لماذا يثير ذعر المعارضة التركية؟
شهد البرلمان التركي حركة احتجاجية غير معتادة في الشهر الماضي (تشرين الأول/أكتوبر 2022): إذ حطّم نائب معارض هاتفه الذكي بمطرقة أثناء إلقائه كلمة في البرلمان. وتبع ذلك تصفيق وهتافات. وحين لم يتوقف التصفيق أُجبِر البرلمان على أخذ استراحة قبل العودة إلى القاعة لتمرير القانون.
ومن المفارقات أنّه بينما تشير إلي هذا القانون الحكومة بوصفه قانون "المعلومات المضلِّلة"، ينظر الأتراك بكل بساطة إلى هذا التشريع الأخير بوصفه رقابة.
في كانون الثاني/يناير من عام 2022، ادّعى حزب العدالة والتنمية الحاكم أنّ حملة معلومات مضلِّلة تُشنُّ ضده، وأنّ المشاركين كانوا يخربون عن قصد جهوده لتحويل تركيا إلى مكان أكثر تطوراً وأماناً، وبالتالي فقد كانوا يهاجمون البلاد بحدّ ذاتها.
Turkey MP smashes phone with hammer in parliament https://t.co/fOoLmMeeGd pic.twitter.com/xIPRKYK0Qf
— BBC News (World) (@BBCWorld) October 14, 2022
وتمثَّل حلُّ حزب العدالة والتنمية الحاكم في تعديل قوانين الإعلام في البلاد. ونظرا لمواجهة هذا التعديل معارضة كبيرة، من العامة ومن البرلمانيين في الوقت ذاته، قرّر الحزب انتظار جلسة البرلمان في الخريف ليقوم بتقديم مشروع القانون.
مُرِّرت التعديلات في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وأغلب المصوتين بالإيجاب من الحزب الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية (MHP). وقد قُوبل القانون الجديد بالغضب والذعر.
الضغط على الصحافة
تنصّ المادة 29 على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات لمن "ينشرون معلومات كاذبة عن الأمن الداخلي والقومي لتركيا أو عن الصحة أو النظام العام، لمجرد بث الرعب والذعر أو الإخلال بالسلم العام".
أكّد متحدث باسم منظمة مراسلون بلا حدود (RSF) لموقع قنطرة أنّ تركيا بالفعل واحدة من أبرز الدول سجناً للصحفيين في العالم. فقد أُلقي القبض على ما لا يقلّ عن 27 من العاملين في الصحافة منذ حزيران/يونيو 2022: "اعتقد العديد من المراقبين أنّه لا يمكن للأمور أن تزداد سوءاً، بيد أنّها ازدادت. والآن، يوجد قانون شامل آخر غامض الصياغة يمكن استخدامه على نطاق واسع من قبل السلطات لقمع أي محتويات صحفية قد تزعجها بذريعة أنّها كاذبة".
"نقدّر، نحن ومراقبون آخرون، أنّ 90% من وسائل الإعلام الوطنية في تركيا تخضع الآن لسيطرة الحكومة. بيد أنّ هذا القانون سيزيد من صعوبة الاستماع إلى آراء المعارضة، واستفادة الجمهور من التغطية الإخبارية المتوازنة".
لم تكن تركيا مؤخراً ملاذاً للصحفيين، لكن هذا التشريع يعني حتماً المزيد من القمع، ويمنح الاعتقال أساساً قانونياً. إضافة إلى ذلك، يؤثر القانون على حرية التعبير لكل مواطن تركي.
أضاف المتحدّث باسم منظمة مراسلون بلا حدود: "إنه هجوم على الديمقراطية، ولا سيما حيث يدّعي واضعو القانون الدفاع عنها. ومن المرجح أن يُستخدم هذا القانون ضدّ المدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء المعارضة وأي أصوات منتقدة".
ينطبق فقط على "التهديدات الملموسة"، كما يقول حزب العدالة والتنمية
ومن جهة أخرى، دافع حزب العدالة والتنمية بقيادة إردوغان عن مشروع القانون، مدّعين أنّهم قدّموا التعديلات إلى البرلمان من أجل "مزيد من الديمقراطية والحقيقة".
يقول النائب عن حزب العدالة والتنمية، أحمد أوزدمير، الذي قدّم الاقتراح، أنّه "ليس من العدل وصف التشريع بأنّه قانون رقابة، لأنه لا يحدّ من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وتنصّ المادة 29 على أنّه إذا قاد انتشار الفكر أو المعلومات المضلّلة إلى أي فعل ينتهك النظام العام أو يشكّل تهديداً ملموساً بحدوث مثل هذا الانتهاك، فسيُعتبر جريمة". ويؤكّد أنه في حالة عدم وجود مثل هذه الآثار، فلن تكون هناك إجراءات قضائية.
إلا أنّ النائب عن حزب الشعب الجمهوري، تشاكير أوزار، يرفض تصديق هذه التصريحات، بحجة أنه لا تزال هناك قضية مرفوعة ضد كيليتشدار أوغلو، رغم عدم وجود ما يشير إلى أنّ تعليقاته أثارت أي اضطراب عام.
وأضاف أوزدمير أنّ القانون لا يستهدف الصحفيين، "لأنّه لا يوجد صحفي يكتب أو ينشر أخباراً كاذبة عن قصد، معرضاً النظام العام أو الأمن القومي للخطر". بيد أنّ القانون لا يدعم هذه التأكيدات تماماً.
إذ أنه وفقاً للتعديلات، ستُصادَر البطاقة الصحفية لأي عامل إعلامي يُدان بتهمة "الإرهاب" أو "عدم الالتزام بأخلاقيات الإعلام". ودائرة الاتصال في الرئاسة التركية -التي تتبع لمكتب الرئيس رجب طيب إردوغان قائد حزب العدالة والتنمية- هي التي ستُقرِّر مَن الذي ستُعلِّق بطاقاته وإلى متى.
تحذير للمواطنين الصحفيين
ألقى رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، كلمة قبل إقرار القانون، محذّراً الصحفيين: "يؤسفني أن أرى بعض الصحفيين لا يتّبعون مساراً وطنياً، مفضلين أن يكونوا صوت القوى العالمية الأخرى".
كما وجّه تحذيراً أيضاً للمواطنين الصحفيين: "مع الفرص الرقمية، يُنشئ المواطنون الآن محتوى. بيد أنّهم لا يتحققون مما ينشرونه أو يشاركونه، وبالتالي فهم يشوهون الحقائق".
وقد تقدّم حزب الشعب الجمهوري بطلب إلى المحكمة الدستورية، مدّعياً أنّ القانون الجديد ينتهك حرية التعبير، التي يحميها الدستور التركي. أكّد المحامي المتخصص في قضايا حرية التعبير فيصل أوك، الذي يدافع حالياً عن العديد من الصحفيين المعتقلين في تركيا، أنّ القانون لا ينتهك الدستور التركي فحسب، بل يتعارض كذلك مع جميع اللوائح والتشريعات الأخرى المتعلقة بالإعلام السارية حالياً:
"أولاً، تنصّ المادة 29 على أنّ أي معلومات تضلّل المجتمع ستكون عقوبتها السجن. بيد أنّ المادة غامضة للغاية، فهي لا تعطي أي تعريف يتعلَّق بنوعية المعلومات. كيف سيحقِّق أو يبحث القضاة أو المدعون العامون لتحديد ذلك؟ فالقانون لا يقدِّم أي تفاصيل حول ذلك، تاركاً الأمر للقضاء".
وليس هذا مفاجئاً للنائب عن حزب الشعب الجمهوري، تشاكير أوزار، الذي يقول أنّ القضاء في الغالب تحت تأثير إردوغان وحزب العدالة والتنمية ويخطّط قراراته لإرضائهم.
ويقول فيصل أوك أنّ قانون الإعلام يخالف أيضاً تشريعات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بما أنّه ينتهك مبدأ حرية التعبير: "يمنع القانونُ الناس من مشاركة أي معلومات، أو إعادة تغريد أي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الحديث عن أي شيء لا تسيطر عليه الحكومة أو لا توافق عليه. حقّ كل شخص في المطالبة بالمعلومات والحصول عليها مقيّد، وهذا يشمل أعضاء الحزب الحاكم".
لكنه أيضاً يتساءل إن كانت المحكمة الدستورية هي المنتدى المناسب لإلغاء قانون الإعلام الجديد هذا قبل أن يخلق مشاكل للمجتمع التركي. "لا أعتقد أنّ المحكمة ستتوصّل إلى حل مفصّل وواضح. حتى إن أبطلت بعض مواد القانون، فسيستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وبحلول ذلك الوقت، أشكّ في أن يكون لذلك تأثير يُذكَر".
ليلى إيغِلي
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2022