"يوما ما سأعيش في القدس"
فريد، أنت فنان، لديك وظيفة يومية كما أنك ناشط. فما الذي يحفّزك؟
فريد بيطار: لدي عمل بدوام كامل بوصفي مشرف "إدارة الحالات" أتعامل مع المصابين بالإيدز وبالنسبة لي فهذه إحدى الطرق لسداد ديوننا. فأنا أصنع فارقاً في حياة الناس. أما بقية وقتي فهو عبارة عن نشاطات: الشعر، والإلقاء، والتسجيل. كما أنني أرسم، وأنحت الخشب.
بالنسبة لي فإن ذلك مثل حامل ثلاثي القوائم. فاللوحة تتوّلد من القصيدة، والقصيدة تتحول إلى نحت خشبي، والنحت الخشبي يخرج من الورق. دائماً ما اسأل نفسي ما هو هدف الحياة؟ فأنا لا أغير نيويورك، ولا أغير أي شيء في فلسطين. لذا أخبر نفسي، يجب علي أن أكون إما صوت التعقل أو العدالة.
من أين تنحدر عائلتك وهل عدت يوماً إلى وطنك؟
فريد بيطار: كان أهلي من القدس. أنا مقدسي فخور. لا أحد يستطيع انتزاع ذلك مني. فأنا مقدسي المولد، ومقدسي النشأة. ويوماً ما سأعيش هناك. وقد كنت هناك في عام 1967، عندما كان عمري ست سنوات. أما آخر رحلة لي إلى القدس فقد كانت في عام 2007، عندما كانت والدتي تحتضر.
إذ ذهبت لزيارتها، في مستوطنة لسوء الحظ، في مشفى ومن ثم في دار مسنين وقد كنت معارضاً لذلك بشدة. كما كتبت أربع قصائد حول تجربتي هناك. وتوفيت والدتي في الشهر الذي تلا مغادرتي. كانت تلك آخر رحلة لي. لست متأكداً من إن كان بإمكاني العودة إلى هناك مرة أخرى. قصائدي في كل مكان. وصوتي في كل مكان وهذا ما أريده.
هل كنت في مسيرة الحرية لغزة في عام 2009؟
فريد بيطار: لا أعرف من بدأ هذه المسيرة، ولكن المثير للدهشة، وبعد أن حددنا عدد الناس الذين قُتِلوا في غزة (حوالي 1470)، سافر تقريباً نفس العدد من الناس إلى القاهرة من 43 بلداً، تحت شعار مسيرة الحرية لغزة. فقلت لنفسي يجب أن أكون جزءاً منها. لقد كنت واحداً من 60 شخص تمكنوا من الدخول. كانت لحظة فخر كبيرة. إذ كنت في غزة لمدة 48 ساعة. بيد أن المحزن كان مرور المؤن لكن تحت سيطرة حماس.
هل من شخص شكّل مصدر إلهام خاص لك؟
فريد بيطار: تشي غيفارا هو مصدر إلهامي الثوري ومحمود درويش مصدر إلهامي الشعري. قد يكون أكبر مني بـ 20 عام فقط، ولكنه الصوت المحفِّز في رأسي. وهناك أيضاً فدوى طوقان، إنها أقوى بكثير ولكن لم يسمع بها أحد. فدرويش على سبيل المثال، كان سيستمع إليها بكل إعجاب واحترام.
ماذا الذي سيجعل الفلسطينيين أقوى برأيك؟
فريد بيطار: نحن نتعامل مع عدو داهية. واستخدم كلمة "عدو" لأنهم يعاملوننا كما لو أننا متطفلون. لا ينبغي علينا أن نكون أذكى، ولكن علينا أن نتّحد. بالوحدة يمكننا الانتصار. إنني فخور جداً أن حماس وفتح تتّحدان. لست متأكداً لكم من الوقت سيستمر ذلك لكن الوحدة ضرورية. فالصهاينة متحدون إلى أبعد حد. وهذا الشيء الوحيد الذي يمكننا القول إن بإمكاننا تعلمه منهم.
هل من الممكن للناس تقبُّل الحياة، بعد أن شهدوا الحرب؟
فريد بيطار: أنا بخير. لكن العديد من الفلسطينيين ليسوا كذلك. أحياناً أعاني من صعوبات بالنوم. وغالباً في الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً أرسم، وأفكر، وأسير مثل الزومبي. بينما ليس للحبوب المنومة أي تأثير، ولكن ما زلت أذهب إلى العمل في صباح اليوم التالي. وطني عزيز جداً، ومهم جداً بالنسبة لي.
وهكذا أكتب قصائدي أحياناً، من فضائي المعتم. لدي رؤى ولست متأكداً ما هي. كما أن كل قصائدي مُكرّسة للموتى، وليس للأحياء. إضافة لاستخدامي كلمات مختلفة: إبادة، مذبحة، مجزرة. جدتي، لا رأس، عمي، لا رأس.
كما تبرز أربع كلمات بغتة في فني كل الوقت: العودة، فلسطين، النكبة، والقدس. وهي تتكرر لأننا نحترق، ولكننا لن نُمحى.
ما هي لحظات الفخر في مسيرتك المهنية كشاعر؟
فريد بيطار: أداء قصيدتي "النكبة" أمام مجلس مدينة نيويورك وعمدتها. فهي لم تكن القصيدة التي اتفقت على تقديمها. بيد أنني ألقيتها من ذاكرتي، باللغتين الإنكليزية والعربية، وأنا مرتدٍ سترة هارلي ديفيدسون الخاصة بي وكوفيتي.
كما ألقيت قصائدي أمام حشد مؤلف من ألفي شخص في الذكرى ال 48 لنكبتنا. وبعض من قصائدي قُرِأت على الراديو- "Oh Jericho" و"Bauha" ظهرت في راديو جامعة كولومبيا. بقيت صديقة مقدِّمة معجبة بشكل خاص بـ"Bauha"، تُذيع القصيدة للمستمعين. قالت "فريد، إذا أخرجناك من هذه القصيدة واستبدلنا طفل آخر في كمبوديا، أو في أفغانستان، أو العراق، فالقصيدة هي نفسها. طفل في حرب".
عندما ألقيتَ القصائد في إطلاق كتاب "شفرات من العشب" في لندن، أضفت بعض الأسطر غير الموجودة في الكتاب.
فريد بيطار: أنا شاعر إلقاء، لذلك فإن هذا يحدث أحياناً. فالورق يمكن أن يكون مُقيِّداً في بعض الأحيان. إذ إن حمل كتاب والقراءة منه يدمّر قوّتها وشدّتها. إنها قصيدتي وأنا أملكها وأملك الحق بأن أخرج من النافذة أو من الباب- والقيام بذلك شيء إنساني تماماً. فحين أرى الحشود أتحمّس، ولا أشعر بالتوتر. ليس بسبب كوني مركز الاهتمام، بل لمشاركة أعماق القصيدة مع جمهور. إنها تجربة فريدة.
هل تفضل لغة على أخرى؟
فريد بيطار: 90 بالمئة مما أكتبه هو باللغة الإنكليزية، بسبب السنوات التي قضيتها في الولايات المتحدة. ولكنني أفخر بالعودة إلى جذوري اللغوية. وعندما أكتب قصيدة باللغة العربية، أتركها كما هي. إذ أن ترجمة القصائد يمكن أن يفسدها أحياناً.
ولكنك ما زلت تترجمها بنفسك؟
فريد بيطار: نعم، لا أريد أن يقوم شخص آخر بهذا، فهم لا يعرفون بما أشعر. وكما قال درويش وفدوى طوقان ونيرودا، تخسر القصيدة 20 إلى 30 بالمئة من معناها عندما تُترجم. لذلك أفضل أن أترجمها بنفسي.
فالنتينا فينهترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018