دراما اجتماعية..... رسائل إنسانية
"عن إيلي" فيلم مُربك عن الشك والاتهام أخرجه ببراعة الإيراني أصغر فرهادي. تبدأ القصة بداية عادية ومفعمة بالآمال في الوقت نفسه: مجموعة من الطلاب الإيرانيين الأصدقاء يبدأون رحلة في نهاية الأسبوع إلى البحر بصحبة عائلاتهم. مع المجموعة سافر أيضاً اثنان يعيشان بمفردهما. أحمد الذي يعيش في أوروبا فشل في زيجته مع ألمانية، وهو الآن يبحث عن زوجة إيرانية.
لا يعرف أعضاء الرحلة شيئاً عن إيلي ذات العشرين ربيعاً سوى أنها تعمل كمربيّة. حصلت إيلي على دعوة مفاجئة من زبيدة التي تتسم بالحيوية الفائقة. هدف زبيدة هو أن تزوج إيلي - التي تكن لها تقديراً كبيراً كمربية حنونة لأطفالها - لأحمد.
إدارة الظهر للحقيقة
تبدأ القصة بداية عادية وواقعية، غير أنها بالتدريج تكتسي ملامح تراجيدية، وفي تلك الأثناء يفقد أبطال الفيلم براءتهم ونزاهتهم. يقع الواحد منهم تلو الآخر في فخ شبكة من التكهنات والظنون والادعاءات – إلى أن يتم تجاوز الحدود الفاصلة مع الكذب. الشخص الأخير في المجموعة الصغيرة الذي يتبع هذه الديناميكية هي زبيدة النشيطة والقوية. ولكنها عندما تدير ظهرها للحقيقة تفقد أيضاً مرحها وبهجتها واحترامها لنفسها.
رغم كل الإحالات والإشارات إلى الوضع الاجتماعي في إيران يتميز فيلم فرهادي ببعد عالمي. "إنني أبين كيف يتصرف الناس عندما يواجهون موقفاً صعباً"، يقول المخرج البالغ من العمر ستة وثلاثين عاماً الذي كتب بنفسه سيناريو الفيلم. "من الممكن أن تجري أحداث الفيلم في مكان آخر أيضاً، ولكنها لا يمكن أن تجري في زمن آخر."
لا رسائل خطابية زاعقة
السمة المعاصرة للفيلم والتي يهتم فرهادي بإبرازها تنعكس على الإخراج الجريء والحديث. يمتنع الفيلم بشكل راديكالي عن تزويد المتفرج بمعلومات تزيد عما يعرفه أبطال الفيلم في تلك اللحظة. وفي النهاية لا يتم الكشف عن حقيقة ما حدث. وبذلك يجب على المشاهد أن يملأ بنفسه هذه البقعة البيضاء وهذا الفراغ – تماماً كما فعلت شخصيات الفيلم عندما ضاقت بهم السبل.
"لم يعد الجمهور اليوم يتفرج على الفيلم بسلبية. إنه يريد هامشاً حراً يستطيع أن يملأه بتفسيراته وتأويلاته"، يقول أصغر فرهادي. لا يهم فرهادي كمخرج أن يكون بوقاً لرسالة خطابية زاعقة، أو أن يجبر مشاهدي أفلامه على قبول تفسيره هو للأمور. "إنني أحكي – عن عمد – نصف الحكاية فقط. النصف الآخر ينشأ في رأس المشاهد."
لم ينل" عن إيلي" التكريم في مهرجان برلين السينمائي الدولي بسبب إخراجه الذكي فحسب. في فيلمه الرابع يبرهن فرهادي مرة أخرى على قدرته البارعة على التعامل مع أدواته السينمائية، ونجاحه في رسم أبعاد شخصياته المعقدة بخطوط بسيطة للغاية، وبخلق الإثارة والتشويق في أفلامه.
صور متحولة وتوثيق دقيق
لقد نجح التصوير الرائع الذي قام به حسين جافاريان في المزاوجة بين الصور المؤثرة المتحولة بإيقاع سريع وبين الاقتراب من الحدث اقتراباً يكاد يكون وثائقياً. الفيلم يبرهن أيضاً على أن المخرج كان موفقاً في اختيار الممثلين.
الأداء التمثيلي الرائع لم تقم به فقط غولشفيته فرحاني التي أدت دور زبيدة. لقد قام الممثلون جميعاً بأداء مقنع ومكثف ومنضبط في الآن نفسه. بعد أن حصل على "الدب الفضي" تتزايد فرص عرض "عن إيلي" على شاشات السينما في العالم. أما في إيران فقد حظي الفيلم في الوقت نفسه تقريباً مع مهرجان برلين السينمائي بنجاح جماهيري لدى عرضه في مهرجان "الفجر" السينمائي.
ويأمل فرهادي أن يُعرض فيلمه "عن إيلي" - أو "دارباريه إيلي" كما يُسمى بالإيرانية – في دور السينما هذا العام في وطنه إيران. حتى الآن لم تعترض هيئة الرقابة على الفيلم، وبذلك فإن "عن إيلي" – الذي أنتجته شركة خاصة بميزانية صغيرة لا تتعدى 350 ألف يورو – لديه فرص طيبة في أن يغطي تكاليف إنتاجه. ويحتاج فرهادي إلى المال احتياجاً كبيراً لكي يستطيع أن ينقل إلى شاشة السينما الأفكار السينمائية الجديدة التي تدور في رأسه.
أريانا ميرزه
ترجمة صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
السينما في إيران بعد 30 عاما على الثورة:
بين التعبوية والرومانسية والواقعية
السينما الإيرانية التي كانت في السابق مشهورة جدًا وخلاَّقة والتي حصدت قبل بضعة أعوام أهم الجوائز السينمائية الدولية، صارت تحيطها الآن حالة من الهدوء في الغرب وفي جمهورية إيران الإسلامية. أمين فارزانيفار في عرض للسينما الإيرانية ونظرة على الماضي السينمائي الإيراني.
تحليل
انعكاس واقع المجتمع في السينما
تلاقي السينما الإيرانية نجاحا في الغرب بأفلام تطغى عليها صور الفقر في الأرياف. لكن أين هي الأفلام التي تعكس واقع الحياة داخل المدن في هذه البلاد التي تعاني التمزقات؟ حول صورة المجتمع الإيراني في السينما الإيرانية تقرير بيرغيت غلومبيتسا.
لودفيغ أمّان: كيف تصل أفلام الشرق إلى أوروبا؟
المال والغرائبية والجماليات
تكاد تكون السينما الشرقية شبه غائبة في السوق الألمانية والأوروبية. لودفيغ أمّان، موزّع الأفلام المتخصص في قضايا الشرق، يشرح أسباب هذا الغياب ويبيّن أن بقاء تلك الأفلام في الظلّ لا يعود - في خلاف ما يعتقد الكثيرون - إلى الأحكام المسبقة بقدر ما هو عائد إلى أسباب تجارية.