مخاطر "سورنة ليبيا" بعد فشل سياسة روسيا المزدوجة
مطلع الأسبوع توجه رئيس القيادة العسكرية الأمريكية لشمال افريقيا، ستيفن تونسيند عبر تويتر للرأي العام بالقول إن مقاتلات روسيا حلقت من روسيا إلى ليبيا. هذه الطائرات توقفت مؤقتا في سوريا حيث تمت إعادة طلائها "لتمويه أصلها الروسي"، كما أعلن الجيش الأمريكي. وقال تونسيند أن روسيا تحاول بوضوح الحصول على مزايا في ليبيا. ونفت روسيا طويلا مشاركتها في النزاع الليبي المستمر. لكن الآن "لا مجال للنكران".
وقد رفضت روسيا هذه الرواية. "إنها أخبار زائفة"، كما أعلن نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي، أندري كراسوف، حسب ما أوردته وكالة أنترفاكس الروسية للأنباء.
محطات في علاقة
وحقيقي أن العلاقات بين روسيا وليبيا تعود على أبعد تقدير إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. حينها وفي مؤتمر بوتسدام حاول جوزيف ستالين دون جدوى الاتفاق على انتداب روسي على محافظة طرابلس الليبية. وبعد انقلابه في 1969 ساندت موسكو معمر القذافي بمساعدات عسكرية مكثفة.
NEWS: Russia deploys military fighter aircraft to Libya
-----
"For too long, Russia has denied the full extent of its involvement in the ongoing Libyan conflict. Well, there is no denying it now." - Gen. Townsend
Release: https://t.co/HpLdwUJxcr
Photos: https://t.co/raTal1LKPa pic.twitter.com/dVtsWKPYZ5
— US AFRICOM (@USAfricaCommand) May 26, 2020
وتلقت العلاقات في عام 2000 دفعة جديدة مع تولي بوتين رئاسة روسيا . غير أن بوتين شهد من موقع العاجز عن فعل شيء كيف أن حلف الناتو قلص التأثير الروسي في عام 2011 من خلال تدخله أثناء الانتفاضة ضد القذافي.
وعندما تولى الضابط الليبي خليفة حفتر في 2014 القيادة العسكرية على وحدات حكومة المنفى الليبية في طبرق، رأت فيه موسكو شريكا مؤاتيا لضمان مصالحها في ليبيا. ومقابل الدعم العسكري عرض على الروس الولوج إلى سوق الطاقة الليبية واستخدام موانئ البحر المتوسط في طبرق ودرنة. وظلت روسيا للوهلة الأولى متحفظة بالدعم الفعلي. لكن ابتداء من 2017 قامت بمعالجة مقاتلين جرحى من جيش حفتر. وفي 2018 أرسلت موسكو قوات من شركات عسكرية خاصة إلى ليبيا.
مصالح مصر
وبهذا دخلت الحرب في مرحلة ذات بعد جديد. وحفتر الذي تقوى حينها عسكريا يُعد عدوا لأي نوع من الاسلام السياسي، وبات بذلك شريكا للحكومة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي ترأس في 2013 الانقلاب العسكري الناجح ضد الرئيس محمد مرسي من صفوف الإخوان المسلمين ويخشى أن تتلقى الحركة دفعة جديدة ـ ولو من خلال ليبيا المجاورة.
وبالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة التي تحارب أيضا التأثير الاقليمي للإخوان المسلمين، تموقع السيسي بحزم ضد الحكومة المعترف بها من قبل الكثير من البلدان بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج التي تسيطر على جزء صغير من البلاد وتعول داخل البرلمان على أصوات مجموعات اسلامية.
منافسة مع أنقرة
وعلى هذا النحو تعارض الحكومة المصرية أن تقوم تركيا بدعم وحدات السراج عسكريا مثلا بمرتزقة من سوريا. وفي يناير أعلنت القاهرة أن الالتزام التركي في ليبيا له انعكاسات مباشرة على الأمن القومي في مصر. واتهمت وسائل إعلام مصرية حكومة اردوغان بنهج تطلعات "عثمانية". لكن تركيا لا تهمها ليبيا فقط، بل ضمان جزء من حقول الغاز في البحر المتوسط استغلتها إلى حد الآن اليونان وقبرص واسرائيل ومصر.ومن ثم لم تعد روسيا وتركيا خصمين في سوريا فقط، بل وحتى في ليبيا كذلك. لكن القوتين تتفاديان إلى حد الان مواجهة مباشرة.
استراتيجية هجينة
وإلى حد الآن تراهن روسيا في ليبيا على حضور عسكري غير مباشر من خلال شركات عسكرية من القطاع الخاص. وهذا يُعتبر علامة رئيسية على استراتيجية بوتين في كثير من المجالات. وحتى تغيير طلاء المقاتلات الروسية في سوريا يتناسب مع هذه الصورة. هذا الخليط المعقد من الشركات العسكرية الخاصة يجعل من الصعب تحديد مسؤوليات القوى المتدخلة. وهذه القوى العسكرية الخاصة تضم قناصة وفنيين خبراء في استعمال الطائرات الموجهة. وعلى هذا النحو نجحت تلك القوى في الشهور الماضية في إسقاط طائرة أمريكية موجهة وأخرى ايطالية. وهذا يتطلب معرفة عسكرية لا يتوفر عليها جيش حفتر.
وهذه الاستراتيجية في الحرب لها فوائد بالنسبة إلى روسيا: بهذا يمكن للبلاد أن تقدم نفسها كوسيط دون التخلي عن التزامها العسكري. وفي آن واحد بإمكانها شحن النزاع إلى حين التوصل إلى اتفاق مرحب به في المفاوضات. كما يمكن لروسيا أن تضمن إلى جانب أجزاء من سوق الطاقة السيطرة على طريق اللاجئين الليبية. وبذلك ستملك روسيا عصا على صعيد سياسة الهجرة تجاه أوروبا.
نفي روسي
وتهمة استخدام روسيا في ليبيا لشركات عسكرية خاصة لاتوجهها الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل أيضا بريطانيا. غير أن روسيا رفضت تقريرا أمميا توصل إلى هذا الاستنتاج واعتبرته "مفبركا".
لكن الحقيقة تتضمن أيضا أن هذه التهمة توجه أيضا لفاعلين آخرين مثل الامارات العربية المتحدة وتركيا. في خضم ذلك يبقى حظر الأسلحة في ليبيا هشا، وتشعب النزاع يزداد حدة.
كرستن كنيب/ م.أ.م
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020
اقرأ/ي أيضًا: المزيد من مقالات موقع قنطرة
الحرب في ليبيا...الحاضر الغائب في مؤتمر الأمن في ميونيخ
حسابات الربح والخسارة في ″مغامرات أردوغان العربية″
الزمن لا يعود إلى الوراء...الربيع العربي لم يتحطم