كسر المحرمات الاجتماعية في باكستان
ما أهمية جائزة نوبل البديلة لهذا العام 2014 بالنسبة لك شخصيًا ولعملك؟
أسماء جهانجير: عندما يتم الاعتراف بعملي وتقديره بهذه الطريقة، فإنَّ هذا بطبيعة الحال يمنح المرء صوتًا أعلى - لا يمنحه لي وحدي، بل لجميع الناشطين في مجال حقوق الإنسان في جنوب آسيا. ولهذا السبب أيضًا فأنا لا أنظر إلى هذه الجائزة في المقام الأوَّل باعتبارها اعترافًا لي شخصيًا، بل هي اعتراف لجميع الأشخاص الذين يعملون في ظلِّ ظروف صعبة للغاية في المنطقة، وخاصة بطبيعة الحال في وطني باكستان.
ماذا تقصدين بالضبط عندما تتحدَّثين حول ظروف صعبة؟
جهانجير: في البداية تعتبر الظروف صعبة لأنَّنا نتعامل في باكستان مع مجتمع ذي توجُّهات تقليدية. وبالإضافة إلى ذلك لقد عشنا فترة طويلة في دولة دكتاتورية. وحتى يومنا هذا لا نزال موجودين سياسيًا في مرحلة انتقالية هشة للغاية: ما بين التطرُّف والعنف الديني. وكذلك لا تزال حرية التعبير عن الرأي محدودة في بعض المجالات - وكلّ هذا من المحرَّمات، التي يتعيَّن كسرها مرارًا وتكرارًا، ولكن هذا الأمر أيضًا خطير للغاية.
ما الذي يجب الإسراع في فعله قبل كلِّ شيء من أجل تحسين وضع المرأة في باكستان بشكل جوهري؟
جهانجير: أعتقد أنَّه لا بدّ في مجال حقوق المرأة من تغيير الكثير، ولكن قبل كلِّ شيء يجب تغيير الرأي القائل إنَّ المرأة عليها أن تكون تابعة دائمًا للرجل. لا يزال يسود فزع مجرّد، عندما تفعل نساء باكستان شيئًا عظيمًا من أجل حقوقهن - من بينظير بوتو وحتى ملالا يوسف زي. وعندما تحظى النساء الباكستانيات بالاعتراف الاجتماعي، فعندئذ كثيرًا ما يثير هذا غضب جماعات الضغط المتطرِّفة، وذلك لأنَّ النساء نجحن في شيء لم ينجح في تحقيقه الرجال.
هناك مشكلة أساسية أخرى تتمثَّل في كون العنف ضدّ المرأة لا يزال منتشرًا، على الرغم من أنَّ الحكومة تفعل كلَّ شيء ممكن من أجل الحدّ منه. أعتقد أنَّ رجال باكستان يجب أن يتعلموا أخيرًا أنَّ من مصلحتهم معاملة النساء من دون تمييز، بل بكرامة واحترام.
.
كيف تريدين تحقيق هذا التغيير في التفكير وما هي المؤسَّسات التي يجب بحسب رأيك استخدامها، من أجل مكافحة التمييز ضدّ المرأة؟
جهانجير: يجب أن يبدأ هذا في المدرسة وأن يتم ترسيخه هناك في المناهج الدراسية. إذا نظرنا إلى المناهج الدراسية، فسنجد هناك دائمًا عبارات فقط مثل "بيت الفتاة" و"قرية الفتى"، أو "الأم تطهو الطعام" و"الأب يذهب إلى العمل"، ولكن في الواقع هناك الكثير من النساء العاملات. أعتقد أنَّه لا تكاد توجد في باكستان، بل وحتى في معظم بلدان العالم الأخرى أية امرأة لا تعمل. وفي الواقع على الأرجح أنَّ النساء يعملن حتى أكثر من الرجال، ولكن هذه الحقيقة لا تحظى لا بالاعتراف ولا بالتقدير المناسب.
ما هو الدور الذي يلعبه الدين ضمن هذا السياق في عدم تمتّع النساء في باكستان بالحقوق نفسها مثل الرجال؟
جهانجير: دور كبير جدًا. إذ إنَّ جميع القيود تستند على الدين ويتم تبريرها بالدين. عندما تتمتَّع النساء بالحقوق نفسها داخل الأسرة، فعندئذ يتم تبرير ذلك أيضًا باسم الدين. في باكستان توجد في مجالات عديدة قوانينُ تمييزيةٌ، ويتم إصدارها أيضًا باسم الدين. ولكن بالإضافة إلى ذلك هناك أيضًا العادات الاجتماعية، مثل الأحكام المحدِّدة شكل اللباس، التي تُذكِّر النساء مرارًا وتكرارًا بأنَّهن لسن من يُحدِّدن مصيرهن بأنفسهن، بصرف النظر عما إذا كان هذا يتعلق بملابسهن أو بالزواج أو بحرية الانتقال أو حرية التعبير عن الرأي. كلُّ هذا يتم باسم التقاليد والدين.
ما هي المجالات الاجتماعية والسياسية الأخرى التي لا يزال يوجد فيها بحسب رأيك حاجة إلى المزيد من العمل؟
جهانجير: ترتبط حقوق المرأة والحقوق الأساسية الأخرى ارتباطًا وثيقًا بعضها ببعض. وفي الحقيقة تنتشر في باكستان على نطاق واسع ثقافة الإفلات من العقاب في جرائم العنف، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعنف ضدّ الضعفاء. وهذا يجب أن يتغيَّر. ولن يتمكَّن المرء من تحقيق ذلك، إلاَّ عندما يتم تحسين إدارة الحكم ومعها تحسين المؤسَّسات السياسية. وكذلك يجب أن تتغيَّر أيضًا المحرَّمات السائدة مثل حرية التعبير عن الرأي - ليس فقط بالنسبة للنساء، بل للرجال أيضًا. وكذلك نحن بحاجة إلى نقاش مفتوح حول حقوق المرأة الباكستانية، من دون أن يلعب الدين والتقاليد أي دور في هذا الصدد. وكذلك يجب أن يتم وبشكل مناسب تقدير دور المرأة الإيجابي في بناء مجتمعنا.
ما هي المشاريع التي تعملين فيها حاليًا؟
جهانجير: حاليًا أشارك في مشاريع عديدة. في واحد من هذه المشارع يتعلق الأمر بالسؤال حول كيفية تطبيق الحقوق الأساسية في باكستان وتعزيزها بشكل أكثر فعالية. أنا أدافع عن بعض القضايا التي تم فيها سجن موكليَّ بسبب تهم ملفَّقة إليهم - لمجرَّد أنَّهم فقراء للغاية. وهناك موكلون آخرون تم اتِّهامهم بالكفر والإساءة إلى الذات الإلهية. وأدافع عن بعض النساء اللواتي رُفِعَت عليهن دعاوى قضائية من قبل أقارب أزواجهن. ولأنهن لم يجدن أية إمكانية لتلقي الاستشارة القانونية، فلم يكن لديهن حتى الآن أمل في الحصول على محاكمة عادلة.
وأخيرًا أنا أعمل أيضًا في بعض القضايا التي تتعلق بأشخاص مفقودين في بعض المناطق الباكستانية، حيث يتم اعتقال بعضهم منذ ثلاثة وحتى أربعة أعوام بتهمة الإرهاب. وفي الوقت نفسه نحن نكافح ضدّ قوانين مكافحة الإرهاب التي لا تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ما نوع المشكلات التي تواجهك في أثناء عملك اليومي، عندما يتعلق الأمر بتقديمك المشورة والمساعدة لأفقر الفقراء والضعفاء اجتماعيًا في باكستان؟
جهانجير: في عدد من الحالات تتمثَّل المشكلات في قوَّات الأمن، التي تعمل ضدّنا. وللأسف كثيرًا ما يكمن التحدّي الأكبر في دفع المحاكم إلى تبنِّي قضايا الضعفاء وليس تأجيلها. وبالإضافة إلى ذلك كثيرًا ما أواجه المتطرِّفين الدينيين وجماعات الضغط التابعة لهم، وهؤلاء يعتقدون أنَّنا لا نحترم المعايير الاجتماعية، عندما نقول إنَّ جرائم الشرف تعدّ ببساطة جرائم جنائية، ويتَّهموننا بأنَّنا نُفسد الشباب من خلال عملنا.
حاورتها: روما راجبال فايس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2014
في عام 1986 أسَّست المحامية أسماء جهانجير في باكستان أوَّل مركز للمساعدة القانونية ومنذ ذلك الحين تدافع دائمًا عن قضايا معقدة. بين عامي 1998 و2004 كانت جهانجير المقرِّرة الأممية الخاصة بحرية الدين والمعتقد. وفي عام 2010 تم انتخابها كأوَّل رئيسة لغرفة المحامين في المحكمة العليا في باكستان. وبصفتها واحدة من مؤسِّسي لجنة حقوق الإنسان في باكستان، تعمل المحامية جهانجير البالغة من العمر 62 عامًا منذ أكثر من ثلاثة عقود من أجل حقوق الإنسان وتدافع عن قضايا حرجة، خاصة عندما يتعلق الأمر بفقراء يعيشون على هامش المجتمع الباكستاني.