من هم الإيزيديون وما هي معتقداتهم؟
يشكل اليزيديون واحدة من أصغر الأقليّات الدينية في العراق. من الجائز أنَّ نحو 50 بالمائة من اليزيديين يعيشون في العراق، خاصة في المناطق المحيطة بناحية شيخان التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة الموصل وفي جبل سنجار غرب الموصل، كما يُقدّر عددهم في كل أرجاء العالم بحوالي 250 ألف يزيدي. من الصعب تحديد الخلفية التاريخية الدينية للديانة اليزيدية. عادة ما توصف هذه الديانة بأنَّها ديانة توفيقية، تدمج عناصر إيرانية قديمة وزرادشتية مع تقاليد مسيحية ويهودية وإسلامية.
إنشقاق طاووس ملك عن الله
يمكن اليوم إلى حد ما القول إنَّ الديانة اليزيدية تأسست على أنقاض ثقافة محلية قديمة، ارتبطت مع الرمز إلى الله في شكل الطاووس. طبقًا للتقليد اليزيدي فإنَّ الطاووس، الذي يقوم فوق شمعدان في قرية باعذرا في وادي لالش، قد انشق عن الله المجهول ("الرب") وقد كُلِّف من قبل الله سوية مع أعلى الملائكة السبعة (أو الأسرار - الكواكب السبعة)، أي ملك طاووس - في نفس الوقت، بخلق العالم وتولي أموره.لا يتم تواتر التقليد الديني اليزيدي من خلال نصوص كتب سماوية كنسية، بل من خلال أساطير يتم تناقلها في صيغة تكاد ترد فقط كتراتيل وترانيم باللغة الكردية. ولا تصوِّر التراتيل والترانيم الأيزيدية عقيدة موحَّدة، بل تسرد قصة أصل ونشوء الطائفة اليزيدية من منظور يتغيَّر مرارًا وتكرارًا.
دين قائم بذاته
يعتبر التقليد اليزيدي في يومنا هذا دينًا مستقلاً بذاته. يحاول اليزيديون أنفسهم وضع معتقدهم في حقبة زمنية سبقت الإسلام. يطلق على ديانتهم اسم "الدين الأيزيدي" أو "داسن".
يفترض أن كلا المصطلحين مشتقان من أسماء إيرانية قديمة تعني "الكائن الأعلى" أو "عبد الله". يفيد هذا التفسير أيضًا في فصل اليزيديين عن المسلمين من الناحية التاريخية الدينية. لكن في الحقيقة يرتبط نشوء الطائفة اليزيدية، الذي يمكن تتبعه تاريخيًا منذ القرن الـخامس عشر على أبعد حد، ارتباطًا وثيقًا مع التقليد الإسلامي. يعد الصوفي عدي بن مسافر (توفى عام 1161 أو 1162) أهم أولياء اليزيديين، وقد ولد في لبنان وأسس في وادي لالش زاوية صوفية قادها بحزم. تذكر المصادر العربية عنه أنَّه كان صوفيًا متزمّتًا، كان يكن له السكان المحليون الأكراد الكثير جدًا من التبجيل والاحترام. أما الطريقة الصوفية "العدوية" التي قام بتأسيسها فقد فقدت بعد الغزوات المغولية في أواخر القرن الـثالث عشر علاقتها مع محيطها الإسلامي وصارت مركزًا لتكوّن تقليد جديد، أُلحقت فيه على نحو جمعي العديد من الأساطير والعبادات والممارسات المحلية. أدّى انعزال وإعراض اليزيديين عن المحيط الإسلامي في عام 1414 إلى خلق أول نزاع، بلغ ذروته مع قيام أكراد سُنّة بتدمير ضريح الشيخ عدي - الذي أُعيد بناؤه فيما بعد.
غياب الشيطان
كذلك تم تفسير الطريقة الخاصة بالطائفة اليزيدية تفسيرًا أسطوريًا خرافيًا. يفترض أنَّ الإله الصانع، أي ملك طاووس، ساعد الله في خلق آدم الذي خرج اليزيديون فيما بعد من منيّه. أما كافة البشر الآخرين فأصلهم طبقًا لأسطورة يزيدية من اتصال آدم وحواء. كذلك تضم هذه الأسطورة المفهوم اليزيدي عن غياب الشر (الشيطان). تقول الأسطورة إنَّ ملك طاووس أبى ورفض السجود لآدم، لهذا السبب نزل عليه غضب الله. ثم بكى طيلة سبعة آلاف عام دموعًا أخمدت في آخر المطاف نار جهنم. ولم تعِده إلى مكانته إلاَّ توبته وندمه. يمثِّل تقليد اليزيديين من خلال تصوير ملك طاووس وتقديسه في شكل تمثال طاووس، بالنسبة للعقيدة المتزمِّتة الإسلامية خطيئة الإشراك بالله - أي خطيئة مخالفة التصور التوحيدي لله، وعليه فهو يمثِّل أكبر خطيئة في حقّ الله. وبالإضافة إلى ذلك كانت تتم مساواة هذه الطائفة الدينية قبل كل شيء بسبب اعتقاداتها بتناسخ الأرواح والتقمص مع مذاهب فكرية خاصة بغلاة الشيعة، تشكّل من وجهة نظر السُنّة الأصوليين المتشدِّدين "طائفة دينية باطنية". بيد أنَّ الحاق نسب اليزيديين بالشيعة غير صحيح كما يعتبر من أكبر الخرافات السُنيّة في العراق. محرمات وأنساب اليزيديين
تعد الديانة اليزيدية في يومنا هذا ديانة بدائية بسبب أساطيرها وشعائرها التي تميّز البنى الاجتماعية من خلال علاقات ولاء معقدة. تؤدي بالإضافة إلى الصلاة الشخصية قبل كل شيء العديد من المحرمات إلى الاندماج في الطائفة - محرمات تتعلق قبل كل شيء بالمحافظة على نقاء الإنسان والبيئة. تجدر ملاحظة التعميد بماء لالش والختان (الاختياري) وتقويم الأعياد، الذي يتم ضبطه طبقًا للسنة القمرية الإسلامية وكذلك للسنة الشمسية الميلادية، وزيارات أضرحة الأولياء وقبل كل شيء الحج إلى ضريح الشيخ عدي في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من كل عام. تتقسم الطائفة اليزيدية من الناحية الاجتماعية (الروحانية) إلى ثلاث طبقات: طبقة الشيوخ التي تتفرّع إلى ثلاثة أصول تنتسب إلى الشيخ عدي، وطبقة "البير" التي تتفرع إلى أربعين فرعًا تنتسب إلى تلاميذ الشيخ عدي، و"المريدون" الذين يشكّلون عامة الناس.
الإستمرار رغم الإضطهاد
يُستثنى عامة الناس عمليًا من المعرفة والشعائر الدينية ويقيَّدون فقط بالقيام بواجب طاعة عشائر النخب الدينية والمحافظة على محرمات محظورة بشدة (تتعلق بتناول بعض البقول والنباتات واللحوم مثل الفاصوليا والفول والملفوف والخس والقرع ولحم الخنزير والغزال والديك والسمك بالإضافة إلى اللون الأزرق ). على الرغم من السياسة الطائفية التي اتبعها العثمانيون، والتي جعلت من التقليد السني مذهبًا للدولة، فقد استطاعت الثقافة اليزيدية أن تستمر في الحياة من خلال الولاء العشائري اليزيدي الذي يصعب اختراقه. أدّت أولاً محاولات الدولة العثمانية منذ العام 1850 من أجل فرض إدارة مركزية في شمال العراق وبذلك أيضًا فرض سيطرتها على مناطق جبل سنجار ووادي لالش، إلى اضطهاد شديد لليزيديين. لكن هذه الطائفة استطاعت مع ذلك المحافظة على نسيجها الاجتماعي وكذلك حماية مؤسساتها الدينية. وبالمقابل أثّرت سياسة التهجير والتشريد، التي تم اتباعها في العراق في الفترة ما بين العام 1969 والعام 1979، تأثيرًا شديدًا في القاعدة الاجتماعية للطائفة اليزيدية، وأدّت إلى إحداث تحوّل اجتماعي عميق الأثر.
بقلم راينهارد شولتسه
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007
يعمل البروفيسور راينهارد شولتسه رئيسًا لمعهد الدراسات الإسلامية والفيلولوجيا المشرقية الحديثة في جامعة برن السويسرية.