الغريب (المألوف) في المرآة
إنّ الصدمة التي يشعر بها أندرس، حين يستيقظ ذات صباح ليجد بشرته البيضاء وقد تحولت إلى بشرة داكنة، عميقة. وبينما يشعر بالقلق وعدم الاستقرار، يتفحّص أندرس جسده، ويتأمل بذهول انعكاس وجهه في المرآة، ويدرك كيف أصبح فجأة غريباً على نفسه الآن بعد أن أصبحت بشرته داكنة وأصبح هو شخصاً مختلفاً.
تتناوب مشاعر العار والغضب والحزن مدربَ الرياضة الشاب. وبسبب خوفه من الخروج من المنزل في الأيام القليلة الأولى، يتصل بالعمل طالباً إجازة مرضية، ويأكل أي طعام لديه في المنزل ويريد أن "يصدّق أنه بطريقة ما سيتغير، أو سيتم إصلاحه". وحين يخرج أخيراً من المنزل، يشعر بأنه "مهدّد إلى حدٍّ ما" وهو يتجول في المدينة.
ينظر الناس إليه بشكل مختلف، لكنه يشعر أيضاً أنه يعتاد ببطء على بشرته الداكنة وأنّ التحول قد أدى إلى عملية داخلية ليكون "كما كان، هو ذاته" لكن بطريقة جديدة غريبة. ولأول مرة، يرى نفسه عبر عيون الناس الآخرين ويستطيع تخيّل كيفية شعور الشخص حين يكون داكن البشرة بين الأشخاص البيض.
سيناريو قمعي
يتعامل حميد مع تجربته بلباقة. ويصف في جمل متدفقة وطويلة، تصل في بعض الأحيان إلى 20 سطراً، المواجهات والأحداث اليومية في حياة أبطاله في بلدة تعيش حالة اضطراب، بينما يجد عدد متزايد من السكان أنّ لون بشرتهم قد تغير. وأندرس محظوظ لأنّ صديقته أونا تحب بشرته الداكنة، وترى فيها فوائد جمالية ونفسية.
وبوصفها مدربة يوغا، فهي منفتحة بالفعل على تحديات إنسانية جديدة: إذ "سمح لها ذلك برؤية داخل أندرس بشكل أكثر وضوحاً، وأياً كان، فقد كانت سعيدة بالتواجد هناك معه، سعيدة وإنسانية، وحاجتها ليست ميكانيكية وليست آلية، بل عضوية وأكثر تعقيداً، وأكثر خصوبة كذلك".
أما والد أندرس، مثل والدة أونا، فيتمثّل رد فعله في عدم الفهم والصدمة والرفض للطفرات الجماعية التي لا يمكن تفسيرها والتي تحدث من حولهم.
وبالنسبة للعديد من سكان المدينة، يبدو أنهم لا يتحمّلون اضطرارهم للتخلي عن لون بشرتهم البيضاء. ينتحر الناس؛ وهناك اضطرابات؛ كما يهاجم البيض بعنف الأشخاص أصحاب البشرة الداكنة.
ولوهلة يبدو أنّ الحبكة تتجه نحو وضع يشبه الحرب الأهلية. ويفكّر القارئُ تلقائياً برواية "العمى" لجوزيه ساراماغو، وفيها يمثّل فقدان البصر الطفرةَ التي تؤثّر على الشخصيات فيها.
ومن ناحية أخرى، لا يتطلّع حميد في المقام الأول إلى خلق سيناريو قمعي، على الرغم من أنّ الكثير من التوتر في الرواية، والذي يتضاءل مع تقدم الرواية، يأتي من تصعيد هذه النزاعات.
وبدلاً من ذلك، يركّز على الجانب الإنساني. يتعلق الأمر بالأشياء التي تحدث في العلاقات الشخصية، والتي يلتقطها الراوي بدقة لا تُصدّق وحساسية نفسية دقيقة.
وحقيقة أنّ حميد يقتصر في أبطاله على (أندرس وأونا) والطريقة التي يتعاملون بها شخصياً مع التحدي غير المألوف الذي يواجهونه، يعني أنه ليس هناك حبكة مهمة.
كما أنّ الرواية تكاد تفتقر إلى الحوار. ومع ذلك، فالطريقة التي يسرد بها ما تشكّل، إلى حدٍّ ما، حدثاً صادماً (المتمثّل في تغيير لون البشرة) لكل فرد، وتجعل القصة تبدو صادقة وشبه واقعية، على الرغم من استنادها إلى افتراض خيالي.
قصة قابلة للتصديق
تدفعنا ردود الفعل المختلفة للأشخاص في الرواية بالتزامن مع الأحداث التي تجري داخل العائلات (بما في ذلك وفاة الأشقاء والآباء) إلى تصديق قصّة المؤلف لنعتبر في النهاية أنه من الطبيعي تحوّل البيض في جميع أنحاء المدينة إلى بشرة داكنة.
وفي بعض الأحيان، تبدو نبرة النص شعرية. يبدو أنّ أسلوب السرد الانعكاسي والملاحظات والأوصاف في الرواية تتماشى مع عملية التحول التي تصفها.
حين يتغير لون بشرة أونا في يوم ما أيضاً، فإنّها ترى ذلك على أنه تساقط للجلد يؤثّر على كيانها بالكامل. بالنسبة إلى أونا، يبدو الأمر كما لو أنّ عبئاً ثقيلاً رُفِع عن عاتقها. ترى في المرآة "شخصاً غريباً، لكنه غريب تماماً للحظة واحدة فحسب، عجيب، ذلك الفم، تلك العيون، ومن ثم الغريب الذي التقته أونا، أصبح مألوفاً".
مع رواية "الرجل الأبيض الأخير"، ابتكر حميد عملاً خيالياً يتناول بوضوح وبأصالة مواضيع الساعة مثل التنوّع والعنصرية اليومية والانتماء إلى مجموعة.
إنها تحفة أدبية رائعة.
فولكر كامينسكي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023