مالك جندلي: سوريا الحرة تساوي الشعب السوري ناقص بشار الأسد
لو بدأنا بسؤال عن الأوضاع في البلاد العربية عموما وبلدك سوريا خصوصا: كيف يعيش مالك جندلي هذه الأحداث؟
مالك جندلي:الأحداث التي نشهدها حاليا والمتمثلة بالربيع العربي تفرض مسؤولية جديدة على الفنان، ولقب فنان هو تكريم من الجمهور. والفن، لوعرّفناه، هو البحث عن الحقيقة والجمال، وهو مرآة لعكس الواقع. ومتى ما كان الفن مقيدا فهو فن زائف، ومتى ما كان زائفا فهو ليس بفن أبدا. والثورة السورية السلمية التي نشهدها أفرزت فنانيين حقيقيين عكسوا الواقع وكانوا نبض الشارع الثائر ومنهم مثلا ابراهيم القاشوش، الذي امتلك جرأة كبيرة في التعبير عن الثوار وفي تحدي النظام الديكتاتوري المجرم. فكانت التضحية كبيرة من القاشوش، فقد قتله النظام واقتلع حنجرته وألقاه في نهر العاصي. وجدت نفسي مطالبا بأن أحيّي هذه الفنان الخالد وأن أهديه سمفونية خاصة له أسميتها "الحرية ... سمفونية القاشوش". وهذه السمفونية هي تقدير له ولكل الثائرين في الوطن العربي.
إذن أنت وقفت إلى جانب الحراك الشعبي في سوريا، ولم تلتزم الصمت؟
من يلتزم الصمت اليوم هو مجرم، بل ويرتكب جرائم ضد الإنسانية، كما يرتكبها النظام الأسدي المجرم. لنتكلم كبشر عاديين وليس كفناننين أو مثقفين. فأي إنسان يرى تعذيب وقتل طفلة صغيرة كعفاف أو هاجر وغيرهم أو ناشطين مثل طل الملوحي التي اعتقلت، أو ابراهيم القاشوش، لايمكن له أن يصمت. فالصمت هنا غير مقبول لا أخلاقيا ولا دينيا ولا إنسانيا.
ثم الخوف! خوف من ماذا؟ نحن نرى أطفالا يقصفون في درعا وفي حمص وغيرها، ولا يزيدهم ذلك سوى صلابة وإصرارا واستمرارية في الثورة السلمية، وأنا أؤكد على كلمة سلمية. لأن ثورتنا السورية سلمية، سلاحها التصفيق والحناجر التي تهتف، بغض النظر عن الجيش السوري الحر، الذي هو عبارة عن إعادة تشكيل وهيكلة للجيش السوري، الذي لم يعد جيشا للشعب السوري، وإنما يمكن تسميته عصابات الأسد، التي تقصف بلادي وأهلي وتمثل بجثث الأطفال، حتى الرضع منهم، وتغتصب النساء. هذا ليس بجيشنا. إذن فالجيش السوري الحر هو عبارة عن إعادة الضمير للجندي السوري الذي واجبه حماية الوطن وأبناء الوطن.
إذن بعد هذه الصحوة فلا خوف أبدا. بعد تدفق هذا الفيض من المشاعر الإنسانية التي قادها أبطال مثل القاشوش والساروت وغيرهم، والذين يملكون شجاعة كبيرة، في الحقيقة أنا لا أملك مثلها؛ فأنا أعيش في الولايات المتحدة وكل حقوقي الإنسانية والقضائية مصانة، وأعامل كإنسان محترم حر. وعلى الأقل لا أواجه بدبابة أو قذيفة.
شاهدنا صورا، نشرت على شبكة الانترنت وقيل إنها لوالديك وقد تعرضا للضرب. هل لك أن تخبرنا ما الذي حدث لهما بالضبط؟
لكل فعل رد فعل، هذا شيء طبيعي. كان هذا الاعتداء على والدي بالنسبة لي ولهما عبارة عن وسام شرف، وهو أقل ما نقدمه للثورة السورية. وقبل أيام قصفوا منزلنا في حمص، بعد أن أطلقت سمفونية القاشوش مباشرة. أزلام النظام اعتدوا على والدي وهاجموا موقعي الالكتروني لأني أطلقت أغنية بسيطة، حملت عنوان "وطني أنا". مدتها خمس دقائق، وهي لا تتطرق لسوريا مباشرة، ويقول مطلعها: "وطني أنا، وأنا وطني ... حبك نار في فؤادي، متى أراك حرا يا وطني؟". هذه الأغنية ليست بالضرورة لسوريا، فيمكن تقديمها لمصر ولموزامبيق ولكوريا ولأميركا أو لأي دولة. ولكن هذا النظام تفنن بألاعيبه الخبيثة في التضييق على الناس وفي اعتبار كل شيء ضده.
والدتي اعتبرت الأمر وسام شرف، وقالت لي بعد أيام من تعرضها للضرب المبرح: "هذه القتلة تستاهل حفلة من حفلاتك الخيرية". وهي لم تتأثر نفسيا بذلك الضرب أبدا، وقالت بأن هؤلاء ليسوا لا بشراً ولا حتى حيوانات؛ هم ليسوا كائنات حية أبدا. ولذلك لم تسمح لهم بأن يؤثروا عليها نفسيا. واليوم يعيش والداي معي في الولايات المتحدة.
وأقول إن هذا الضرب لوالدي وتهديدي لم يزدني إلا إصرارا على دعم الثورة. وأنا أرى الحرية تقترب، لأن لدي معادلتي الخاصة في هذا الشأن وهذه المعادلة الرياضية هي: "سوريا الحرة = الشعب السوري - بشار الأسد".
أليس في ذلك تجاهلا لما قالت السلطات السورية عنه بأنه حزمة من الإصلاحات العصرية ستقدم وفق جدول زمني؟
عن أي إصلاحات يتكلمون؟ لقد سفكوا دماء عشرة آلاف سوري حتى الآن، عدا عن المعتقلين والمفقودين والمهجرين. يقدمون لنا دستور، ومن يقبل بهذا الدستور. إنه دستور بلا ناموس، فكيف لنا أن نتقبل دستورا من فرعون. ثم إن بشار الأسد وزوجته يدعيان بأنهم أناس طيبون ويهتمون بالشعب السوري، ولكنهم في الحقيقة بعيدين عن الطيبة كل البعد. إنهم أشرار. تأتي زوجة بشار وتدعي بأنها ترعى المؤسسات الخيرية وذوي الاحتياجات الخاصة. اهتموا بالحاجات العامة أولا وبعد ذلك الخاصة. لايمكن تصور إصلاح هذا النظام، لأن الإصلاح يعني أن يعزل بشار الأسد كل أركان حكمه وأعوانه وأقاربه من السفاحين. وهو لن يقوم بذلك. لهذا فلا يوجد حل إلا بإسقاط النظام.
أنت كمواطن سوري، تربى في سوريا وتعلم في مدارسها قبل أن يهاجر، برأيك لماذا تحرك السوريون ضد نظام الحكم هناك؟
الشارع السوري انتفض اليوم لأنه بقي لأكثر من أربعين سنة مقهورا مظلوما لا يستطيع التفكير، وهذا الأمر ينطبق على الشارع العربي عموما. هذا الأمر أدى إلى انتشار الجهل، لأن مستوى الإدراك أصبح دون مستوى المطروح، فمثلا تعطي البعض قرآنا ليسمعه، ولكنه لايسمعه، بل يذهب ويسجل صوته ليستمع لنفسه، أو تعطيه سمفونية، فيرفضها ويستمع لأغنية "أبوس الواوا"، فتم نشر الانحطاط الخلقي والتلوث البصري والصوتي. أما اليوم فقد اكتسب الشارع حريته بكل أبعادها وخاصة الفكرية واكتسب شجاعته وصار يفكر. وهكذا عدنا لعراقتنا وحضارتنا.
ونحن نتكلم دائما عن الماضي، لأن الأنظمة الديكتاتورية أدت إلى تأخيرنا كثيرا في السلم الحضاري الإنساني. منطقتنا العربية هي مهد الحضارات والديانات؛ ونحن من ابتكر الأبجدية والسلم الموسيقي وغير ذلك، لأننا كنا أحرارا. واليوم نشهد ثورة تاريخية فكرية تعيدنا إلى مرحلة ما قبل الأسد وما قبل هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، لنعود إلى جوهرنا وهويتنا الحقيقية التي زيفها هذا النظم الفاسد.
ولكن أليست العودة إلى مرحلة سابقة تراجعا وليست تقدما؟
لا، أبدا. نحن في سوريا، قبل مجيء البعث وقبل مجيء الأسد، كان لدينا نظام برلماني ديموقراطي، وكان لدينا تعددية حزبية، ولدينا بنوك خاصة، واحترام لحقوق الإنسان، بصورة أفضل بكثير مماهي عليه الآن في ظل النظام الحالي.
وهل تخشى من الطائفية في سوريا، ومن الاضطهاد للطوائف الأخرى؟
لا، أبدا. أنا كإنسان سوري خذني كمثال بسيط أمامك. أنا إنسان مسلم أصلي الجمعة في المسجد وذهبت إلى الحج، وعملت لعشر سنوات كعازف بيانو في إحدى الكنائس، وسكنت مع عائلة يهودية هنا في أميركا لسنتين عندما كنت طالبا. ونحن في سوريا من استقبل الأخوة الأرمن لدينا، في ظل الدولة العثمانية، ونحن من استقبل العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين. يجب أن نفرق بين النظام الديكتاتوري وبين الشعب السوري الحضاري. نحن ليس لدينا أي نفس طائفي.
ولكن هناك من يخشى من مرحلة مابعد الأسد، وهناك من يخشى من سيطرة نظام إسلامي على الحكم. ألا تخشى أنت من ذلك أيضا؟
يجب أن نكون جدا واضحين. المسلمون الذين يطبقون الدين الحقيقي بشكل واضح وصحيح، ليس لدي أي خوف منهم. وأنا ليس لدي أي مشكلة في ديانة من يتولى الحكم.
نحن بلاد إسلامية تقبّلت الآخر، وازدهرت الحضارة الإسلامية عندما تم تطبيق الإسلام الحقيقي. نحن الآن على الطريق الصحيح، وبدأنا بنهضتنا. أنا ليس لدي أي خوف، بل على العكس، أنا أتوق ليعود الإسلام الحقيقي والحضارة الإسلامية التي ازدهرت من الصين إلى قرطبة، عندما ساد التسامح والتآلف. كانت سيمفونية جميلة تؤلف بين القلوب. نريد أن يعود المسجد كما كان، فالمسجد كان مشفى ومكتبة وملتقى ومنتدى، ليس فقط للمسلمين بل للجميع. وفي المسجد نوقشت الأطروحات الفلسفية وفي المسجد أنشدت الأناشيد، وفي المحراب ابتكر فن الأرابيسك. المسجد لم يكن مكانا للتفرقة. وأنا ليس لدي أي شك في أن الشعب السوري والعربي بشكل عام، الذي احتوى الآخر منذ آلاف السنين، سيعيد بناء ذاته بعد نيل حريته.
الشارع العربي ليس جاهلا بطبعه، وإنما هي حصيلة لتراكم فساد الأنظمة العربية البعيدة عن الإسلام. فالسيدة خديجة، زوجة الرسول محمد، كانت سيدة أعمال في ذاك الزمن ولها تجارتها الخاصة، أما اليوم فتمنع المرأة مثلا من قيادة السيارة، فقط لأنها امرأة. بينما المرأة في بلدان أخرى تقود الطائرة. وأنا واثق لو أن النبي محمد كان على قيد الحياة بيننا، لسمح للمرأة أن تقود حتى الطائرة والمركبة الفضائية وأن تقوم بالأبحاث.
إن النهضة الإسلامية هي التي أخرجت العرب من حال كانوا فيها عبارة عن قبائل متناحرة مع بعضها وتأد النساء إلى حضارة عظمى في قرطبة، بتسارع زمني مخيف. وعندما طبق الإسلام الحقيقي ساد الرخاء ولم يعد أحد يدفع الزكاة، لأنه لم يعد هناك فقراء. لماذا؟ لأنننا كنا مسلمين حقيقيين كسمفونية جميلة، وليست سمفونية إسلامية فقط، وإنما سمفونية إنسانية تحترم مشاعر وحقوق أي إنسان كان، رغم بعض الأخطاء، ولكن بشكل عام أخذ كل ذي حق حقه آنذاك. والآن يضعون لنا حكومات تدعي الإسلام ولكن ليس لها علاقة بالإسلام الحقيقي.
من تقصد بعبارة "يضعون لنا حكومات"؟ من يضعها؟
من يضع تلك الحكومات ويشجعها هي استراتيجية سياسية عالمية لتشويه صورة الإسلام الحقيقي، هم يشجعون ظهور قيادات تدعي الإسلام، كما يريدونه. نحن يجب أن نعمل من تلقاء أنفسنا. الآن أعطني نظام حكم يمثل الإسلام الصحيح، كما كان في قرطبة وفي الأندلس، عندما كانت المدن منارة، والموسيقى الراقية تصدح، والأرابيسك يزخرف محارب الكنائس والمعابد والمتاحف، وحقوق الإنسان مصانة للجميع، بغض النظر عن دين الإنسان. أقرب ما أشاهده في عصرنا هذا، بغض النظر عن السياسة الخارجية، هي أميركا. ربما يقول البعض كيف تقول أميركا وهي تحتل العراق؟ أقول كسياسة داخلية داخل أميركا؛ هناك احترام للإنسان ولحريته. الآن يمكنني أن أصلي هنا في أريزونا في الحديقة العامة دون أن يعترض أحد.
ثم أود أن أتسائل: لماذا هناك عشرون مليون سوري مغترب، غادروا وطنهم؟ ماذا ابتكرنا كأمة إسلامية أو عربية خلال المائة سنة الماضية، عندما شاهدنا اختراع الطائرة والكمبيوتر والانترنت؟ ثم نقول هذه حضارة أميركا ليست حضارة جديرة بالذكر! تخيل كيف سيكون العالم اليوم بدون الكمبيوتر والانترنت. فقط هذين الاختراعين.
ولماذا يبتكر ستيف جوب جندلي، وهو من أصل سوري من حمص، الآي باد والآي فون في أميركا وليس في حمص؟ هو ابتكر أبل ماكنتوش وهذا ليس أمرا بسيطا. لماذا لم يخترع ذاك في سوريا؟ لأنه لو كان في سوريا لقالوا له اذهب وادرس الطب أو الهندسة أو القانون، لتكسب مالا كثيرا. اذهب وادخل في سلك الدولة والحكومة لتكسب مالا. أذكر لك ماحصل معي مثلا، عندما قلت لجدتي سأذهب لأدرس الموسيقى، قالت لي: "وا أسفاه يا بني ... موسيقى!؟ متى ستصبح رجلا؟" فعندهم الرجولة هي المجالات المرتبطة بكسب المال. والذنب ليس ذنب جدتي، وإنما هذا مافعلته الأنظمة المتخلفة التي جعلت الشعب فقيرا وأهم شيء بالنسبة له هو الحصول على المال.
وهل ترى أنه يمكن إصلاح هذا الواقع؟
سأقول لك شيئا. في سوريا لم ندرس التاريخ السوري الحديث. درسنا فقط الأسد. أنا مالك جندلي كنت أذهب يوميا للمدرسة وهناك يوميا نقول: "بالروح بالدم نفديك يا حافظ" ونقول: "قائدنا إلى الأبد، الأمين حافظ الأسد"، وعندما أعود للبيت أسمع أهلي ينتقدون هذا النظام الجائر ويسبونه.
أنا عشت من عمر ست سنوات وحتى عمر عشرين سنة وأنا في سوريا، ومثلي الكثيرون، عشنا ذاك الانفصام بالشخصية وذاك النفاق. في المدرسة يتم تدريس مواد النفاق وتأليه حافظ الأسد من بعد ابنه بشار، وأقوالهما يجب أن تحفظ. هذا الأمر يؤثر على نفسية الطفل والشاب الذي في المدرسة. لذلك خرجت أجيال مسحوقة نفسيا وفكريا. ولذلك نرى بعض الصامتين في سوريا على مجازر بشار الأسد. صدقني لو حدث وقتلت طفلة في الولايات المتحدة برصاص الجيش الأميركي كما يحدث في سوريا، لاندلعت ثورة عارمة في كل أميركا. بينما في سوريا يقتل الأطفال يوميا، والبعض لازال يدافع عن هذا النظام.
ودعني أخبرك أيضا، بأني طوال حياتي لم أملك العلم السوري، لماذا؟ لأن الأسد حوّل سوريا إلى ملك له، أصبح اسمها سوريا الأسد. تخيل لو أنه يصبح اسم ألمانيا "ألمانيا ميركل" أو أميركا "أميركا أوباما"، هل يمكن تصور ذلك؟ لهذا لم أضع العلم السوري يوما في بيتي. لأني اعتبرته رمزا للحاكم وليس للوطن. أما الآن فأضع علم الثورة بكل حب، لأنه صار يعبر عن الوطن وليس عن الحاكم.
عشرون مليون سوري هربوا من جور الحاكم؛ هربوا لسبب واحد فقط ألا وهو الحرية. الشعوب لاتريد الأموال ولا تريد الخبز. ما نريده هو الحرية. ولذلك أقول بأن الثورة السورية انتصرت لأن حاجز الخوف قد كسر، وأصبح بإمكان السوري أن يقول مايريد، رغم القمع.
هل لك أن تخبرنا كيف يتفاعل المواطن الأميركي العادي مع مايراه في سوريا؟
في آخر حفلاتي أبرحت في البكاء وقلت للجمهور: أنا أعزف أمامكم الآن وفي نفس اللحظة يمكن أن يكون طفل سوري قد قتل. وبالمناسبة أنا أقدم حفلاتي خيرية بالكامل، ويذهب ريعها بالكامل لدعم الثورة السورية. ولو أني استطعت تقديم المزيد لقدمت.
ما أود قوله هو أن العالم أجمع مشدوه بشجاعة الشعب السوري. هنا في أميركا لديهم ما يسمى بـ "مقاتلي الحرية". ومقاتلوا الحرية هم رمز كبير في أميركا لأولئك الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل نيل حريتهم. كثير من الأميركيين قالوا لي بأن الشعب السوري تخطى بمراحل بطولة مقاتلي الحرية هؤلاء. إن الحرية سلعة باهظة الثمن، ونحن ندفع الآن في سوريا ثمنا باهظا لنيل حيرتنا.
وبعد أن يسقط النظام يجب أن نحتفي باختلافنا العرقي والديني، لأن الإسلام وهو دين الأغلبية في سوريا يحتفي بالتنوع، والحضارة الإسلامية ازدهرت عندما أخذت من الآخر. إذ أخذت من الحضارات الهندية واليونانية والصينية وغيرها. لذلك تشكلت سمفونية إنسانية جميلة. والقاعدة تقول: لاقوميات في الإسلام. فكل القوميات لها الحق في المواطنة.
إذن أنت تقدم حفلات خيرية لدعم السوريين في الداخل؟
أنا أخجل من أن أذكر ذلك، لأن ما أقدمه لا يساوي شيئا أمام بطولات أخوتي الثوار في سوريا. ما قدمته، حتى الآن، هو دعم معنوي من خلال الموسيقى. فلدي كل أسبوع، حفل خيري، يذهب ريعه على شكل إعانات طبية أو مادية للمتضررين في الداخل السوري، ولا آخذ منه ولا حتى دولارا واحدا. وهذا أقل مايمكن أن أقدمه. وهذا واجب إنساني وليس فني. ورغم الألم الكبير لما أرى، إلا أني أعزف لهم.
وحتى أني سأكون في نهاية شهر أبريل في كونتسيرت هاوس في فيينا لإقامة حفل فني خيري لدعم الشعب السوري، وبعده مباشرة لدي حفلات في ألمانيا. وسأقدم لهم العود مع البيانو، أرقى آلة شرقية مع أرقى آلة غربية، سأمزجهما مع بعضهما لتخرج مقامات موسيقية جميلة.
كما أود الإشارة بجهود الكثير من المغتربين السوريين. نحن عشرون مليون سوري مغترب. أنا أسميهم السوريين الأحرار. هؤلاء مطالبون بتقديم كل مايمكن تقديمه لنصرة الثورة السلمية. نحن جميعا نشكل أوركسترا جميلة نعزف أجمل ألحان الحرية على إيقاع كرامتنا وعلى إيقاع الكرامة الإنسانية. ولو قارنت هؤلاء بالسيمفونية الوطنية في سوريا، التي تقيم المهرجانات على جثث الأطفال الأبرياء السوريين. ويسمونها الفرقة السيمفونية الوطنية. أو غيرهم ممن يسمون أنفسهم فنانيين ويقيمون المهرجانات على جثث الشهداء السوريين. بأي وجه يفعلون ذلك.
بما أنك تحدثت عن الفنانيين. مارأيك بتفاعلهم مع مايجري في سوريا؟
أولا دعني أقول بأني لم أتوقع أن ينتفض الطفل والشاب السوري، الذي تربى وترعترع في مدارس البعث. ولكن الآن بعد أن ثار هؤلاء الأبطال الشجعان، أقول لهم نحن معكم بقدر ما نستطيع. للأسف كثير ممن يسمون أنفسهم فناننين إما أنهم وقفوا مع النظام بشكل علني أو التزموا الصمت. والقليلون هم من قالوا الحقيقية واترفع صوتهم بها. بالنسبة للصامتين منهم، أقول لهم العار عليكم، ارجعوا لإنسانيتكم، ارجعوا لحضارتكم، لماذا أنتم خائفين؟ هل أنتم خائفون كما تدعون من مرحلة مابعد الأسد؟ أقول لهم مابعد الأسد سيكون كما قبل الأسد، حيث كنا سمفونية جميلة متآلفة. والسكوت على هذه الجريمة هو أبشع من الجريمة نفسها. ثم هناك من يأتي ويناقش ويبرر للنظام أفعاله، فأقول: الآن هناك موقفان: إما أن تكون مع القاتل أو مع المقتول، إما مع الظالم أو مع المظلوم، وأنا قررت أن أكون مع المظلوم وضد الظالم.
حاوره: فلاح آل ياس
حقوق النشر: قنطرة 2012
ولد الموسيقار السوري مالك جندلي في ألمانيا عام 1972 لعائلة ذات اهتمام وولع بالموسيقى الكلاسيكية. تلقى علوم الموسيقى في الرابعة من عمره، وكان أول حفل بيانو له على خشبة المسرح في سن الثامنة. بدأت مسيرته الفنية بعد نيله الجائزة الأولى في مسابقة الموسيقيين الشباب لعام 1988. حاز على العديد من الجوائز العالمية منها جائزة أفضل عازف من جامعة كوينز الأمريكية عام 1997. وهو أول مؤلف موسيقي عربي قام بتوزيع أقدم تدوين موسيقي في العالم، تم تسجيله برفقة الأوركسترا الفيلهارمونية الروسية ضمن ألبومه "أصداء من أوغاريت" لعام 2008. حصل على جائزة حرية التعبير لعام 2011 في مدينة لوس أنجلس لأغنيته "وطني أنا" و مواقفه المساندة للربيع العربي دفاعاً عن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان. في عام 2012 كرّم بجائزة الإبداع الثقافي في مدينة نيو يورك تقديراً لفنّه وجهده الذي أثرى ساحة الموسيقى العربية. يُقيم حالياً في مدينة أطلنطا وهو عضو في الجمعية الأمريكية للمؤلفيين الموسيقيين.