المرأة الأفريقية وأنموذج الجمال في رواية "حارة المغنى"

رواية "حارة المغنى" رواية تاريخية لليلى أبو العلا - كاتبة سودانية مقيمة في إسكتلندا. Lyrics Alley - a Novel English edition  by Leila Aboulela (Autor) - Leila Aboulela was born in Cairo, grew up in Khartoum and moved in her mid-twenties to Aberdeen.
الرواية التاريخية "حارة المغنى" -التي صدرت في عام 2010 باللغة الإنجليزية- تدور أحداثها في مدن القاهرة والخرطوم وأم درمان خلال الخمسينيات من القرن الماضي. صورة من: Grove Press

تمييز بناءً على لون البشرة تتناوله رواية "حارة المغني" الصادرة بالإنجليزية للكاتبة السودانية المقيمة في أسكتلندا ليلى أبو العلا. أماني الصيفي تقرأ فيها علاقة اللون والملامح بالجغرافيا والطبقية وعلاقات الجندر في مجتمعات أفريقية حديثة، إضافةً للنظرة الغربية.

الكاتبة ، الكاتب: أماني الصيفي

في هذا المقال، نقدم قراءة لرواية "حارة المغني" للكاتبة السودانية الأصل والمقيمة في أسكتلندا، ليلى أبو العلا، التي تناولت رؤية مميزة للتمييز بناءً على لون البشرة. نقرأ في الرواية سردًا للون البشرة في سياق علاقة لون البشرة والملامح الأفريقية بترسيم الحدود الجغرافية والطبقية والعلاقات الجندرية في مجتمعات إفريقية حديثة، بالإضافة إلى هيمنة الثقافة الغربية الإمبريالية.

**********

الجمال والتمييز في المجتمعات العربية المعاصرة

تدور أحداث الرواية التاريخية "حارة المغنى"، التي صدرت في عام 2010 باللغة الإنجليزية، للروائية السودانية الاسكتلندية ليلى أبو العلا، في مدن القاهرة والخرطوم وأم درمان خلال الخمسينيات من القرن الماضي. تتناول الرواية بشكل معمّق تصوير المرأة الأفريقية الحديثة في سياق معاني ودلالات "معايير الجمال" ودور هذه المعايير في بناء العلاقات الاجتماعية في مؤسسات هامة مثل الزواج والأسرة، داخل المجتمعات العربية والأفريقية من ناحية وعلاقة تبني معايير الجمال الغربية بتحرير المرأة  الأفريقية والامبريالية  الغربية.

بعد مرور سبعين عاما على أحداث الرواية وأربعة عشر عاما على صدورها، لا يزال السرد في رواية "حارة المغنى" والذي يثير قضية التمييز على أساس اللون ومعايير الجمال في المجتمعات الأفريقية التي تحمل في طياتها عنصرية أوروبية واستبطان مجتمعات ما بعد الاستعمار لهذه المعايير الأوروبية التمييزية أهمية كبير، خصوصاً بعد أن حظيت مسألة التمييز على أساس اللون باهتمام متزايدة في سياق حركة "حياة السود مهمة". دعم هذا الاهتمام -بمسألة التمييز على أساس اللون وتنبني معايير جمال عنصرية- مستوى الوعي في المجتمعات العربية بقضية التمييز على أساس اللون وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية، وخاصة في سياق انتفاضات الربيع العربي والمطالب السياسية والاجتماعية التي نتجت عنها.

أول استبيان واسع حول العنصرية في العالم  العربي وعلاقتها بالجمال

في الواقع، وفقًا لأول استبيان شامل نُشرته بي بي سي عربية في عام 2022 حول العنصرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي نُشر في مقال بعنوان: "هل يعتقد العرب أن العنصرية تمثل مشكلة في بلادهم؟"، أجرت شبكة تتبع جامعة برينستون في الولايات المتحدة استطلاعًا لآراء 23 ألف شخص من الأردن ولبنان ومصر وتونس وموريتانيا والمغرب والسودان والعراق وليبيا والأراضي الفلسطينية. تم إجراء الاستطلاع بين نهاية عام 2021 وربيع عام 2022. يكشف هذا الاستطلاع بوضوح عن اعتراف بارز للآراء بوجود التمييز العنصري داخل الدول المشمولة في الاستبيان.

بين 37٪ إلى 67٪ في الدول الست التي تم استطلاعها، وهي المغرب والأردن وليبيا والسودان والعراق ولبنان، يعترفون بأن التمييز العنصري مشكلة، وحتى 80٪ من المواطنين التونسيين يعتقدون أن التمييز العنصري مشكلة، وهو الأعلى في المنطقة وبينما كانت تونس أول دولة عربية تقر قانونًا ضد التمييز ضد الأشخاص ذوي البشرة الداكنة في عام 2018  يعترف فقط 8٪ من المصريين بأن التمييز العنصري مشكلة، على الرغم من أن أكثر من 50٪ اعترفوا بأنهم لا يفضلون رؤية الأشخاص ذوي البشرة السوداء على التلفزيون. تكشف آراؤهم عن هذه الواقعية  في التوجهات المجتمعية المعاصرة تجاه الأشخاص ذوي البشرة الداكنة.

المجتمع المصري والصورة النمطية للجمال

يعترف معظم المصريين بأنهم ينظرون إلى الأشخاص ذوي البشرة الداكنة -الذين يتمتعون بسمات جسدية مرتبطة بالأصول الأفريقية، مثل الشعر المجعد أو المجعد، والأنوف العريضة، والشفاه السميكة- بأنهم غير جذابين. ومع ذلك يرفضون اعتبار بأن هذا الشعور ينبع من تمييز عنصري في مجتمعهم. وفي السياق الحالي يشير علماء الاجتماع إلى أن الاعتقاد بأن البشرة الداكنة لا تعتبر جذابة لا يعتبر بالضرورة تمييزًا عنصريًا، حيث يحذرون من الخلط بين التفضيلات الجمالية الثقافية والتمييز العرقي. في المجتمعات الأفريقية، على سبيل المثال يمكن اعتبار تفضيل البشرة الفاتحة والملامح الناعمة ظاهرة ثقافية بدلاً من  كونها تعبير عن تمييز عرقي.

 ومع ذلك تُفترض  العديد من المناقشات العلمية أن التمييز ضد فئة عرقية بأكملها على أساس الجمال يمثل تمييزًا عنصريًا، حيث تُعتبر التفضيلات الجمالية في هذه الحالة إشارات إلى التفوق الثقافي. وهنا تُظهر الدراسات الثقافية أن تقدير "البياض" في مختلف الثقافات غالبًا ما يرتبط بالرفاهية والثروة والتغريب، بغض النظر عن السياق الثقافي.

رواية "حارة المغنى" رواية تاريخية لليلى أبو العلا - كاتبة سودانية مقيمة في أسكتلندا. Lyrics Alley - a Novel English edition  by Leila Aboulela (Autor) - Leila Aboulela was born in Cairo, grew up in Khartoum and moved in her mid-twenties to Aberdeen. رواية "حارة المغنى" رواية تاريخية لليلى أبو العلا - كاتبة سودانية مقيمة في إسكتلندا. Lyrics Alley - a Novel English edition  by Leila Aboulela (Autor) - Leila Aboulela was born in Cairo, grew up in Khartoum and moved in her mid-twenties to Aberdeen OKOK
تتناول رواية "حارة المغنى" للكاتبة السودانية ليلى أبو العلا، المناخ الثقافي في الخمسينيات من القرن الماضي بطريقة مميزة. تستحضر الرواية صورة واضحة لتأثير "معايير الجمال" في بناء العلاقات الاجتماعية، وتسلط الضوء على دور الزواج والأسرة كمؤسسات رئيسية في المجتمعات العربية والأفريقية. صورة من: Verlag

الإعلام والجمال والمرأة المصرية

وفي كتابها "The Changing Consumer Cultures of Modern Egypt: Cairo's Urban Reshaping" (2006)، تسلط منى أباظة الضوء على الهوس بالبشرة الفاتحة في المجتمع المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي كان مرتبطًا بقيمة "سوق الزواج". تقدم أباظة أمثلة على قصص عائلية  تعكس هذا التوجه، مثل صبغ شعر البنات باللون الأشقر والحرص على جعلهن يبدون أكثر بياضًا، ليتناسبن مع صورة الجمال التي صورتها الأفلام والمسلسلات وخشيةً عليهن من التعرض للنكات الساخرة بسبب ملامحهن "القبيحة". 

وترى أباظة أن رواج موضة الشعر المجعد واستخدام الحناء، مثلاً، لا يمثلان عادةً عودة للهوية الأفريقية، ولكنهما يعكسان تأثرًا بالمظهر الأفريقي المتأصل في ثقافة الأفارقة الأمريكيين، مع العلم بأنها رمزا للغرب الحديث، وقد تم تبنيهما كموضة بين الطلاب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. ومع ذلك، لم يتم التخلي بالضرورة عن المعايير الغربية السائدة للجمال بين  طبقات المجتمع  المختلفة. 

في المجتمع المصري المعاصر، يواجه الفتياتِ ذوات البشرة الداكنة التنمرُ، حتى من الأصدقاء والآباء، حيث يتم دفعهن وتشجيعهن على استخدام منتجات تفتيح البشرة لتحقيق المعيار الاجتماعي للجمال. يهدفن إلى جذب الشريك المحتمل أو تحقيق انتمائهن إلى طبقة اجتماعية أعلى، حيث يفترض أن تكون المرأة بيضاء وبالتالي جميلة وناجحة. تم تعزيز هذه القيم والأفكار في أفلام السينما والمسلسلات، وأيضا في إعلانات منتجات تفتيح البشرة المشهورة في مصر، مثل" فير أندي لافلي "Fair and Lovely، والتي تروج للبشرة الفاتحة منذ عام 1975. قد أعيد تسمية العلامة التجارية لـ" جلو أندي لفلي "Glow and Lovely بعد حملات انتقاد واسعة للاسم الذي يحمل عنصرية واضحة تجاه البشرة غير البيضاء في الهند، وهي السوق الرئيسية للمنتج. 

تدعي الشركة أن منتجاتها توفر نتائج تفتيح مذهلة في مدة قصيرة تصل إلى ستة أسابيع، وتظهر الإعلانات لهذا المنتج التجميلي التطور المستمر نحو بشرة أكثر بياضا. وتقول الشركة إن تركيبتها الخاصة تسيطر بشكل آمن ولطيف على تشتت الميلانين في الجلد دون استخدام المواد الكيميائية الضارة المتواجدة في منتجات تفتيح البشرة الأخرى. يقال إن هذه المنتجات تعزز الاندماج الاجتماعي وتعزز الثقة بالنفس والنجاح. وفي بلد تتميز فيه الأغلبية ببشرة داكنة، يعتبر ترويج منتجات تفتيح البشرة مشكلة ويجب " تصحيحها "مثار أسئلة نادرا ما تناقش في الساحة الاجتماعية والثقافية المصرية. 

الجمال في رواية "حارة المغنى"

تتناول رواية "حارة المغنى" للكاتبة السودانية ليلى أبو العلا، المناخ الثقافي في الخمسينيات من القرن الماضي بطريقة مميزة. تستحضر الرواية صورة واضحة لتأثير "معايير الجمال" في بناء العلاقات الاجتماعية، وتسلط الضوء على دور الزواج والأسرة كمؤسسات رئيسية في المجتمعات العربية والأفريقية.

تتناول الرواية البطل السوداني محمود أبو زيد، الذي يتأثر بأسلوب الحياة الأوروبية الحديثة والعادات، ويسعى لتقليدها في حياته وفي منزله الذي يضم زوجتين. تمثل الزوجة الأولى، السودانية الأمية ذات البشرة الداكنة، الزمن الماضي والتقليد، بينما ترمز الزوجة الثانية، المصرية الشابة ذات البشرة الفاتحة، إلى العلم والتقدم.

وتصف الرواية كيف يعتبر أبو زيد زوجته السودانية بأنها "امرأة غبية" و"قبيحة وجهلة"، بينما يعتبر زوجته المصرية مصدر فخر وثقة يفتخر به أمام الناس. على سبيل المثال عندما التقى بمدير البنك الإنجليزي يشعر أبو زيد بالفخر لوجود زوجته المصرية بجانبه، ما يمنحه شعورًا بالرضا والاعتزاز. يقول  السارد: "كانت بجانبه مرتدية مجوهراتها …بشرتها الفاتحة المشرقة في حديقة مضاءة بالمصابيح... وكان راضيًا بأنهم  تركوا انطباعًا إيجابيًا". هنا يلمح السرد إلى أن نبيلة الجميلة الحديثة قد ظلت تحت هيمنة زوجها لتلبية توقعاته وتحقيق مطالبه، حيث تم اعتبارها مجرد ديكور يرفع مكانة الرجل الأفريقي لدى الرجل الأوروبي الأبيض. 

يقول السارد: "زوجته الجديدة، أصغر منه بكثير، ولكن هذا لم يكن غريبًا... أعطاها الكثير، ولم يكن يتوقع الكثير منها بالمقابل. كان يتوقع فقط أن تكون نفسها، تتحمل المنفى وتتفهم عائلته، وتزين قصره الجديد في أم درمان"، إلا أن نبيلة تدرك أهمية جمالها في هذا السياق الذي يقدر البشرة البيضاء وتستخدم جمالها وبشرتها الفاتحة ومستحضرات التجميل التي تستخدمها كاستراتيجية نسوية للهيمنة على من حولها من النساء السمراوات. فبشرتها البيضاء تضعها في مرتبة أعلى من الزوجة السودانية الأولى، حتى وإن كانت نبيلة زوجة ثانية لرجل أكبر سنًا منها بكثير.

Here you can access external content. Click to view.

الجمال والملامح الأفريقية والشعور بالخزي

ومن  ناحية أخرى، بينما ينقل السارد شعور نبيلة بالفخر ببشرتها البيضاء يصور كذلك الخجل المرتبط بملامح الجسد الأفريقية لابنها "فاروق". بشرة فاروق كانت أغمق من أمه وأخته، وشعره مجعد، وملامحه أفريقية أكثر. تربط الرواية هذه المشاعر بالخجل في السياق العام وتنميطه للجمال من خلال التعليقات التي تتلقاها نبيلة أثناء زيارتها للقاهرة حول ملامح ابنها. 

يقول السارد: "لا أفهم كيف يمكن أن تكون جميلة جدًا، والابن شيء مختلف! هل يمكن لمن بكل هذا الجمال أن يكون لها ابن بهذه البشرة الداكنة؟... كانت ترد قائلة، 'ابنتي جميلة، لا يمكنك انتقادها. الحمد لله لأن شعرها ليس خشنًا!'... كانت قلقة بشأن هذا باستمرار أثناء حملها". وبينما تهتم نبيلة ببشرتها الفاتحة وتضع المكياج باستمرار للحفاظ عليها -في هذا البلد الحار- تسعى ثريا الفتاة الجامعية الذكية والطموحة -ابنة أخ محمود والعروس المنتظرة في المنزل- أيضا إلى جعل بشرتها تبدو أفتح قليلاً لتكون أكثر جمالًا في عيون زوجها والآخرين، بناءً على نصائح النساء من الأقارب السودانيين.

رواية "حارة المغنى" رواية تاريخية لليلى أبو العلا - كاتبة سودانية مقيمة في أسكتلندا. Lyrics Alley - a Novel English edition  by Leila Aboulela (Autor) - Leila Aboulela was born in Cairo, grew up in Khartoum and moved in her mid-twenties to Aberdeen..jpg
تتناول رواية "حارة المغنى" البطل السوداني محمود أبو زيد، الذي يتأثر بأسلوب الحياة الأوروبية الحديثة والعادات، ويسعى لتقليدها في حياته وفي منزله الذي يضم زوجتين. تمثل الزوجة الأولى، السودانية الأمية ذات البشرة الداكنة، الزمن الماضي والتقليد، بينما ترمز الزوجة الثانية، المصرية الشابة ذات البشرة الفاتحة، إلى العلم والتقدم. صورة من: Grove Press

المرأة ومأزق الجمال في المجتمعات الإسلامية الحديثة

وربما من هنا يمكننا أن نشكك في النزعة الحداثية وتحرير المرأة في الطبقات المتعلمة والثرية كما تمثلت في شخصية نبيلة والنساء في المجتمع المسلم الحديث ما بعد الاستعمار. نبيلة، الحديثة المتحررة، لا تسعى بجد للحصول على بشرة فاتحة لإخفاء هويتها الإفريقية الحقيقية. فهي وُلدت وتعيش في مناخ حار يختلف عن المناخ الأوروبي، ولكن أيضًا لتلبية مفهوم الجمال عند الرجال.

ومن ناحية أخرى ومن منظور ما بعد الاستعمار يبدو أن السرد يصور استبطان المستعمر لآليات استعماره وتبنيه وعدم قدرته على التحرر من القيم الاستعمارية على اختلاف طبقاته. فالذي يقوم بالتمييز من نفس القارة، ويشترك مع من يتم تمييزهم في القيم العرقية والدينية. هذا التمييز -الذي له تاريخ طويل- مرتبط بالخطاب والسلطة التي امتلكها المحتل بأصوله البيضاء منذ العصر المملوكي ويتشابك مع العبودية وتاريخها لقرون من البلدان الأفريقية. 

وفي المجتمع الحديث ظل المستعمر السابق متطلعاً إلى اللحاق بالمستعمر ليس فقط من خلال اعتماد قيمه الغربية الحديثة بل أيضاً من خلال جعل الأفراد ذوي البشرة الفاتحة الجميلة -وخاصة النساء- جزءاً من ما يحدد هويتهم الأفريقية. وهنا ينشأ مأزق النساء الأفريقيات المسلمات في المجتمع الحديث، حيث يقعن بين خطابين قمعيين، أحدهما ديني "ثقافي" محافظ يجب عليهن من خلاله الالتزام بالمنزل "الحريم" للحفاظ على بشرة أقل سمرة "جميلة"، والآخر علماني يرفض الاعتراف بجمال غير أبيض فيستغل منتجات التجميل وتفتيح البشرة لتحقيق أرباح تجارية.

 

 

 

أماني الصيفي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar