عمران خان ˗ أمل الباكستانيين القادم؟
تسعون يوما فقط، هي المهلة التي وضعها عمران خان من أجل القضاء على الفساد في باكستان. ولو كان الأمر بيده لفرض على جميع السياسيين أن يفصحوا الآن عن ثرواتهم أمام الجميع وإذا ما تولى رئاسة الحكومة فسيكون التواضع والشفافية أهم نقاط العمل فيها. ولم يتوقف نجم الكريكيت السابق عند هذا الحد، بل أبدى رأيه بوضوح حول المشاكل الأخرى للبلاد، من قبيل الهجمات الإرهابية والتطرف، حيث يرى بأنه لا يمكن القضاء على هذا الأمر إلا بإنهاء التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن هجمات الطائرات بدون طيار والعمليات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة على الحدود الباكستانية الأفغانية تعزز الإقبال على الإنضمام للجماعات المسلحة. ويرى عمران خان بأن ما يجري هو بيع للسيادة الباكستانية مقابل المساعدات المالية الأمريكية. هذه الحلول السهلة التي يقدمها عمران خان تجد آذانا صاغية، فقد ازدادت خلال الأشهر الأخيرة شعبية زعيم "حركة الإنصاف الباكستانية"، وهذا ما بينته المظاهرات الحاشدة المؤيدة له، والتي شارك فيها قرابة مئة ألف شخص.
في مقدمة التسونامي
قام خان بتأسيس حركة الإنصاف في أبريل/ نيسان 1996، ولكنه لم يبرز كسياسي. غير أن حالة عدم الرضا السائدة في باكستان من حكومة الرئيس الحالي آصف علي زرداري، جعلت أعداد مناصري عمران خان تتزايد. ثقته الكبيرة يستمدها عمران خان من طريقه الطويل الذي قطعه في الحياة، وهو ما لا يتمتع به أي سياسي آخر في البلاد. كقائد للمنتخب الوطني حقق خان، عام 1992، اللقب الوحيد لباكستان كبطلة للعالم في الكريكيت، اللعبة الشعبية الأولى في البلاد. بعد ذلك، وبمساعدة تبرعات خيرية، بنى مشفى متطورا لأمراض السرطان، حيث يتم معالجة المرضى بغض النظر عن مستواهم المادي. وبنفس الأسلوب يساهم خان في دعم إحدى الجامعات الخاصة، بحيث تتاح للطلبة الفقراء إمكانية الدراسة فيها.
وفي الوقت نفسه، وبعد أن كان يعيش حياة إنغماس في اللذات، وهو النجم الرياضي المعروف، وجد خان طريقه إلى الدين أيضا. واختار الفيلسوف والشاعر محمد إقبال مثلا أعلى له، وهو الذي يعد الأب الروحي المؤسس لباكستان. إقبال الذي بحث، كرائد للفكر التجديدي في الإسلام، عن التوفيق بين الدين والحداثة. وأفكاره بقيت حتى الآن مهمة لبلد مازال يبحث عن هويته. وبهذا وجد عمران خان حافزا له للتفكير في "دولة رفاهية إسلامية".
إحباط بسبب عرقلة التطور في البلاد
دعوات خان للتمسك بالدين والاعتزاز بالوطن لاقت آذانا صاغية، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى النامية ببطء في المدن. فهنا يسود شعور كبير بالإحباط من عرقلة تطور باكستان. فالأحزاب الرئيسية الكبرى في البلاد تعد أشبه بمؤسسات احتكارية، تتوزع فيها السلطة والثروة، منذ قرون، في إطار عائلي عشائري ضيق. ولأن النخبة السياسية غير مؤهلة ولا تظهر أي إرادة من أجل فعل شيء ما لمعالجة المعضلات الكبرى التي تعصف في البلاد، من قبيل أزمة الطاقة، والتضخم والتوترات الاجتماعية، بات الناس يبحثون عن بدائل.
حركة الإنصاف الباكستانية تهدف إلى كسب هذا الوسط الاجتماعي عبر المبادرة بالتوجه إليهم من خلال استراتيجيات تواصل هجومية. السكرتير العام للحزب، عارف علوي، يوضح بأنه من خلال عملية تسجيل بسيطة، عبر الرسائل النصية القصيرة، صار عدد أعضاء الحركة 600.000 عضو، حتى نهاية عام 2011. والهدف الرئيسي للحركة هو الوصول إلى خمسة ملايين عضو. قرابة 100.000 مستخدم يتابعون رسائل عمران خان عبر موقع تويتر، إضافة إلى عدة صفحات على موقع الفيسبوك، من أجل خلق شبكة تواصل للأنصار الشباب. وعبر الإنترنت والهواتف المحمولة يجري باستمرار طرح استفتاءات واستطلاعات للرأي في أوساط أنصار الحركة.
الحملة الانتخابية الكبرى للرئيس الأمريكي باراك أوباما، في انتخابات 2008، واعتمادها على مواقع التواصل الإجتماعي، كانت مصدرا للإلهام للحركة. وهكذا صار شعار أنصار حركة الإنصاف الباكستانية: "Yes we Khan!".
أسطورة الفيسبوك
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل صار كثيرون يحبذون المقارنة مع ما يعرف بالربيع العربي. وكما تونس ومصر فإن ثلثي سكان باكستان هم دون سن الثلاثين. فهل سيتمكن عمران خان، بواسطة هذه الوسائط الاجتماعية، من قيادة الشباب نحو تحقيق تحول سياسي؟ يبدو أن أسطورة الفيسبوك ذات فعالية في باكستان أيضا.
تبلغ نسبة الباكستانيين الذي لديهم اتصال بشبكة الانترنت 11%. والوسيلة الأكثر انتشارا في باكستان هي المحطات التلفزيونية الخاصة، التي تتمتع، منذ عشر سنوات، بشبعية كبيرة. وفي خضم المنافسة الشديدة على تحقيق نسبة المشاهدة الأكبر، تبرز صور الاحتفالات الشعبية الحاشدة لعمران خان، والتي تشبه الحفلات الموسيقية الكبرى. وحتى الآن تبدو التغطية الإعلامية مهتمة جدا وتتعامل بصورة طيبة مع خان.
ولكن "شهر العسل" بين وسائل الإعلام وعمران خان سينتهي قريبا، هذا ما يؤكده آرشاد شريف، مدير مكتب قناة "دنيا نيوز" في إسلام آباد. ويرى شريف بأنه عندما يبدأ السباق الانتخابي الحقيقي، فإن كل مرشح من مرشحي حركة الإنصاف الباكستانية سيتم وضعه تحت العدسة المكبرة، وستقوم المحطات التلفزيونية بالتفتيش عن كل صغيرة وكبيرة حوله. وبالتأكيد فإن القنوات الخاصة أضحت واثقة من نفسها وتعرف دورها السياسي، منذ أن قامت، قبل أربع سنوات، بلعب دور المنصة الخطابية للحركة الاحتجاجية ضد الحاكم العسكري برويز مشرف.
وعندما يحين موعد الانتخابات فإن هناك عوامل أخرى ستدخل اللعبة. فمن يريد الفوز عليه بشغل الدوائر الانتخابية في كل البلاد. وحركة الإنصاف تعاني من غياب الشخصيات القيادية المؤثرة، باستثناء قائدها خان. بينما تنظيمات الأحزاب الأخرى المستقرة تمتد في طول البلاد وعرضها، وتصل حتى إلى بلدات وقرى باكستان، حيث يتم منح الأصوات هناك وفقا لشبكات المحاباة المتشعبة ووفقا للولاء الشخصي. وأغلبية المقاعد في البرلمان لا زالت تأتي من المناطق الريفية.
استقطاب السياسيين المحترفين
ولهذا السبب فتحت حركة الإنصاف الباب لكي ينضم إليها السياسيون الراغبون بالانتقال من الأحزاب الأخرى. وأشهر هؤلاء المنتقلين، حتى الآن، هو وزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي، الذي أعلن، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، انسحابه من حزب الشعب الباكستاني الحاكم واستقالته من الجمعية الوطنية كنائب يمثل الحزب. جاء انسحاب قريشي من الحزب الرئيسي في الائتلاف الحاكم، كتعبير عن احتجاجه على "الخضوع العبودي" للولايات المتحدة الأمريكية. بعدها بأيام قليلة حصل على منصب رفيع في حركة الإنصاف، الأمر الذي أثار سخط بعض الناشطين القدماء في حركة الإنصاف. الشعبية المتصاعدة لعمران خان باتت تجذب السياسيين المخضرمين، اللذين يتنقلون بين الأحزاب، دون أي شعور بتأنيب الضمير، وهدفهم هو الوصول إلى البرلمان بأي ثمن.
وعلى الرغم من أن حركة الإنصاف مابرحت تؤكد بأنها لن تضم سوى السياسيين "نظيفي اليد"، إلا أن الحركة وجدت نفسها في ورطة الآن: فبدون تلك الشخصيات المهمة لا يمكن تحقيق أي فوز في الانتخابات، وبنفس الوقت فإن ضمهم يعني أن خان يشبه بقية العملاء اللذين يكافح خان أصلا ضدهم.
حلول سهلة لمعضلات صعبة
الأوساط الليبرالية في باكستان بدأت تضيق ذرعا بعمران خان. المدونات والمقالات الافتتاحية للصحافة المكتوبة باللغة الإنكليزية تهاجم بعنف كل ظهور علني لخان. وأكثر مايرفضونه هو دعواته العلنية للتغيير الإسلامي وخطاباته المناهضة للولايات المتحدة. وكذلك الحلول البسيطة التي يعتبرها عمران خان جاهزة لحل المشاكل الكبرى للبلاد، يراها الكثيرون مشبوهة.
المكسب الرئيسي لزعيم حركة الإنصاف، كما تؤكد الصحافية عافية سلام، هو أن خان استطاع أن يحرك الشريحة السكانية الشابة والمثقفة، والتي لم يكن لها اهتمام بالسياسة سابقا. ومن الواضح أن النجم السياسي، الذي تحول بداية من نجم رياضي إلى راع للأعمال الخيرية ثم إلى سياسي، يشكل الأمل للشباب في تحقيق طموحاتهم. هل يمكن لهذا الأمر أن يستمر بهذا الشكل، وكيف، وأي وجهة سيأخذ، هو بالتأكيد سؤال يفترض أن يشغل بال النخبة الحاكمة في باكستان.
ماركوس ميشائيلسن
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012