التكلفة القيمية للتطبيع مع نظام الأسد

تُظهر جميع المؤشرات أن الرئيس بشار الأسد تمكّن من الصمود في مواجهة الحرب الأهلية في سوريا. ولكن بدلًا من محاسبته هو ومساعديه على الفظائع التي ارتُكبت خلال النزاع، يحتفظون بمواقعهم على رأس السلطة.
ولكن، لا شك في أن سوريا لا تزال معزولة، فقد أُحبِطت مؤخرًا عودتها المتوقعة بشدّة إلى جامعة الدول العربية، كما تبقى البلاد خاضعة لمنظومة عقوبات قاسية بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن يبدو أن التطبيع انطلق على قدم وساق، على الرغم من أن اكتماله لا يزال بعيدًا، إذ جدّد الأسد انخراطه الدبلوماسي، واستأنف التجارة الاقتصادية مع بعض الدول.
وأعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين افتتاح سفارتَيهما في دمشق؛ وجميع الدول العربية ما عدا قطر لديها إما علاقات كاملة على مستوى السفارات مع الحكومة السورية أو خطوط تواصل مباشرة معها. علاوةً على ذلك، أبدت تركيا مؤخرًا استعدادها للتحدث مع نظام الأسد.
أما الغرب – الذي أنهكته الحرب ويفتقر إلى بدائل عملية في السياسات فيبدو أنه قد أذعن لحتمية بقاء نظام الأسد. وقد منحت هذه التطورات صك براءة لسياسة "ركوب العاصفة" التي انتهجها النظام السوري إلى أن توصّلت دول المنطقة إلى استنتاج مفاده أن النظام في دمشق وُجِد ليبقى.

تزعم الحجج المؤيّدة للتطبيع أنّه يساهم في بسط الاستقرار داخل سوريا، وضبط سلوك البلاد على الساحة الدولية، والتصدّي للنفوذ الإيراني والروسي.
فضلًا عن ذلك، قال البعض إن إعادة الإدماج الاقتصادي ستؤدّي إلى تراجع أعداد المدنيين السوريين الذين يعانون من التداعيات الاقتصادية والإنسانية للعقوبات.
لا يمكن الجزم بعد في هذا الصدد، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن التكلفة الأكبر للتطبيع قد تكون الضرر الذي سيلحق بشرعية المجتمع الدولي طالما أن المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والاستخدام الممنهج للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وما يُزعَم عن تعذيب للمعتقلين، لم يخضعوا للمساءلة.
من شأن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب في أوكرانيا أن يكون لها تداعيات ليس فقط على الشرق الأوسط ولكن أيضا غالب الظن أن التطورات في سوريا ستخفض التوقعات بإمكانية تحقيق العدالة في القضية الأوكرانية، إذ يطالب خبراء قانونيون دوليون بمحاسبة الحكومة الروسية على جرائم حرب محتملة في أوكرانيا، ويدعو بعضهم إلى إنشاء محكمة للنظر في جريمة العدوان.
وبينما يُنظَر في هذه المطالبات، من المهم ألا تبقى محنة السوريين من دون معالجة. يوجّه نشطاء سوريون نداءات مماثلة منذ نحو عقد من الزمن، ولكن الاصطدام بحائط مسدود في مجلس الأمن دفع بعدد كبير من المدافعين عن حقوق الإنسان إلى تحويل أنظارهم نحو إمكانية محاكمة المرتكبين السوريين في محاكم أوروبية من خلال مبدأ الاختصاص العالمي.
إذا قرر المجتمع الدولي أن يتخلى حتى عن هذه المحاولات المتفرقة لإحقاق العدالة فسيوجّه ذلك للعالم رسالة مفادها أن الانتهاكات الفادحة للقانون الدولي ستمرّ من دون عقاب.
علاوةً على ذلك، سيعتبر كثرٌ في الشرق الأوسط، لدى رؤيتهم الحماسة لمعاقبة بوتين فيما يُعاد تأهيل نظام الأسد، أن ازدواجية المعايير تحكم المقارَبتَين الأميركية والأوروبية للقانون الإنساني.

التطبيع العشوائي مع الأسد -من دون الدفع باتجاه تطبيق آليات المحاسبة والعدالة- لن يؤدّي إلا إلى تفاقم الاتجاهات المقلقة، مثل ترسيخ نسخة من استقرار النظم السلطوية تعود إلى ما قبل الربيع العربي. وحتى في ظل غياب التطبيع فإن احتمال إحقاق العدالة للسوريين بعد انتهاء الصراع أمر غير مؤكّد، في ضوء توازن القوى الحالي.
ولكن تبيّن أن إعطاء الأولوية لهدف الاستقرار الضيّق وغير الواضح على حساب العدالة لم يؤمّن لا الاستقرار ولا العدالة في المناطق الأخرى التي شهدت نزاعات. غالب الظن أن سوريا لن تكون استثناء، ولا شك في أن هذه القضيّة ستؤثّر في حسابات المنتهكين المحتملين لحقوق الإنسان في كل مكان.
حقوق النشر والترجمة: مؤسسة كارنيغي 2022
بورجو أوزجيليك زميلة أبحاث لدى مؤسسة هينري جاكسون للأبحاث، ومحاضِرة منتسبة في جامعة كامبريدج. محرِّرة كتاب (سياسات الأعراق والعنصرية في الشرق الأوسط) (روتلدج، 2022). لمتابعتها عبر تويتر: @BurcuAOzcelik.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.