"أملي ضعيف في حكام سوريا الجدد"
قنطرة: سيد حاجو، كيف تقيّم فرص سوريا الديمقراطية في الوقت الراهن؟
مبدئيًا، يجب الترحيب بنهاية نظام الأسد الوحشي، ولكن إذا نظرنا إلى الخلفية الإسلامية الأصولية للحكام الجدد، فإن أملي ضعيف. هم معتدلون للغاية إلى الآن، ولكن السؤال هو ما إذا كانت هذه البداية فقط. لم يكن الوضع مختلفًا بعد الثورة الإيرانية (عام 1979)، حينها بدا قائد الثورة روح الله الخميني ليبراليًا للغاية في البداية، وتعاون مع الشيوعيين والأكراد، ولكن بمجرد أن ترسخت سلطته، بنى نظامًا مروعًا.
كعضو مجلس إدارة المركز الأوروبي للدراسات الكردية (EZKS)، عملت منذ 2016 على دعم المجتمع المدني السوري في صياغة دستور جديد من خلال مشروع "تقاسم السلطة من أجل سوريا موحدة"، حدثنا عن تلك الفترة؟
نظمنا ورش عمل منتظمة جمعت الخبراء بممثلي المعارضة السورية والمجتمع المدني، وذلك منذ اجتماع اللجنة الدستورية السورية في جنيف عام 2015 على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وقد نص القرار على ضرورة وضع دستور سوري جديد وحكومة انتقالية جديدة تكتسب شرعيتها من خلال انتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة، وتمكنا من المساهمة في هذه العملية، وكنا نراقبها كمستشارين ومستشارات.
لقد تألفت اللجنة من الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني، ولقد عملنا مع المعارضة والمجتمع المدني على المبادئ الأساسية لدستور لامركزي مثل حماية الأقليات والفيدرالية والفصل بين السلطات والديمقراطية المحلية.
لكن حكومة الأسد قاطعت هذه العمليات ولم يكن لدى الأمم المتحدة آليات لمعاقبتها. في ذلك الوقت، شاركت روسيا وإيران وتركيا أيضًا في عملية الأمم المتحدة بسبب قربها من نظام الأسد وجماعات المعارضة، بينما لم تكن هيئة تحرير الشام "هتش" الحاكمة الآن ضمن تلك العملية.
دعنا نفترض أنه ستكون هناك عملية دستورية، كما أعلن أحمد الشرع في مقابلة مع قناة العربية نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما الذي يمكن تطبيقه من عملك الآن؟
كما ذكر الشرع، (المعروف سابقًا بـ"الجولاني")، تحتاج سوريا الآن إلى لجنة لصياغة دستور جديد. نحن كالمركز الأوروبي للدراسات الكردية، بالتعاون مع أعضاء من المعارضة السورية والمجتمع المدني، لم نقم فقط بصياغة دستور لسوريا، بل أعددنا أيضًا دستورًا إقليميًا لإقليم كردي محتمل. ويمكن للوثيقتين أن تكونا الآن بمثابة أساس للنقاش.
ويبدو أن هناك حاجة فعلية لهذه الوثائق، فقد اتصل بي ممثل المجلس الوطني الكردي الأسبوع الماضي وطلب مني إرسال الوثائق التي عملنا عليها معًا في جنيف عام 2016، وتقدم هذه الوثائق إجابات على أسئلة مثل؛ ما هي الفيدرالية؟ وكيف يُعرّف المجلس الوطني النظام الفيدرالي؟
برأيك، ما أهمية وجود حكومة لامركزية في سوريا؟
من الواضح أن حكام سوريا الجدد يدفعون باتجاه حكم مركزي في سوريا، وهنا تكمن المشكلة في رأيي؛ هذا يعني تمركز السلطة في دمشق، ولن يتم اتخاذ أي قرارات على المستويين الإقليمي والمحلي.
مطلبي من أجل الديمقراطية في سوريا هو نقل أقصى قدر ممكن من السلطة في صنع القرار إلى المستوى المحلي. على سبيل المثال، السكان المحليون أكثر قدرة من السلطة المركزية في دمشق على تحديد المناطق التي يجب بناء مدارس فيها، كما أن الدولة التي تدار مركزيًا أكثر عرضة للفساد وأقل قدرة على الاستجابة للاحتياجات الفردية لشعبها.
كيف تقيّم سياسة الأمم المتحدة منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول؟
أرى أن هذا الأمر إشكالي. فمجموعة تُصنف كإرهابية من الأمم المتحدة تصل إلى السلطة، وأول رد فعل من الأمم المتحدة هو التسرع في التواصل معها- عمليًا ركعت أمامها.
أعتقد أن هذا يرسل إشارة خاطئة للسوريين. كذلك كمبدأ عام؛ هذا بمثابة أن تقول: يمكن لمنظمة ما أن تكون إرهابية وتنتهك حقوق الإنسان وتضطهد الناس، ولكن بمجرد وصولها إلى السلطة، يتم نسيان ماضيها. وهذا بدوره يضفي شرعية على الإرهاب، إن الأمم المتحدة وأوروبا تفقدان مصداقيتهما بسياستهما الحالية.
ما الذي يجب أن تفعله الأمم المتحدة بدلاً من ذلك؟
كان عليهم أن يبقوا على مسافة بعد سقوط الأسد. كانت الولايات المتحدة لا تزال تضع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي على الشرع حتى 21 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ولا تزال هيئة تحرير الشام على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب حتى اليوم. وعلى الرغم من ذلك، التقى جير أو بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا مع الشرع في 15 ديسمبر/ كانون الأول والتقط صورة معه، كما حرص الوفد النسائي المرافق له على ارتداء الحجاب.
"سقوط حلب يثبت مدى ضعف الأسد بدون حلفائه"
مع عودة الأزمة السورية إلى الواجهة وتجدد القتال بين فصائل المعارضة وقوات بشار الأسد، تحدثت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية بـ الإدارة الذاتية (الكردية) لشمال وشرق سوريا، لقنطرة عن الوضع في حلب ورؤيتهم لمستقبل سوريا.
كيف تقيّم سياسة ألمانيا تجاه الحكام الجدد في سوريا؟
لقد تعهدت ألمانيا بتقديم 60 مليون يورو ولكنها لن تُمنح لمؤسسات الدولة. وبدلاً من ذلك، على سبيل المثال، سيذهب 25 مليون يورو إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف، و19 مليون يورو إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بينما سيذهب الجزء المتبقي إلى منظمات محلية أصغر. أرحب بذلك الموقف بشدة، وإذا جرى تمويل مؤسسات الدولة، يجب أن يكون فقط تحت فرضية؛ تمويل بناء أجهزة الدولة الحديثة وليس للهياكل الإسلامية.
كما أرحب بتصريحات السيدة بيربوك عقب زيارتها لدمشق في 3 كانون الثاني/يناير 2025، التي قالت فيها إنه يجب حماية الأقليات، بما في ذلك الأكراد، ودمجهم سياسيًا. يجب أن تدرك الحكومة الحالية في سوريا أن الأموال المخصصة لإعادة الإعمار لن تتدفق إلا إذا التزمت بقيم مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وحماية الأقليات.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه ألمانيا أيضًا في إعادة الإعمار بجانب الدعم المادي؟
يمكن لألمانيا أن تساعد الآن في تمهيد الأرض للتصالح مع الماضي، وذلك استنادًا إلى تجربتها الخاصة في التعامل النقدي مع التاريخ. تتمثل الخطوة الأولى في تأمين وثائق النظام القديم وأرشفتها، حيث أنه من المعروف أن العديد من الوثائق من الأرشيف السوري وأجهزة الاستخبارات السورية قد تم إتلافها بعد 8 ديسمبر/ كانون الثاني أو ضاعت في الفوضى.
الأمر الثاني، تحتاج سوريا إلى نقاش حول ما يمكن إتاحته من وثائق ولمن، وما يحظر الوصول إليه لأن هذه معلومات حساسة. لقد تعامل الألمان مع هذه المسألة بشكل مكثف بعد النظامين النازي والاشتراكي واكتسبوا خبرة في كيفية التعامل مع مثل هذه الوثائق بشكل مسؤول.
إبان إدارة الرئيس الألماني السابق يواخيم غاوك، جرى حجب العديد من أسماء الضحايا لأسباب متعلقة بالخصوصية من أرشيف وثائق شتازي (أرشيف وثائق جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية السابقة)، فيما جرى السماح بالاطلاع على أسماء مخبري جهاز الأمن الداخلي، لهذا اقترح إنشاء مؤسسة في دمشق على غرار إدارة غاوك.
كيف كانت ردة فعل المركز الأوروبي للدراسات الكردية (EZKS) على سقوط الأسد؟ ما الذي تخططون له؟
لقد استأنفنا عملنا في دمشق، وقد كنت وبعض موظفينا وموظفاتنا هناك الأسبوع الماضي للاطلاع على الوضع. وتتمثل خطتنا في إنشاء مركز للديمقراطية تحت اسم "مركز التعليم الديمقراطي"، وقد تقدمنا بطلب للحصول على تمويل من وزارة الخارجية الألمانية.
نريد أن نوفر في هذا المركز المبادئ الدستورية التي طورناها، والمواد التعليمية والخبرات التي اكتسبناها خلال عقود في المنفى، كما سنقدم ورش عمل حوارية مع خبراء سوريين وأجانب في دمشق.
الحرية الغامضة
بين زيارة إلى أحد سراديب التعذيب لنظام الأسد ونقطة حراسة لمقاتلي المعارضة الإسلاميين، ولقاء مع رئيس أساقفة يتملكه القلق، ينقل كريم الجوهري من دمشق انطباعاته عن "سوريا الجديدة" في لحظة تاريخية فارقة.
على سبيل المثال، سنقدم ورشة عمل مع الطلاب حول كيفية بناء جامعة ديمقراطية والفرص المتاحة أمامهم للمشاركة واتخاذ القرار، وينطبق الأمر نفسه على المدارس أو النقابات العمالية الديمقراطية. نهدف إلى مناقشة كيفية عمل "الديمقراطية من الأسفل" واتخاذ القرارات على المستوى المحلي.
هل يمكن أن يتضمن هذا العمل أيضًا عملية للتعايش مع جرائم نظام الأسد؟
نعم، وفقًا لنفس المبدأ. هناك العديد من الخبراء في ألمانيا الذين هم على دراية كبيرة بكيفية الحفاظ على الوثائق وكيفية خلق مساحات لثقافة التذكر. يمكننا دعوتهم لنقل خبراتهم إلى المسؤولين من عين المكان، كما يمكننا في هذا المجال دعم الإدارة السورية أو الوزارات في هذا المجال.
لقد بدأ المركز الأوروبي للدراسات الكردية والعديد من منظمات المنفى السورية الأخرى ممارسة أنشطتها في سوريا بسرعة ملحوظة، هل هناك أي شعور بأنه يجب التحرك الآن أو عدم التحرك أبدًا؟
نحن في مرحلة انتقالية لا تزال فيها الكثير من الأمور ممكنة. أعتقد أننا يجب أن نستفيد من هذه المرحلة، إذ أننا لا نعرف ماذا سيحدث بعد خمسة أو ستة أشهر. إذا ظهرت هياكل استبدادية جديدة، فقد يكون من الصعب حظر العمل الذي جرى إنجازه حتى تلك اللحظة.
علينا أيضًا أن ندرك أنه لا يزال مئات الآلاف من الأشخاص في عداد المفقودين، ربما يكون مصير هؤلاء الأشخاص واضحًا من خلال وثائق الأجهزة السرية، من حق أقاربهم أن يعرفوا لماذا جرى اعتقالهم؟ ومن تعرض للتعذيب؟ وأين سجنوا؟ يكمن الخطر هنا في أن الأدلة ستختفي، لذا يجب أن نتحرك بسرعة.
قنطرة ©