منتفضون لهم قضيتهم في تونس
كل شيء بدأ في الثالث والعشرين من أبريل/نيسان 2017، عندما نظم 1200 محتج من ولاية تطاوين في الجنوب التونسي اعتصاماً في أكبر حقول البلاد النفطية بالصحراء الكبرى. هذا بدوره قاد إلى حملة عصيان مدني في مدينة تطاوين، خرج فيها رجال ونساء وشباب عاطلون عن العمل لنصرة المحتجين في منطقة الكامور، التي تبعد 120 كيلومتراً عن المدينة. هذه المنطقة تقع بالقرب من منطقة عسكرية تونسية، وهي تضم أيضاً شركات دولية للتنقيب عن البترول، مثل شركتي "أو إم في" النمساوية و"وينستار" الكندية.
الاختيار الاستراتيجي لمنطقة الكامور يعكس حالة الاستياء الكبيرة لجيل التونسيين المهمشين في المنطقة، ذلك أن فشل الحكومة المركزية في توزيع الثروات المشتقة من موارد تونس الطبيعية بشكل عادل كان أحد عوامل تغذية حالة الاحتقان المحلية منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1956.
وفي وضع يشبه الاعتصام قرب خط نقل المياه في ولاية داكوتا الأمريكية، أقام معتصمو تطاوين خياماً وزينوا الكثبان الرملية المحيطة بالأعلام التونسية، ومن ثم أنشأوا هيئة توجيهية للاعتصام تتولى أمور الرقابة والعمليات اللوجستية (وذلك يشمل توفير الغذاء والماء) والعمل على مرور الاعتصام بسلاسة خشية من تسلل "بعض العناصر المتطرفة".
ديمقراطية عبر الاحتجاج
الاحتجاجات الاجتماعية كوسيلة لإحداث التغيير كانت من اختصاص المواطنين التونسيين منذ عام 2011. فبعد انتخابات عام 2014 و"زواج المصلحة" بين حزب النهضة الإسلامي ونداء تونس "العلماني"، عادت الشمولية للزحف مجدداً على المستوى السيادي في الدولة. هذا الائتلاف هو الذي أنتج وثيقة المصالحة الاقتصادية المثيرة للجدل، التي طرحها البرلمان التونسي عام 2015، ومن ثم عدّلها لاحقاً ليضمن إقرارها. هذا الأمر أدى إلى حالة غضب واسع في الشارع، الذي اعتبرها خطوة قامت بها النخب السياسية لتطبيع الفساد.
أما المناطق الفقيرة في الأنحاء النائية من البلاد فقد أصبحت أرضاً خصبة للاحتجاجات، بدءاً من إغلاق مناجم قفصة، وصولاً إلى التجربة الاجتماعية في جمنة والصراع على الأراضي هناك. وبالتالي فإنها ليست مصادفةً، إذاً، أن يسير محتجو الكامور على خطى مثال جمنة في محاولتهم كي يكونوا أكثر تنظيماً وأقل تسييساً ويقطعوا فرصة سرقة قضيتهم على يد الأحزاب السياسية. وفي وجه حكومة ترفض أن تترك نفسها ضحية "لابتزاز مخربين يسعون لعرقلة الاقتصاد ونشر الفوضى"، فإن تحول الاحتجاجات نحو التطرف يبدو أمراً حتمياً.
بدأت هذه الأزمة في الثالث من أبريل، عندما أقيل 24 موظفاً من شركة "وينستار". على إثر ذلك، تم تنظيم إضراب عام لموظفي شركات النفط في تطاوين بعدما رفضت الشركة إعادة توظيف الموظفين المفصولين. بدوره، قاد ذلك إلى تنظيم نحو 60 شاباً عاطلاً عن العمل لاعتصام في مدينة تطاوين، وإغلاق الطريق المؤدي إلى حقول النفط.
من بين أهم مطالب المعتصمين كانت تخصيص 20 في المائة من عائدات إنتاج النفط والغاز لولاية تطاوين، بالإضافة إلى إنشاء صندوق للتنمية المحلية برأس مال قدره 100 مليون دينار تونسي (حوالي 40 مليون دولار) وإقرار قانون "تمييز إيجابي" بحق سكان الولاية فيما يتعلق بالوظائف في شركات النفط والغاز العاملة بها، وأخيراً إعادة التفاوض حول عقود التنقيب عن الغاز والنفط مع الشركات الأجنبية ونقل المقرات الإدارية لتلك الشركات إلى تطاوين.
أما فيما يتعلق بعقود التنقيب المبرمة مع الشركات الأجنبية، فقد انتقد المحتجون الحكومة لانعدام الشفافية في هذا الشأن، ما أدخلهم في شد وجذب مع السلطات. لقد كانت هذه خطوة جريئة رأى فيها بعض الساسة والإعلاميين تصعيداً خطيراً، خاصة بالنظر إلى تعثر الاقتصاد التونسي والتهديدات الإرهابية المستمرة.
لكن محتجي الكامور ليسوا مستعدين لأن يهجروا "مطالبهم الشرعية في الكرامة والمساواة". ففي السابع والعشرين من أبريل/نيسان 2017، زار رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد تطاوين برفقة وزير التشغيل والتكوين المهني، عماد الهمامي، ووعد بإقرار إجراءات للتنمية المحلية يقدر عددها بـ64 إجراءً، بينها خلق 350 وظيفة في شركات البترول واستبدال والي تطاوين. هذه الإجراءات قوبلت بالرفض. في وجه ذلك، ألقى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي خطاباً متلفزاً في العاشر من مايو، أعلن فيه الدفع بالقوات المسلحة التونسية لتأمين حقول النفط، مع التأكيد على أنه يتفهم الحق الدستوري للمحتجين بالاحتجاج.
هذا التغير في نبرة الحكومة -من "محاولة استمالة المحتجين" بعروض هزيلة وغير كافية إلى "التصعيد العسكري"- أرسل رسائل صادمة حيّرت المواطنين التونسيين في طول البلاد وعرضها. لا أحد يعرف الآن موقف السبسي من الاحتجاجات، بينما ينظر المحتجون وساسة المعارضة إلى الدفع بالجيش على أنها تهديد مبطن لإعادة الأمن والقانون. والأكثر من ذلك، أن هذه الخطوة عززت من انعدام ثقة محتجي الكامور بالحكومة المركزية.
هدى مزيودات
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017