"صفقة أوروبية إشكالية مع القاهرة"
وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، اتفاقية الشراكة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي ومصر بأنها "حدث تاريخي". في آذار/مارس 2024، سافرت فون دير لاين إلى القاهرة إلى جانب رؤساء حكومات إيطاليا واليونان وبلجيكا والنمسا وقبرص لتوقيع اتفاقية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتتضمن الاتفاقية حزمة مساعدات بقيمة7,4 مليار يورو تهدف إلى تحقيق استقرار المالية العامة في مصر واقتصادها المتعثِّر. في مقابل ذلك، تتوقع المفوضية الأوروبية من إدارة السيسي المساعدة في الحدِّ من الهجرة غير الشرعية. فمصر، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 110 مليون نسمة، لا تعتبر مهمة كدولة عبور فحسب، بل إنها أيضاً دولة منشأ للهجرة غير الشرعية بشكل متزايد.
وتحدِّد الاتفاقية نهجاً "شاملاً" لإدارة الهجرة، من المتوقع أن تكون فيه مجالات التركيز الرئيسية للمفوضية على أمن الحدود والإعادة إلى الوطن.
سياسة سبق رؤيتها
من غير المرجَّح نجاح خطة المفوضية الأوروبية. إذ يشبه نهجُها النهجَ المتَّبع في عام 2016، حين توصَّلت القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج لإنقاذ المالية العامة في مصر.
في ذلك الوقت، خلال ذروة ما يُسمى بأزمة اللاجئين، كانت العواصم الأوروبية قلقة بشأن احتمال إفلاس الدولة المصرية وتحركات الهجرة المحتملة التي قد تنتج عنها، كما هو الحال اليوم. ولذلك دعمت العديد من الدول الأوروبية مباشرة اتفاق صندوق النقد الدولي بدعم سخي للميزانية.
قدّمت ألمانيا لوحدها 450 مليون يورو بشكل قروض غير مشروطة. وكان هذا جزئياً على أمل أن تؤمِّن مصر حدودها بشكل أفضل بعد ذلك. وبالفعل، بعد فترة زمنية قصيرة من منح المساعدات المالية، انخفض عدد المهاجرين الذين يحاولون القيام برحلة خطيرة عبر البحر المتوسط مباشرةً من مصر من أكثر من 12 ألف بين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر 2016 إلى أقل من 100 في الشهور التالية.
أما عدد المهاجرين المصريين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي بشكل غير نظامي عبر طرق بديلة، مثل ليبيا في المقام الأول، فبقي منخفضاً نسبياً مقارنة بدول أخرى.
ارتفاع كبير في معدل الفقر
لكن الفرحة الأولية للعواصم الأوروبية بهذا النجاح لم تستمر طويلاً. فعلى الرغم من برنامج صندوق النقد الدولي والمساعدة الإضافية من الصندوق، لم تحقق مصر الاستقرار الاقتصادي المأمول.
بدلاً من النمو المستدام شهدت البلاد ارتفاعاً في الدين العام. وقد أدى ارتفاع التضخُّم والاقتطاعات في النظام الاجتماعي المتعثِّر بالفعل إلى زيادة كبيرة في معدَّل الفقر، والذي يبلغ الآن أكثر من 35%.
إضافة إلى ذلك، تراجعت بشكل كبير رغبة السلطات في تأمين حدود البلاد بشكل فعَّال في السنوات التالية. واعتباراً من عام 2022، وبعد ست سنوات من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يشكِّل المصريون، بعدد 21753 فرداً، أكبر مجموعة من المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا من خلال طريق البحر الأبيض المتوسط.
افتراضات خاطئة حول أسباب الأزمة
أشارت المفوضية الأوروبية، في تحليلها للوضع الحالي في مصر، إلى قصور الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات. وهي تعزو اختلال التوازن الاقتصادي في البلاد إلى تأثير الصدمات الخارجية في المقام الأول، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب في غزة والنزاع في السودان المجاورة.
وبالفعل، فقد أثَّرت هذه التطورات على مصر في العامين الماضيين. بيد أنَّها لا تشكِّل بأي حال من الأحوال السبب الرئيسي للأزمة المالية والاقتصادية الجارية، بل إنَّها نتيجة لسياسة الإنفاق الممول بالدَّيْن في عهد الرئيس السيسي.
فبدلاً من إعطاء الأولوية لاحتياجات السكان، يعطي السيسي الأولوية لمصالح الجيش المصري. ومصر هي ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامي 2017 و2021، على الرغم من أنها مثقلة بالديون. إضافة إلى ذلك، يتفاقم الدين الوطني بسبب مشاريع البنية التحتية المثيرة للجدل.
تقدَّر كلفة بناء العاصمة الإدارية الباهظة، التي تعود بالنفع على الجيش بصورة كبيرة، لوحدها بما يقارب 59 مليار دولار أميركي. ومن المتوقع أن يكون مصدر قسم كبير من هذه النفقات من أموال الدولة. إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتواصل بناء محطة للطاقة النووية من قبل الشركات الروسية، الممولة من الدَّين، في إرهاق ميزانية الدولة لسنوات قادمة.
وفي الوقت ذاته، من غير المرجح أن تشهد السياسة الاقتصادية لمصر تغييرات كبيرة في المستقبل القريب. ويعتمد نظام الحكم السلطوي على دعم المؤسسة العسكرية، التي تتوسع سلطاتها على نحو متزايد.
كما إنَّ غياب الضوابط والتوازنات وتقييد حرية الصحافة إضافة إلى قمع المجتمع المدني من قبل الدولة البوليسية، كلها أمور تتعارض مع مبادئ الحكم الجيد.
تجاوز البرلمان الأوروبي
يثير الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع مصر التساؤلات ليس حول الافتراضات الأساسية فحسب، بل وحول الإجراء أيضاً. ويبدو النهج المتسرِّع الذي اتبعته المفوضية إشكالياً. إذ بموجب الاتفاق ستحصل مصر على إجمالي 5 مليارات يورو بصورة قروض و2.4 مليار يورو بصورة استثمارات ومنح (بما في ذلك 200 مليون يورو لإدارة الهجرة).
تعتزم المفوضية الأوروبية، بدعم من المجلس الأوروبي، تسريع تقديم مليار يورو من هذه المساعدة المالية الكلية للقاهرة في وقت مبكر من عام 2024. وهذا من شأنه استبعاد التشاور المسبق مع البرلمان الأوروبي وبالتالي تجاوزه. وتبرِّر رئيسة المفوضية فون دير لاين تصرفاتها بالمادة 213 من المعاهدة المنظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي.
فهذه المادة تسمح لمجلس الاتحاد الأوروبي، في ظل ظروف استثنائية وبناء على اقتراح المفوضية، باتخاذ مثل هذا القرار إذا كانت هناك حاجة إلى مساعدة فورية في بلد ثالث.
لا معنى لها من دون إصلاحات
لكن التبرير المقدَّم ليس منطقياً على الإطلاق. ففي النهاية، من المتوقع أن تفي مصر بالتزاماتها في السداد في عام 2024 من دون أي صعوبة بسبب اتفاقية الاستثمار الموقَّعة مع الإمارات العربية المتحدة في نهاية شباط/فبراير 2024.
فمقابل 24 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى تحويل وديعة بنك مركزي بقيمة 11 مليار دولار أمريكي، حصلت أبوظبي على حقوق التطوير السياحي واستخدام منطقة رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط المصري. ومن المتوقع أن تحوِّل الأموال تدريجياً إلى القاهرة خلال شهرين. إضافة إلى ذلك، ستتلقى البلاد سيولة جديدة من خلال الزيادة المخطَّط لها لاتفاقية القرض المالي القائمة مع صندوق النقد الدولي من 3 مليارات دولار أمريكي إلى 8 مليارات دولار أمريكي.
ولذلك لا ينبغي للحكومة الألمانية دعم إجراءات كهذه من قبل المفوضية الأوروبية. سيكون لدى الاتحاد الأوروبي الوقت الكافي للتدقيق بعناية في الدعم المالي لمصر كجزء من إجراءات صنع القرار البرلمانية العادية. وفي جميع الأحوال، لن يكون صرف المساعدات -المخطَّط لها- منطقياً إلا إن نفذت الحكومة المصرية سلسلة من الإجراءات الإصلاحية لضمان حكم أفضل.
ومن أجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي المستدام في الجارة الجنوبية للاتحاد الأوروبي الأكثر اكتظاظاً بالسكان، فمن المهم تفكيك الأنشطة الاقتصادية العسكرية وتنفيذ تدابير ملموسة لوضع حد لقمع الدولة البوليسية، وإلا فإنَّ أي مساعدة مقدَّمة لن تؤدي إلا إلى تقوية الحكم السلطوي في عهد الرئيس السيسي. ومن المرجح أن يكون أي احتواء للهجرة غير النظامية مؤقتاً وهذا إذا أُنجِز على الإطلاق.
شتيفان رول
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: ميغاتريندس أفريقيا / موقع قنطرة 2024
يدرس مشروع "الاتجاهات الكبرى في أفريقيا: التحول الهيكلي ونقطة التحول الدولية" كيفية تأثير الاتجاهات الكبرى على الدول والمجتمعات الأفريقية.
يرأس الدكتور شتيفان رول قسم الأبحاث حول أفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية SWP.