الهوية الإسلامية لن تغدو المعيار الوحيد للناخبين في دول الربيع العربي
بعد أن سقط أكثر من نظام عربي وبدأت تتشكل معالم حكومات جديدة، برزت قوى الإسلام السياسي مسيطرة على المشهد كما في مصر وتونس. هل تعتقد أنها مرحلة وقتية أم أننا سنشهد نخبة إخوانية حاكمة عربياً مستقبلاً؟
حسن أبو هنية: لاشك بأن صعود الإخوان المسلمين لم يكن مفاجأة، فخلال فترة التسعينيات كانت القوى الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين تفوز بأغلبية حيثما جرت انتخابات نزيهة، كما حدث في الجزائر مع جبهة الإنقاذ وفي الأردن عام 1989 ودول عربية أخرى.
الثورات العربية نتج عنها تحييد للقوى البوليسية والأمنية، التي كانت تهيمن على الوضع في العالم العربي، فكان من المنطقي أن تحصل جماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية الأخرى بشكل عام على هذه النتائج. وأتى هذا مقروناً بنوع من تعاطف الشارع مع هذه القوى، التي شكلت خلال ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته حركات ذات طبيعة معارِضة للأنظمة الاستبدادية والشمولية التي حكمت لفترة طويلة بعد الدولة الوطنية أو القومية في فترة ما بعد الكولونيالية.
لكن ربما نشهد في المستقبل بعض التغييرات في وضع هذه النُّخَب الإسلامية الحاكمة، فقد يتجه بعضها إلى مزيد من الاعتدال أو مزيد من التشدد، أي إما الاقتراب من النموذج التركي أو نموذج القاعدة. وعلى كل حال لن ينافس الإسلاميين في المستقبل إلا الإسلاميون. قد لا تكون هذه مرحلة مؤقتة، لكن ستظهر مستقبلاً تمايزات أكثر داخل الخط الإخواني والإسلام السياسي.
هل يمكن لهذه النخبة الحاكمة الجديدة أن تلبي تطلعات الشباب العربي، الذي خرج في أكثر من بلد عربي منادياً بدولة تُحتَرم فيها الحقوق المدنية؟
أعتقد أن جماعات الإسلام السياسي، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، عملت منذ بداية التسعينات على تطوير خطابها السياسي، إذ لم تكن خلال الثمانينيات تؤمن بالعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
كما كانت ترى في الديمقراطية نوعاً من الكفر ونظاماً مغايراً للإسلام، لكن شاهدنا خلال فترة وجيزة أن هذه الحركات تقدمت بأطروحات مغايرة تماماً لإيديولوجيتها التاريخية.
فجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي الجماعة الأم، تقدمت عام 2004 بالمبادرة الإصلاحية وشددت على موضوعات المواطنة والديمقراطية والدولة المدينة والتداول السلمي للسلطة والتعددية، وكذلك بقيّة الجماعات استنسخت هذه المبادرة الإصلاحية، كما حدث في الأردن عام 2005، وقبل ذلك في سوريا.
تطوير جماعة الإخوان المسلمين لأطروحاتها السياسية، أوضح أنها أكثر التصاقاً بالتحولات الاجتماعية والسياسية، فكانت تجري عليها عملية سوسيولوجيا التحولات، ما دفعها إلى تأسيس خطاب لموضوع المواطنة والتعددية والدول المدنية.
لكن من جانب آخر باتت المشكلة المستقبلية الرئيسية في هذه الجماعات هي العلاقة بين هذه الجماعات أنفسها، أي بمعنى في داخل البنية الهيكلية للتنظيم. وهي مشكلة تتعلق بالايدولوجيا الأساسية للتنظيم، إذ أنها لا تزال في أطرها القاعدية القديمة، بمعنى أن الشُعَب و"الأُسَر" تتربع على نفس المنظومة التي وضعها الشيخ حسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين) في بداية القرن العشرين.
ولا يوجد هناك إدخال لنوع من التطوير السياسي إلى هذه الهياكل، ما سيكون ربما عاملاً يكون له الدور الأكبر في انشقاق أو ظهور تيارات من داخل الجماعة لانعدام القراءة التأويلية الجديدة، التي تعمم على باقي الهياكل أو الأطر التنظيمية في العالم الإسلامي. هذه الحركات ستدخل في صراع مع نفسها قبل دخولها في صراع مع المجتمع.
تطرقنا إلى الجماعة الأم للإخوان المسلمين في مصر. هل يمكن أن تسمح براغماتية الإخوان بتحالف سلفي-إخواني مستقبلاً في دول عربية أخرى غير مصر؟ أي هل يمكنهم استيعاب الحركات السلفية لصالحهم رغم الاختلافات الفكرية؟
صحيح، يبدو أن هناك تحالفات وقتية سوف تنشأ، لكنها لا ترقى إلى التحالفات الإستراتيجية، كما حدث مع معمعة جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر. لكنها تبقى تحالفات وقتية، فالطبيعة الإيديولوجية لهذه الحركات ستؤدي إلى عملية فرز واستقطاب وتعبئة، ما يؤدي إلى انهيار هذه التحالفات.
الاصطفافات الراهنة لا تلغي كما نعلم الاختلافات في الرؤى الإيديولوجية، وذلك على الرغم من براغماتية هذه الحركات، والتي تميزها عن حركات الإسلام السياسي الأخرى المتصلبة، كالسلفية الجهادية وتنظيم القاعدة. الانتقال من الإيديولوجيا إلى البرامج سيعمل على خلخلة البنى الهيكلية لهذه الحركات وبالتالي تحالفاتها.
صِدام الرئيس مرسي مع المجلس العسكري في قرار حل البرلمان، هل جاء ذلك في إطار إعادة كسب تأييد الشارع المصري وقواه الثورية استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصا إذا ما علمنا أن الأغلبية التي حصل عليها الإخوان في الانتخابات البرلمانية لا تتناسب مع عدد الأصوات التي فاز بها الرئيس مرسي؟
لا شك بأنها لن تحصل على ما حصلت عليه في الانتخابات التشريعية الأولى، فالتصويت جرى في البداية على مبدأ "هوياتي"، أي على الهوية الإسلامية. أعتقد أنه خلال هذه الفترة بدأ الناخب في فحص موضوع الهوية، وتبين أنه لا توجد هناك فروق كبيرة بين ما تطرحه السلفية والإخوان وبين ما تطرحه القوى الأخرى. وربما ظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات التي جرت في ليبيا، إذ لم يكن التصويت هناك للهوية، لذلك كان التصويت بشكل مطلق تقريباً لتحالف القوى الوطنية برئاسة محمود جبريل. وهذا يعد مؤشراً على أن موضوع الهوية أخذ في التراجع مع الزمن.
في مصر شاهدنا في البدء مشاركة أكبر في التصويت في الانتخابات التشريعية، لكنها انخفضت في انتخابات الرئاسية، لأنه بدا أن هناك خطراً يهدد الهوية المصرية، الهوية المحددة للمجتمع المصري. الهوية الإسلامية كانت موجودة في الدستور القديم. وبالتالي أعتقد أن هذا سيجعل الناخب أكثر تردداً وأقل أدلجة في التصويت لجماعات الإسلام السياسي عموماً، فموضوع الهوية سيفقد تأثيره في الانتخابات القادمة، وسيتقدم موضوع البرامج طبيعتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وماذا عن سوريا؟ هل تتوقع دوراً مؤثرا للإخوان في سوريا ما بعد الأسد؟
بالتأكيد، تبقى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا هي الجماعة الأكثر تنظيماً والأكثر حضوراً بالرغم من غيابها عن الساحة السورية لسنوات طويلة منذ الاصطدام مع نظام البعث في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات.
لكن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تمتلك الهياكل والأطر التنظيمية، كما أنها تتمتع بقبول كبير، خصوصاً مع القمع الذي يقوم به النظام. وفي ظل مشكل طائفي موجود في سوريا، ويجب أن نعترف به، تبرز هنا توجهات الهوية الإسلامية.
وستكون جماعة الإخوان المسلمين ممثلاً للتوجه السني بشكل عام داخل سوريا، ما يمنحها دوراً كبيراً في أي مرحلة انتقالية. وهذا مؤكد، لأن بقية القوى منقسمة على نفسها، سواء كانت في الخارج أو تلك المسلحة في الداخل.
أجرى الحوار: عماد غانم
تحرير: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012
حسن أبو هنية باحث في شؤون الجماعات الإسلامية