هل يزور البابا مكة؟

صورة من: Bild: Vatican Media/IPA/imago images - البابا فرانسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب في روما في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2012: "السلام والمحبة والأخوة". Papst Franziskus und Großscheich Al-Tayeb
البابا فرانسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب في روما في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2012: "السلام والمحبة والأخوة". صورة من: Bild: Vatican Media/IPA/imago images

هل يسافر البابا فرانسيس إلى الرياض أيضا وماذا تحقق زيارته إلى إندونيسيا وما أهمية صداقته مع شيخ الأزهر أحمد الطيب؟ الخبير الألماني في الشؤون الإسلامية فيليكس كورنر يجيب. حاوره الصحفي الألماني كريستوف شتراك لموقع قنطرة.

الكاتب، الكاتبة : Christoph Strack

قبل خمسة أعوام - وتحديدًا في الرابع من شباط/فبراير 2019 في أبو ظبي- وقَّع البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر بالقاهرة أحمد الطيب على "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك". ونَصَّ هذه الوثيقة المكوَّن من بضع صفحات فقط هو نصّ فريد ومنقطع النظير ضمن سلسلة الوثائق البابوية. وقد اعتُبِر اعتمادُ هذه الوثيقة عملًا مذهلًا على مستوى السياسة الدينية.

يُصنِّف باحث الدراسات الإسلامية واللاهوتي اليسوعي فيليكس كورنر في حواره مع موقع قنطرة هذه الوثيقة الصادرة في أبو ظبي والتطوُّرات اللاحقة لها ويضعها ضمن سياقها. وفيليكس كورنر أستاذ محاضر في المعهد المركزي للاهوت الكاثوليكي بجامعة هومبولت في برلين ويعتبر من أرفع خبراء الشؤون الإسلامية الكاثوليك وأكثرهم احترامًا.

 

الأب فيليكس كورنر، تبدو وثيقة أبو ظبي كرمز يرمز لنهج البابا فرانسيس تجاه المؤمنين المسلمين. فما هي أهميَّتها بالنسبة لبابويته؟

فيليكس كورنر: البابا فرانسيس يقوده الحنين. فهو يريد التغلب على الجدران. ويريد أن يجتمع الناس ويتفاهموا. وكلمته من أجل ذلك هي: الأُخُوَّة. وطريقه إلى ذلك هو: تكوين الصداقات.

وقد كان في مدينة بوينس آيرس صديقًا لعمر عبود، وهو شخصية إسلامية بارزة في الأرجنتين. ثم جاءت رحلته إلى الأراضي المقدَّسة في عام 2014. وقد ناشد حينها الإسرائيليين والفلسطينيين بنداء من أربع نقاط. والنقطة الأوَّلى هي: دعونا نحترم ونحبُّ بعضنا بعضًا كأخوات وإخوة. ولذلك كان لا بدّ في مرحلة ما من اتخاذ خطوة جديدة نحو الأسرة البشرية.

صورة من: Foto: picture-alliance/dpa/M. Al Hammadi - قام البابا (في الصورة على اليمين) في شهر شباط/فبراير 2019 بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة: ويظهر هنا في الصورة مع الشيخ أحمد الطيب (على اليسار) والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أمير دبي ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة.  Papst Franziskus mit Großscheich Ahmed al-Tayyeb und Scheichc Mohammad bi Rashid al Maktum Emir von Dubai
قام البابا (في الصورة على اليمين) في شهر شباط/فبراير 2019 بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة: ويظهر هنا في الصورة مع الشيخ أحمد الطيب (على اليسار) والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أمير دبي ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة. صورة من: Foto: picture-alliance/dpa/M. Al Hammadi

"الوثيقة هي لفتة"

ما الذي حدث في أبو ظبي أصلًا؟ الإمام الأكبر شيخ الأزهر في القاهرة ليس "بابا للمسلمين". فما هي إذًا أهمية هذه الوثيقة؟

فيليكس كورنر: بالضبط! مَنْ هو شيخ الأزهر أصلًا؟ هذا السؤال يطرحه عليَّ بعض المسلمين بلهجة ملؤها العتاب. وهل يعني توقيع البابا وثيقة معه أنَّ هذا الآخر أصبح بمثابة بابا للمسلمين؟ ولكن لا يوجد في الإسلام [بالنسبة للمسلمين] شخص بمرتبة الحبر الأعظم مثل البابا [بالنسبة للمسيحيين].

وربَّما يقول الكثير من علماء الفقه الإسلامي أيضًا: يجب ألَّا يكون موجودًا أيضًا. زعيمان روحيان يؤلِّفان إعلانًا مشتركًا - هذا التفكير كاثوليكي للغاية. وجود رجل واحد كوَجْه للأمة الإسلامية في كلّ العالم؟ التمثيل الشخصي بالنسبة لنا كمسيحيين أهم منه بالنسبة الإسلام.

ولكن أحمد الطيب في الواقع ليس مجرَّد أيِّ شخص أيضًا. فهو يدير شبكة تعليمية سُنِّية كبيرة جدًا. وكما يقول فهو يريد تجديد التعاليم الإسلامية. أحمد الطيب وفرانسيس متفاهمان جيِّدًا وقد نَمَت بينهما صداقة. ولكن مع ذلك فإنَّ هذه الوثيقة لا تمثِّل للمسلمين أو لنا نحن الكاثوليك توجيهًا في تعاليم الدين. بل هي لفتة.

هل التنوُّع من مشيئة الله؟

هل كان التوقيع قد أُعِدَّ له بشكل كافٍ؟ أو بعبارة أخرى: أنت كخبير هل نصحت البابا بهذه الخطوة قبل رحلته إلى أبو ظبي؟

فيليكس كورنر: لم يكن التوقيع بطبيعة الحال عفويًا! فقد قال لي شخص مقرَّب جدًا من البابا إنَّ النص انتقل قبل ذلك ذهابًا وإيابًا بين القاهرة وروما أربع عشرة مرة. وأُعيد صقله أربع عشرة مرة. وهل كنتُ أنا سأنصح البابا بتوقيعه؟ لو قُدِّر لي لكنت قد صغت بعض النقاط بصيغة مختلفة، فبعد ذلك كانت توجد احتجاجات وخاصةً من الجانب الكاثوليكي.

 

بماذا كانت تتعلق تلك الاحتجاجات؟

فيليكس كورنر: تقول الوثيقة إنَّ التنوُّع من مشيئة الله. وهذا جميل وجيِّد. ولكن عندما يُذكر بعد ذلك كلُّ ما هو مختلف بمشيئة الله فإنَّ الحديث لا يدور فقط حول لون البشرة واللغة بل هذا يعني أيضًا أنَّ اختلاف الأديان من مشيئة الله. وهنا يمكن أن يتساءل المرء بطبيعة الحال: أَليس مهمًا إذًا إن اخترت يسوع المسيح أو القرآن؟

ثم قال البابا فرنسيس في رحلة عودته إلى روما إنَّ هذا قد كان واضحًا في نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). وهو يقصد بذلك إقرار وثيقة "في عصرنا" Nostra aetate، أي إعلان المجمع الكاثوليكي حول موقف الكنيسة من الديانات غير المسيحية.

وقد رفضت في هذه الوثيقة جميع أشكال التمييز بين الناس بصرف النظر عن لون بشرتهم أو دينهم. وهذا صحيح - ولكن يبقى السؤال إن كانت جميع الأديان من مشيئة الله. وأنا أفهم ذلك بالنظر إلى تصريح الكنيسة التقليدي بأنَّ اللقاء بين شخصين من ديانتين مختلفتين يمكن أن يكون بمثابة تطهير وإثراء لكلا الديانتين. وهذا اللقاء بمشيئة الله.

"اتفاقيات إبراهيم "أبراهام" تتعلق بكسب المال"

أنت لديك اتصالات مع مسلمين في جميع أنحاء العالم. هل يوجد للوثيقة تأثير حقيقي وهل هي معروفة على نطاق واسع؟ لا سيما وأنَّ نصَّها بالذات يؤكِّد على أهمية التعليم والمعرفة من أجل الحوار والقبول المتبادل.

فيليكس كورنر: أجل، وحتى أنَّ النصَّ نفسه يدعو إلى استخدامه في التدريس. وقد قرأته مع طلاب مسلمين وكاثوليك وبروتستانت. وبصراحة الطلاب يجدون صعوبة في استيعاب لغة الترانيم في مثل هذه الوثائق.

فهذا يبدو بالنسبة لهم أيديولوجيًا تمامًا. ولكن مع ذلك فقد كانوا جميعهم أيضًا شبابًا يدرسون اللاهوت في ألمانيا. ويتعلمون في الجامعة تدقيق الصيغ الجميلة تدقيقًا نقديًا من منظور أيديولوجي. ثم أدَّى ذلك إلى خوض نقاشات تفصيلية.

وبإمكاننا أن نسأل دائمًا: كيف ستصيغونها أنتم يا ترى؟ وبماذا ستطالبون؟ ولهذا السبب فإنَّ وثيقة أبو ظبي هي أفضل نقطة انطلاق للقاءات المسيحية الإسلامية وخاصةً في الجامعات.

 

هل تعتقد أنَّ هذه الخطوة المتَّخذة من قِبَل ممثِّلين دينيين بارزين قد مهَّدت الطريق لإعلان اتفاق إبراهيم "أبراهام" في أيلول/سبتمبر 2020؟ هذا الإعلان يعتبر في الواقع إعلانًا سياسيًا للنوايا من الإسرائيليين ودولة الإمارات العربية المتحدة وقد انضمَّت إليه دول إسلامية أخرى ذات غالبة سُنِّية.

فيليكس كورنر: على حدِّ علمي وبقدر ما يمكنني التفسير فإنَّ اتفاقيات إبراهيم لا علاقة لها بالدين والتفاهم على الإطلاق. بل تتعلق بالتجارة وكسب المال.

صورة من: Foto: SJ-Bild C. Ender  - باحث الدراسات الإسلامية واللاهوتي اليسوعي فيليكس كورنر. Der Islamwissenschaftler und Jesuit Felix Körner
"في هذا الصدد لا يساعدنا سوى الشعور باحتياجات الناس ومخاوفهم على كلا الطرفين. وهذا هو المقصود عندما نقول إنَّنا أخوات وإخوة. والوثيقة تقول ذلك بوضوح: جميع البشر هم هذه الـ’نحن‘"، كما يقول باحث الدراسات الإسلامية واللاهوتي اليسوعي فيليكس كورنر. صورة من: Foto: SJ-Bild C. Ender

كيف تنظر إلى الوثيقة على خلفية أحداث السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 وإرهاب حركة حماس المتطرِّفة؟

فيليكس كورنر: طبعًا حركة حماس تُسمِّي نفسها إسلامية. وهي تتعمَّد إدخال الدين في اللعبة. وهي تُميِّز نفسها بذلك عن حركة فتح. ولكن ماذا يعني بالنسبة لها نصٌّ من البابا وشيخ الأزهر؟

لا أحد مِن منظرِّي حماس يستمع إلى مثل هذه الوثيقة. ولو عُرضت عليهم فمن المحتمل أن يقولوا: "هذه الوثيقة كتبها أشخاص نسونا؛ وربَّما حتى الأشخاص الذين خانونا".

ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الحلّ يكمن في الوثيقة وتاريخها. كيف يمكن أن تنتهي هذه الحرب؟ يجب علينا أن نحترم الآخرين كأخوات وإخوة.  

ويجب علينا أوَّلاً أن نراهم كبشر، كوجوه فردية ونسمع قصصهم! وبصيغة أوضح: لقد قال البابا في القدس عام 2014 الشيء الحاسم في ندائه الرباعي: "دعونا نتعلم كيف نفهم آلام الآخرين".

 

ماذا كانت النداءات الأخرى؟

فيليكس كورنر: كما قلت فقد دعانا البابا إلى احترام بعضنا بعضًا كإخوة وأخوات والاعتراف بآلام بعضنا وعدم إساءة استخدام اسم الله لتبرير العنف والتعاون من أجل العدالة والسلام. وفي هذه الدعوة توجد نظرة إلى المستقبل يمكنها حقًا أن تنتشر بين الناس ويمكنها حقًا أن تُغيِّر.

الشعور باحتياجات جميع الناس ومخاوفهم

ولكن من المعروف أنَّ أحمد الطيب مُتَّهم أيضًا بالتفكير المعادي للسامية. ولم ترِد منه إدانة واضحة للإرهاب حتى بعد المذبحة التي ارتكبتها حماس.

فيليكس كورنر: الناس يخلطون ولفترة طويلة جدًا بين أمرين، وهما: أن يكون المرء ضدَّ سياسات دولة إسرائيل وأن يكون ضدَّ اليهود. وهذا الخطأ الفادح يرتكبه الكثيرون في الشرق الأوسط وعلى نحو متزايد هنا في ألمانيا أيضًا. وفي هذا الصدد لا يساعدنا سوى الشعور باحتياجات الناس ومخاوفهم على كلا الطرفين. وهذا هو المقصود عندما نقول إنَّنا أخوات وإخوة. والوثيقة تقول ذلك بوضوح: جميع البشر هم هذه الـ"نحن".

 

البابا فرنسيس يسافر كثيرًا منذ فترة طويلة وخاصةً منذ عام 2019 إلى العالم الإسلامي. فهل تتوقَّع أيضًا زيارته المملكة العربية السعودية؟

فيليكس كورنر: هذا سيكون جميلًا. ولكن زيارة الرياض تبدو غير مطروحة في الوقت الحالي. والمشكلة الأولى هي أنَّ الدخول إلى مكة غير مسموح لغير المسلمين. فهل يجب تجنُّب ذلك؟ ناهيك عن أنَّني لا أرى حاليًا وجود أية صداقة خاصة بين فرانسيس وأي شريك في حوار هناك. ولكن من يعلم!.

 

البابا يريد السفر في صيف عام 2024 إلى إندونيسيا، إلى البلد الذي يوجد فيه أكبر عدد من السكَّان المسلمين في العالم. فما هي أهمية وثيقة أبوظبي بالنسبة لهذه الرحلة؟

فيليكس كورنر: هذه الوثيقة لا يمكن أن تصبح أساسًا للزيارة. إذ إنَّ الإندونيسيين يريدون أن يظهروا أنَّهم قادرون على فعل ذلك بأنفسهم. ولن يسمحوا لعالم من مصر بالحديث نيابة عنهم. ولكن (وثيقة) أبو ظبي 2019 تمثِّل بطبيعة الحال نموذجًا. وربَّما ستظهر بعد ذلك وثيقة جديدة - مثلًا "ميثاق يوجياكارتا".

 

 

حاوره: كريستوف شتراك

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar