديهم ومع الأسف ميول إلى التأثيرات الثقافية لعدم تجذّرهم الديني. وأمَّا السلفيون فهم يأتون من العالم العربي، والآن يتبنَّى باسم الدين الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية بعض العادات العربية. وهذا ليس جيدًا.
أجرت الحوار: شارلوته فيدمانّ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
الإمام طالب عبد الرشيد الذي يبلغ عمره واحدًا وستين عامًا أمريكي من أصل أفريقي اعتنق الإسلام ويعدّ ناشطًا في الحوار بين الأديان ومدوِّنًا مشاكسًا. وتم تأسيس مسجده المعروف باسم "مسجد الأخوة الإسلامية" في هارلم من قبل بعض الرجال والنساء الذين تركوا مع مالكوم إكس حركة "أمة الإسلام" وانتقلوا إلى المذهب السنِّي. ويشكِّل معتنقو الإسلام الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية وأبناؤهم ثلث المسلمين الذين يقدَّر عددهم بنحو سبعة ملايين نسمة.