استفتاء وسط الدماء...حان الوقت لتدخل دولي لوقف آلة القتل
قوات نظام الأسد التي لا تزال تسيطر على غالبية المدن في سوريا اعتقلت أخي لمدة اثنين وسبعين يوما رغم أنه لم يشارك في المظاهرات الشعبية في سوريا. أخى عومل بطريقة بشعة وتم تعذيبه والتنكيل به في سجن المخابرات الجوية. إن الفظائع الجماعية التي تُرتكب يومياً في سوريا لن تتوقف بدون تدخل خارجي. وبالمقارنة مع الانتفاضات التي وقعت في أماكن أخرى عبر أنحاء المنطقة، نجد أن الثورة سوريا دموية بشكل مُفرط وغير عادي. وفي غضون ذلك، فإن البلد الذي يقع في مفترق طرق إستراتيجية في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى انفجار يتجاوز دويه حدوده. فهجوم الأسد الوحشي على المدنيين في حمص وفي أماكن أخرى قد حفّز هؤلاء العازمين على الإطاحة بنظامه، مما أشعل النزاع ونحى به باتجاه منعطف خطير.
إن الثورات التي حققت إجماعاً لشعبي تونس وليبيا يجب عدم إنكارها على الشعب السوري. يتعين على المجتمع الدولي أن يتدخل في سوريا ليس فقط لوقف إراقة الدماء، لكن أيضاً لأن استمرار حكم الأسد قد يدفع الديناميكيات الإقليمية في اتجاه كارثي. ما كان بوسع العالم منذ عام مضى أن يتنبأ بذلك التغيير الكبير الذي أحدثته الشعوب العربية في بلدانهم، غير أن ظاهرة الربيع العربي ليست صادمة جداً لو نظرنا إلى التاريخ. فهناك حركات مماثلة سبقت الربيع العربي في شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية؛ ويبدو أن تلك الثورات الشعبية وصلت إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متأخرة عشرين عاماً، لكنها ليست أقل شرعية.
وإذا نظرنا إلى الدروس المستفادة من الحركات السابقة، سنعلم أن الانحياز إلى الجانب الصواب من التاريخ يعني دعم الشعوب الساعية إلى السلام ضد الديكتاتوريين الباليين. هناك حقيقة بديهية تهيمن على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: إما أن تخدم المصالح الأمريكية بدعم القادة الفاسدين الذين يذعنون للأهواء الأمريكية، أو أن تلتزم بمُثل دعم الحرية والديمقراطية لجميع الشعوب. وقد جعل الربيع العربي من هذه الثنائية غير ذات صلة، ولا يوجد مكان آخر يتجلى فيه ذلك التوافق بين المُثل والمصالح بوضوح أكثر منه في سوريا.
تردد المجتمع الدولي
والواقع أن الولايات المتحدة مشغولة بالانتخابات الرئاسية التي ستُجرى هذا العام، كما أن الحكومة الأمريكية وشعبها يشعرون بالتعب والإرهاق من الحروب. لكن لا يتعين أن تتحمل الولايات المتحدة وطأة التدخل العسكري الفردي في سوريا. وإنما حان الوقت لأن تساعد الولايات المتحدة في تشكيل تحالف "أصدقاء سوريا" الذي يمكن أن يلقى دعماً من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وبعض البلدان العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة. وقد يمهّد ذلك التحالف الطريق لإنجاز الأهداف التالية: أولاً، يتعين على هذا التحالف الدولي دعوة الأسد إلى التنحي، مع تنظيم عمليات تقديم المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وعلى غرار ما حدث في كوسوفو، يجب تحديد المناطق الآمنة التي حررها الجيش السوري الحري مع توفير إجراءات تنفيذية ملائمة.
والخيار الإضافي هو إحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأخيراً، ينبغي على هذا التحالف أن يعترف بالمجلس الوطني السوري باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري. تضم قيادة المجلس الوطني السوري أعضاء من كافة الجماعات العرقية والدينية في سوريا، وقد أكد المجلس أنه سوف يحقق العدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الأسد، وأكد أنه لا ينبغي أن يخشى العلويون من الانتقام. لقد أصبح الشعب السوري بمحاولته الحصول على حقوق الإنسان والكرامة ضحية للسياسات الدولية. فروسيا تعتمد على الاحتفاظ بحليف استراتيجي في المنطقة، وتنتظر من الأسد إنهاء العنف. وهذا غير واقعي ببساطة، لأنه كلما أخفق المجتمع الدولي في التدخل، كلما لحق ضرر أكبر لا يمكن إصلاحه بالمنطقة بأثرها. إن هذه الثورة ثورة حقيقية، ولن تنطفئ جذوتها. ومما لا شك فيه أن هناك مصالح استراتيجية سوف تعود على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إذا قدم الدعم الشامل لخطة التحرك الإيجابي المستقبلي التي وضعها المجلس الوطني السوري لسوريا.
رضوان زيادة
حقوق النشر: قنطرة 2012