تاريخ الصراع لم يبدأ في السابع من أكتوبر

A group stands in front of a concrete wall. Colourful portraits of Israeli hostages can be seen on the wall.
لا يمكن أن يتحقق الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين إلا بإنهاء الاحتلال، كما يقول كريم الجوهري. (Photo: Picture Alliance/Newsroom | J. Hollander)

بعد عامين من هجوم السابع من أكتوبر، أصبح إجراء تحليل صادق أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، لكن هذا التحليل لن ينجح إلا إذا اخترنا نقطة الانطلاق الصحيحة – التي تعود إلى تاريخ أقدم وهو احتلال الأراضي الفلسطينية.

رأي: كريم الجوهري

كل تحقيق له نقطة بداية؛ أحيانًا تكون هذه النقطة غير واضحة ويجب على المرء أن يقرر من أين يبدأ. نقطة البداية تشكل وجهة نظرنا وتحدد الاستنتاجات التي نتوصل إليها، لنأخذ على سبيل المثال يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يوم مذبحة حماس في جنوب إسرائيل. وصفت وزيرة الخارجية الألمانية آنذاك، أنالينا باربوك، هذا اليوم الدموي بأنه "نقطة تحول لإسرائيل، لبلدنا، للعالم".

كما كتبت الوكالة الفيدرالية للتربية المدنية، "يصف المجتمع اليهودي هذا اليوم بأنه ’نقطة تحول‘ غيرت الحياة بشكل جذري، يبدأ الكثيرون رواياتهم بالذكريات عن هذا اليوم الذي يمثل بالنسبة لهم بداية تاريخية أو نقطة تحول في تاريخهم".

نقطة تحول، انقطاع، بل وبداية التاريخ – نقطة يُقيَّم منها كل ما يحدث بعدها.

من وجهة النظر الفلسطينية، على العكس من ذلك، لم يكن السابع من أكتوبر بداية معزولة، بل هو نتيجة لسلسلة طويلة من المظالم التي لحقت بهم. يضع الفلسطينيون هذا اليوم في سياقه؛ على سبيل المثال، تؤكد الأكاديمية يارا حواري، أنه لفهم أحداث 7 أكتوبر، يجب أولاً فهم عقود من الاحتلال الإسرائيلي و"الاستعمار الاستيطاني" والحصار الوحشي طويل الأمد على قطاع غزة – حصار حوّل المنطقة إلى سجن مفتوح.

وتسألت نورا عريقات، إحدى الأصوات الأكثر لباقة بين جيل الشباب الفلسطيني في الولايات المتحدة: "ماذا كنتم تتوقعون أن يفعل شعب يعيش تحت الاحتلال منذ 56 عامًا ويتعرّض لحصار خانق منذ 17 عامًت؟"، وتقول إن "الاستعمار العنصري"، كما تسميه، هو الذي يؤدي إلى هذا النوع من العنف.   

برنامج هائل للتطرف

في صراع الشرق الأوسط، يقف اليوم طرفان مصدومان في مواجهة بعضهما البعض، والمنظور الذي ننظر من خلاله يحدد نقطة البداية للنظر في الأمر. في حالة الصدمة، لا توجد نقطة بداية صحيحة أو خاطئة – ولكن في حالة التحليل، هناك نقطة بداية صحيحة وأخرى خاطئة؛ لأنها توجهنا أيضًا في البحث عن الحلول. 

إذا حددنا نقطة بداية خاطئة، فإن حلولنا المفترضة قد لا تكون حلولًا على الإطلاق. إذا نظرنا إلى 7 أكتوبر/تشرين الأول، على أنه حدث منفصل أو حتى بداية القصة، فإن الاستنتاج هو: ما عليك سوى القضاء على حماس، وعندها سيعود العالم إلى طبيعته.

هذا هو بالضبط ما يروج له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويصفه بأنه هدف حربه، كما أنه يروج الآن لنزع سلاح حماس، وهي إحدى نقاط خطة ترامب الأخيرة لغزة، على أنه بهدف القضاء على المنظمة ومن ثم إعلان النصر.

وعند تلك النقطة يلوح سؤالان في الأفق: هل الهدف المعلن واقعي؟ وثانيًا: إذا جرى تحقيق الهدف بالفعل، فهل سيتم حل المشكلة حقًا؟ سأجيب على كلا السؤالين بالنفي.

منذ عامين، يُدمر الجيش الإسرائيلي، أجزاء واسعة من قطاع غزة، ويُُشرّد مئات الآلاف من السكان، بل ويستخدم الجوع كسلاح، لكن على الرغم من تفوقه العسكري، لم يتمكن من القضاء على حماس.

بل على العكس: ما نشهده في غزة هو برنامج هائل لتطرف الفلسطينيين؛ كيف سيكون الموقف السياسي لطفل يتم إنقاذه من تحت الأنقاض بعد هجوم إسرائيلي دُفن والديه تحتها؟ الحل العسكري ليس حلاً مستدامًا.

العصيان المدني لم يحقق شيئًا

إذا نظرنا إلى التاريخ كعملية مستمرة، حيث كل قرار وكل فعل وحتى كل حدث مفاجئ ينشأ عن الظروف التي سبقته، فإننا نستخلص من السابع من أكتوبر استنتاجات مختلفة تمامًا تؤدي إلى حلول متباينة.

عندئذٍ يصبح الاحتلال الإسرائيلي في قلب المشكلة؛ حتى بعد انسحاب المستوطنين الإسرائيليين والجيش في عام 2005، لا يزال قطاع غزة يعتبر منطقة محتلة، لأن إسرائيل تسيطر على الحدود البرية والبحرية وكذلك المجال الجوي. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في لاهاي، في تقريرها الاستشاري، هذا الرأي العام الماضي.

إن فكرة الاحتلال الإسرائيلي السلمي الذي لا يقاومه المحتلون هي تناقض في حد ذاتها. صحيح أن المحتلين يمكنهم المقاومة من خلال العصيان المدني، لكن التجربة الفلسطينية تقول: لا أحد يستمع عندما يربط مزارع في الضفة الغربية نفسه بشجرة الزيتون الخاصة به حتى لا يتم الاستيلاء على أرضه.

على مرّ التاريخ، لم يحظ الفلسطينيون، بالاهتمام إلا عندما لجأوا إلى الأساليب العسكرية والإرهابية: الهجمات على الألعاب الأولمبية واختطاف الطائرات في السبعينيات؛ هجمات حماس على الحافلات في إسرائيل في التسعينيات؛ صواريخ حماس قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

قد تكون مثل هذه الهجمات الوحشية على المدنيين خارجة عن فهمنا، ولكن هناك فرق بين الفهم والإدراك. يجب أن نحاول فهم المنطق الكامن وراء هذه الهجمات، لأنه ما لم نفهم هذا المنطق، لا يمكننا أن نتوقع تغييرًا دائمًا.

ذيل اتفاقيات إبراهام الطويل

كما أن هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرى التخطيط له في وقت كان فيه مصير الفلسطينيين منسيًا إلى حد كبير. لم يعد الوضع الراهن للاحتلال الذي يعيشونه يوميًا موضوعًا مهمًا في وسائل الإعلام العالمية أو حتى في إسرائيل.

حتى بعض الدول العربية، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بمبادرة من ترامب في اتفاقيات أبراهام عام 2020، كما جرى الاتفاق على إنشاء منطقة تجارة حرة وإعفاء من تأشيرات الدخول. 

لم يكن للاحتلال والفلسطينيين أي أهمية تذكر في هذا السياق. لم يعد أحد يتحدث عنهم – حتى عادوا إلى صدارة الأجندة الدولية في السابع من أكتوبر. ويجب فهم هذا الآلية أيضًا من منظور إعلامي، أي على خلفية السؤال: من أي نقطة نبدأ في إدراك الصراع – أو ما يسميه الفلسطينيون: الظلم.

إنهاء الاحتلال هو الحل

ولكن لنعد إلى مسألة نقطة البداية. إذا نظرنا إلى الاحتلال الإسرائيلي كسياق لأحداث 7 أكتوبر، فإننا نفهم أن حماس هي نتاج مباشر لهذه الظروف. لم تولد حماس في فراغ، بل هي جزء من النزعة العسكرية الفلسطينية التي نشأت في ظل الاحتلال.

إذا لم تكن هناك آفاق سياسية للفلسطينيين، فستكون هناك دائمًا ردود فعل مسلحة على الاحتلال. طالما استمر الاحتلال، ستتشكل المقاومة. حتى لو لم تعد حماس موجودة، فستواصل منظمة أخرى، لا نعرف اسمها بعد، مسارها.

وفي غضون ذلك، تدمر الصدمة عقول الطرفين – المحتلين والمحتَلين؛ وهذا يعيق الرؤية ويؤدي إلى الكثير من المعاناة، ولكنه لا يؤدي إلى أي حل.

لخص الصحافي في صحيفة هآرتس، جدعون ليفي، كل ذلك في جملة واحدة: "لا يوجد صراع إسرائيلي-فلسطيني في الشرق الأوسط، هناك فقط احتلال إسرائيلي وحشي يجب إنهاؤه".

قنطرة ©