سينما جنين....مؤشرات الحرب ومقدمات السلام

في هذا الحوار يتحدث فخري حمد، مدير سينما جنين، عن ميلاد هذه السينما والصعوبات التي رافقتها والصدى الإعلامي الكبير الذي رافق افتتاحها وكذلك الدور الألماني في دعم إنشائها. مهند حامد زار دار السينما وحاور مديرها حمد.

​​كيف بدأت فكرة إحياء سينما جنين؟

فخري حمد: الفكرة جاءت من خلال ماركوس فيلر الذي أخرج فلم "قلب جنين". عمل مدة أسبوعين في تل أبيب وجمع مواد أرشفيه من التلفزيون الإسرائيلي وبعد ذلك قرر أن يذهب إلى جنين على أساس أن الشخصية الرئيسية في الفلم من مدينة جنين "إسماعيل الخطيب"؛ ففوجئ أن الجميع ضد فكرة الذهاب إلى جنين لأنها مكان خطر ومن الممكن أن يقتل أو يختطف في المدينة. فهي مكان بنظرهم يحتضن الإرهاب الفلسطيني، ولكن عندما وصل إلى جنين ووجد أناسا يريدون الحياة والسعادة، فأحس بمسؤولية الإنسانية تجاه الموضوع. لماذا هؤلاء الناس مظلومون لهذه الدرجة ؟ فمالسؤولية دفعته إلى لتفكير. ما الذي يمكن أن يفعله لمدينة جنين؟ الصدفة شاءت أن يمر من أمام مبنى السينما ويكتشف أن هذه السينما مغلقه منذ 25 سنة ولما عاد إلى ألمانيا سأل أصدقاءه المقربين ماذا لو فكرت في أعادة افتتاح المبنى؟ هل يوجد أناس ستدعمني في هذا الاتجاه؟ كان الرد إيجابيا، لتبدأ الفكرة من هذه النقطة وبدأ العمل على إعادة إحياء السينما.

كيف تنظر لوجود سينما في مدينة جنين؟

حمد: بدأت الفكرة لاستفادة ذوي الدخل المحدود من الخدمات الترفيهية التي تقدمها السينما بأسعار محدودة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، ثم تحول لمشروع مدينة وأصبح مشروعا ضد الادعاءات التي ألصقت بأهل جنين بأنهم إرهابيون . أصبحت بالنسبة لنا مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لمحاربة هذه الدعاية وإعطاء وجه مغاير للمدينة، وفي الوقت نفسه المساعدة في إيجاد فرص عمل، وتبادل ثقافي ما بيننا وبين الشعوب الأخرى.

هل يشكل افتتاح سينما جنين بداية الانفتاح في المدينة؟

حمد: هذا ما نأمله. فالبداية بدأ العمل مع عدد بسيط من المتطوعين وصل ما بين 5-6 كنت أستضيفهم في بيتي شخصيا ولكن عندما أصبح العدد أكبر وصل 12 -16 متطوعا وأصبح من الصعب أن أستضيفهم في بيتي فاضطررنا لفتح بيت الضيافة في المدينة. في البداية كنت أسمع أناسا يتحدثون هذه ثقافة غربيه بدأت في احتلال المدينة من قبيل هذا الكلام. ولكن مع الوقت أصبح الناس يحسون أن هؤلاء المتطوعين الأجانب من كلا الجنسين يحترمون الثقافة الفلسطينية والعادات الفلسطينية بشكل كبير، فأصبحت هناك علاقات وصداقات مع الثقافة الألمانية تحديدا؛ لأنها كانت تشكل أغلبية الزوار والمتطوعين والثقافة الفلسطينية طالما تحافظ على هويتها وتراثها لا مانع من استقبال أي ثقافات أخرى. وبدأت سينما جنين تندرج بهذا الاتجاه أي أظهار الهوية الثقافية الفلسطينية والحفاظ على التراث وفي الوقت ذاته التعرف على الثقافات الأخرى وتطوير ثقافتنا .

ما المشاريع والبرامج الثقافية التي ستقدمونها من خلال السينما؟

حمد: في البداية قررنا أن يكون سعر تذكرة الدخول أقل من سعر أي تذكرة في العالم، حتى يكون بمقدور الجميع الحضور إلى السينما والتمتع بالعروض السينمائية والمسرحية.هذا الكلام تطلب منا وجود أشياء أخرى في محيط السينما تخدم دخل السينما لهذا السبب تقرر إنتاج أفلام وبدأت تتشكل نواة شركة إنتاج أفلام فلسطينيه وأسسنا أستوديو للترجمة والدبلجة وأقامة وحدة لتدريب الأطفال على كيفيه صناعة الفلم القصير .كما نقدم عروضا لأفلام ترفيهية تحمل رسالة معينه وتعلم الجمهور شيئا معينا وليس لمجرد الترفيه. واستضفنا لأول مرة في تاريخ جنين الثلاثي جبران الفرقة الفلسطينية ومجموعه من العروض الفنية الفلسطينية والغربية.

كيف تنظر إلى مسالة الاهتمام الدولي في إعادة افتتاح السينما؟

حمد: حقيقة فوجئنا بهذا الاهتمام العالمي وهذه التغطية الإعلامية الكبيرة. وفي تقديري يكمن هذا الاهتمام فيما كان يشاع ضد جنين وأهلها من عنف وإرهاب؛ فكانت الوكالات العالمية مهتمة لمعرفة كيف يمكن تأسيس مثل هذا النوع من النشاط الفني والثقافي المنحصر في رام الله ونابلس في مدينة جنين قبل غيرها من مدن الضفة الغربية الأخرى التي كانت حاضنة للإرهاب الفلسطيني وفق رؤيتهم. وافتتاح السينما جاء نتيجة فرض النظام والقانون وإنهاء كافة إشكال الفلتان في المدينة، وكانت هناك مبادرات عديدة لإعادة ترميم السينما ولكنها باءت في الفشل بسبب نقص الإمكانيات وصعوبة الوضع الأمني السابق للمدينة، فكان هذا دافعا لاهتمام عالمي في هذه السينما التي تحمل معها رسائل سياسية وثقافية بأن مدينة جنين تحتضن سينما وثقافة بشكل مغاير عما كانوا يسمعون من أعمال قتل وتدمير في المدينة.

هناك من وصف افتتاح سينما جنين بأنه بداية الانفراج السياسي وخصوصا أن المدينة كانت مركزا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هل تتفق مع هذه الرؤية؟

حمد: أعتقد أن ماركوس فيلر الألماني كان جل اهتمامه منصب على إيجاد منافذ مختلفة لتعززي السلام في المنطقة، فهو مهتم بأن يعيش الفلسطينيون حياة كريمة وسعيدة بعيدا عن الاحتلال. وبالنسبة له أيضا الإسرائيليون لهم الحق في الحياة بأمان واستقرار. ويعتقد أن فكرة إغلاق السينما كانت مؤشرا لبداية الحرب وإعادة افتتاحها مؤشر على انتهاء الحرب. ونأمل في الحصول على حقوقنا كفلسطينيين بعيدا عن العنف. وأنا أدفع بهذا الاتجاه بكل جهد وقوة لأننا بحاجة لجيل قادر على بناء فلسطين، فعملية البناء تتطلب أن يكون لدينا شباب واعون ومثقفون في كل المجالات لكي يبنوا هذه الدولة.

ما طبيعة الدور الألماني في إعادة افتتاح السينما؟

حمد: أنا أريد أن أطمئن الجميع بالنسبة لمشروع سينما جنين أننا لم نتلق أي أموال مشروطة ولم يكن هناك شروط مقابل الحصول على تمويل. في بداية المشروع لجانا لمؤسسات غير حكومية في فلسطين وكان الجواب مشروعا رائعا وعظيما ولكن لا نملك الميزانية لهذا المشروع. عندها شعرنا بصعوبة الوضع وبدأنا اتصالات على المستوى الخارجي ووصلنا لمؤسسة ألمانية اسمها "بيتر بليس. اورج" وبدأنا نجمع من خلالها التبرعات واستطعنا بالتعاون مع شركة المرح الموجودة في جنين بتغير سقف السينما المتهدم وتوقفنا لفترة طويلة عن العمل وخلال هذه الفترة تمكنا من الوصول لوزارة الخارجية الألمانية لمساعدتنا في هذا المشروع، حيث أبدوا اهتمامهم فيه، فسألونا ما المطلوب لتنفيذه وبكل بساطة أنا وماركوس بحكم بأننا لسنا خبراء في هذه المواضيع، فسألنا فني كهرباء وفني صوت عن التكاليف وتوصلنا لنتيجة أنه بمبلغ 172 ألف يورو يمكن أن نجهز السينما. سلمونا المبلغ، ففوجئنا عندما أتى خبراء وأناس مختصون أن كل ما حسبناه كان خاطئا لان هناك أنواعا خاصة من الإضاءة والصوت يجب أن تكون موجودة بالسينما.

ومع ذلك حافظنا على السينما من الوصول لأرقام خيالية في الميزانيات فاعتمدنا على التطوع وروح التعاون المشترك بين الجميع في تنفيذ المشروع. فالدور الألماني تمثل في عملية التمويل وكذلك الخبرات التقنية والفنية. وطبعا استفدنا من الخبرات الألمانية في تجهيز سينما حديثه جدا وأنظمة متطورة رائعة جدا وباعتقادي أنه المكان الوحيد في العالم الذي يمتلك هذه التقنيات ويعمل عن طريق الطاقة الشمسية. كما قمنا أيضا بحملة في الأراضي الفلسطينية واستطعنا أن نحصل على تمويل من بعض الشركات ورجال الإعمال الفلسطينيين.

ما مدى وعي واهتمام وتقبل الشارع المحلي لثقافة السينما؟

حمد: لا أستطيع القول بأن الشارع الفلسطيني تقبلها تماما، الناس يخافون من كل شيء جديد، فإذا كان هناك متنزه جديد فسترى جميع الناس ذاهبة إليه. لكن السينما بحد ذاتها شيء غامض بالنسبة لكثيرين وخصوصا مفهوم السينما في الشارع الفلسطيني لسبب أو لآخر ليس محترما جدا لأنهم لا يعرفون السينما الثقافية أصلا . فكان هناك تخوف ورهبة من السينما وما الذي ستبثه السينما وأنا أتوقع أن نسمع كثير من الآراء حول هذا الموضوع. وهناك فئة ليسوا مستعدين أيضا للإطلاع على إعمالنا بالرغم من أنه في حفل الافتتاح كان هناك أربعة أفلام سياسية من المعاناة الفلسطينية. باعتقادي أن الجمهور الفلسطيني سوف يتقبل الموضوع بعد فترة قصيرة ، وأيضا نعمل على أقامة أمسيات فنية وثقافية لكي يعلموا أنها ليست فقط سينما لعرض الأفلام وإنها أيضا لعرض أفلام ملتزمة وذات رسالة حضارية وتراثية .

مهند حامد
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

"مسرح الحرية" في مخيم جنين:
منصة للتعايش ومحطة لثقافة اللاعنف
على خطى والدته الإسرائيلية آرنا مرخميس التي حازت على جائزة نوبل البديلة لجهودها من أجل التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يدير الفنان الإسرائيلي جوليانو "مسرح الحرية" في مخيم جنين بمشاركة فنانين فلسطينيين وإسرائيليين وسويديين وبريطانيين. مهند حامد يعرفنا بقصة هذا المسرح وأهدافه الذي يشكل تجربة رائدة في المنطقة.

الفيلم الوثائقي "قلب جنين":
قلب ينبض من أجل السلام
يحاول فيلم "قلب جنين" للمخرج الألماني ماركوس آتيلا فيتر و الذي بدأ عرضه في بعض دور السينما الألمانية تجاوز حدود الصراع السياسي الفلسطيني الإسرائيلي ليقدم قصة إنسانية يعز نظيرها في ظل صراع مثقل بالآلام والجراح. هذا الفيلم يصور مأساة طفل فلسطيني قتل برصاص الجنود الإسرائيليين ورغم ذلك يتبرع والد الطفل بأعضاء ابنه أحمد إلى أطفال إسرائيليين. رشا الخياط تعرفنا بالفيلم.

فيلم" الجنة الآن" للمخرج هاني ابو اسعد:
قصة شابين يقومان بعملية انتحارية
هاني أبو أسد عرض في مهرجان برلين السينمائي مؤخرا فيلم" الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد، وهو أول فيلم يتحدث عن الإنتحار وفلسفته في العمل السياسي. إيغال أفيدان اجرى حوارا مع المخرج