السياسة، الخوف، والرقص الشرقي

قنطرة: دعنا نبدأ بقرار رئيسة البرلمان الألماني، جوليا كلوكنر، عدم رفع علم قوس قزح على المبنى بالتزامن مع مسيرة الفخر، كما جرت العادة منذ يوليو/تموز 2022، كيف تلقيتَ هذا القرار؟
بصراحة كان أمرًا صادمًا ومحزنًا. رفع علم قوس قزح على مبنى البوندستاغ في هذا اليوم، بمثابة رسالة واضحة أن المجتمع الكويري له مكان ومعترف به، وبعد القرار، شعرتُ أن هناك تراجعًا وخوفًا من الرموز الداعمة لنا، التي تكون أحيانًا أقوى من تصريحات الساسة، ومع ذلك، وقفنا كمناضلين ضد هذا القرار، ونظمنا مسيرة نحو البرلمان ومعنا علم ضخم، وكان صوتنا أعلى من القرار.
وكيف كانت أجواء المسيرة هذا العام في برلين؟
كانت مليئة بالتناقضات، في جانب كان هناك احتفال كبير وملون، لكن في نفس الوقت جرى قمع وإسكات أي صوت تضامن مع فلسطين ظهر خلال الاحتفال. الفارق هذا العام في أن الكثيرين داخل المجتمع الكويري أصبحوا يرون أن الاحتفال بلا معنى إذا لم يكن فيه موقف واضح من القضايا الإنسانية. في النهاية، مسيرة الفخر ليست مجرد موسيقى واحتفال، بل مساحة نضال وصوت حرية.

هل يتعرض الكويريون للقمع لتضامنهم مع فلسطين؟
نعم، طبعًا. أي شخص كويري يعلن تضامنه مع فلسطين يتعرض لضغط أو هجوم إعلامي أو مجتمعي. والمحزن أيضًا، أن يتحول الهجوم والانقسام إلى داخل مجتمعنا نفسه، هناك خوف كبير من إسكات الأصوات، بينما عملي كله يقوم على رفعها. بالنسبة لي، الكويرية هي حرية، والحرية لا تتجزأ.
دعنا نبتعد عن السياسة قليلًا.. لديك طلة مميزة في أدائك للرقص الشرقي، ترتدي الطربوش وتمزج بين الذكوري والأنثوي، ما دلالة هذا المظهر بالنسبة لك؟
في البداية، جرّبت أزياء الرقص الشرقي المخصصة للرجال، لكنها لم تناسبني ولم تشعرني بالراحة. كان مظهري رجولي جدًا على المسرح، فأردت كسر هذا، وارتديت الأزياء التقليدية للراقصات كالتنانير، ووجدتها مريحة وأكثر تعبيرًا عني، من هنا، تشكلت الهوية البصرية لـ"الدرويش"، الراقص الشرقي الذي يشعر بعدم الانتماء لا للذكورية أو الأنثوية، بل لما أشعر به في اللحظة نفسها وللرسالة التي أريد إيصالها. أتذكر عندما وصلت إلى ألمانيا كان عمري عشرين عامًا، وكانت هويتي ما تزال تتشكل. في البداية تصرفت وفق ما يراه المجتمع "مناسبًا"، كنت لا أعرف من أنا ولا ماذا سأفعل هنا، كنت أعيش لتحقيق وعد لأهلي: الدراسة والعمل والعودة لمساعدتهم.
وما الذي حال دون عودتك، كما وعدت عائلتك؟
اكتشفت أني أريد أن أعيش حياتي لنفسي، ولا أرغب في عيشها كما كُنت في سوريا. فقد كانت حياة مزدوجة مليئة بالكذب ومليئة بالصدمات النفسية سواء العنف الجسدي أو اللفظي والكثير من الأمور الأخرى. أما هنا صرت مستقلًا، قادرًا على اتخاذ قراراتي.
كيف وصلت إلى ألمانيا؟
كنت على علاقة مع شخص في سوريا وأراد الهجرة إلى ألمانيا كدولة مرحبة بالسوريين وقتها، لكنه لم يرغب في الرحيل بدوني. اتفقنا أن يذهب أولًا ثم ألحق به، لكننا انفصلنا بينما كنت أعمل على إجراءات سفري. فساعدني صديق مقيم في ألمانيا في التقديم للدراسة بإحدى الجامعات، ولم أرد إضاعة المجهود الذي بذلته، خاصة أنها كانت ربما فرصتي الوحيدة للخروج من سوريا، ووصلت للدراسة عام سبتمبر/أيلول 2016، ثم حصلت على اللجوء بعدها.
كما تتابع، سقط نظام الأسد قبل عدة أشهر، هل زرت سوريا منذ ذلك الحين؟
ما يحدث في سوريا تغيير سياسي فاشل. لا هو نجاح للثورة ولا حرية. لا يمكن تعطي الحرية لفئة معينة على حساب أخرى. ما تتعرض له طوائف مثل الدروز والعلويين والمسيحيين يوضح استمرار العنف تجاه السوريين. بعض الدول، مثل ألمانيا، تدعم النظام الحالي لأنها تريد "قصة نجاح"، لكن الواقع يقول عكس ذلك. نعم، هناك لجان تحقيق أممية في مجازر الساحل، لكن لا أرى أملًا في النظام المؤقت الحالي. شخصيًا، لا أنوي العودة إلى سوريا حاليًا. ربما أزور والدتي، وإن تمكنت من إحضارها هنا فلن أذهب. أعتز بهويتي السورية وثقافتي، لكن لا بالمجتمع الذي يهدد حياتي ككويري.
وماذا عن المجتمع الكويري هناك؟
يخبرني أصدقائي أن الوضع صعب جدًا الآن وهناك حملة تٌشن ضد الكويريين بسبب هويتهم. فهم يدفعون ثمنًا مضاعفًا من القمع الاجتماعي والسياسي ومن الحرب نفسها إبان عهد الأسد، ورغم ذلك، صمودهم في هذه الظروف هو شجاعة بحد ذاتها، ومن جانبي أعمل على إيصال صوتهم وهلعهم لمجتمعنا الأوروبي.
ذكرت أن التغيير في شخصيتك بدأ بعد وصولك برلين، ما السبب؟
المجتمع ككل، والمجتمع الكويري، إن كان في البداية بصورته الأكبر الأوروبية، وبعد ذلك المجتمع الكويري العربي. برلين مدينة صديقة لنا، فهنا بنية تحتية جيدة لدعمنا من منظمات مجتمع مدني، مثل مشروع "MILES" التابع لجمعية LSVD، والذي ساعدني كثيرًا في بداياتي.
لكن مع الأسف برلين تتغير في السنوات الأخيرة، ليس فقط على المستوى السياسي، بل حتى المساحات الآمنة للمجتمع الكويري مثل البارات والنوادي الليلية بدأت تختفي وتغلق. ومع صعود القوى اليمينية، زادت الكراهية والتمييز ضد الكويريين واللاجئين والأجانب. شخصيًا لا أشعر بالأمان في الشارع أحيانًا.
ومع ذلك، أقول دائمًا: أنا وُلدت من جديد في برلين. هي ملتقى الثقافات والمهمشين، ووعينا الجماعي لما هو "مختلف" يجعلها مميزة غير موجودة بالمدن الألمانية الأخرى.
في 2020، شاركت قصتك في كتاب "Zugzwänge.. Flucht und verlangen" حول معاناة الكويريين المهاجرين، وتنظم نشاطات داعمة للمجتمع الكويري الشرقي، ما الذي دفعك لذلك؟
لم يكن لدينا نماذج نراها في الإعلام تمثل المجتمع الكويري. بعد عروضي تلقيت رسائل من أشخاص يقولون إن ما أقدمه مهم، وأنني أمثل مجتمعًا مهمشًا جدًا. كثير منا ليس لديهم عائلات تدعمهم. بعضهم طُردوا أو هربوا من بيوتهم في سن صغيرة ووجدوا أنفسهم بلا مأوى أو دخل، ويلجأ بعضهم للمخدرات للهروب من مشاكلهم. لهذا الدعم النفسي مهم جدًا. كذلك، كوني سوريًا، دائمًا صورة بلدي تختزل في الحرب والدمار فقط، وهذا آلمني. نعم هناك حرب، لكن هناك أيضًا حياة وفرح أحاول تقديمها في عروضي.
وبالنسبة للكتاب، كانت تجربة شيقة لتوثيق رحلتي إلى ألمانيا والألم الذي عشته، كسوري من عائلة متوسطة الدخل، قرر العيش بعيدا عن الموت. وأعمل حاليًا على كتاب آخر خاص عن حياتي في سوريا وكيف هي في ألمانيا الآن.
أخيرًا، كيف ترى مستقبل الكويريين في ألمانيا مع الصعود السياسي لليمين المتطرف؟
هناك شعور بعدم اليقين، مع ارتفاع الهجمات والتمييز، كما أشرت سابقًا. لذلك أرى أن الحل في وحدة المجتمع الكويري، خاصة العربي، لمواجهة اليمين المتطرف. اليمين يفوز لأننا غير متحدين.
قنطرة ©