فضاء إعلامي جديد في تونس لرفع مستوى الوعي بحقوق المثليين الجنسيين
يجلس "حسام" في مقهى على الشارع الرئيسي في تونس، حيث قابلتُه ولكنه لم يُرِد إخبارنا باسمه الحقيقي فهو يخاف من التمييز والترهيب الذي قد يتعرض إليه جراء ذلك. ويقول إنه يأبى أيضا التكلم مع وسائل الإعلام التونسية، ففي كثير من الأحيان لا يكون وراء المهمة صحفيون حقيقيون، على حد تعبيره.
حسام طالب يبلغ من العمر 20 سنة، وهو من المثليين جنسياً ويحاول عبرالإنترنت النضال من أجل حقوق المثليين جنسياً في تونس، ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعي ساعدتنا في الثورة، ونحن نريد الآن استخدام هذه الأدوات في النضال من أجل حقوقنا"، ويواصل حسام كلامه قائلاً: " البعض أيَّدنا في هذا العمل، ولكن كانت هناك أيضا ردود فعل سلبية كثيرة". فقد تعرض حسام مرارا وتكرارا إلى الشتم والسب والتهديد، على حد قوله.
وفي خضم التحولات السياسية العميقة التي تلت ثورة الياسمين في 24 من يناير، خرج المثليون في تونس إلى العلن، وطالبوا بالمزيد من الحريات والحقوق. وعندها قام حسام ومجموعة من المثليين الآخرين بإصدار مجلة إلكترونية مثيرة للجدل بعنوانGayday .
وتُعنَى هذه المجلة بقضايا المثليين جنسيا في تونس وغيرها من الدول العربية. والجدير بالذكر هو أن إصدار مجلة من هذا النوع كان أمرا مستحيلا في ظل ديكتاتورية زين العابدين بن علي. ولكن بعد سقوط النظام وجد المثليون أنفسهم أحرارا إلى حد ما في التعبير عن أنفسهم بحرية ودون خوف من الرقابة.
وقد أثارت مجلة "Gayday" الإلكترونية التي صدر أول أعدادها في السنة الماضية، انتباه العديد من التونسيين. مما أخرج الجدل حول المثليين في تونس والدول العربية إلى واجهة النقاش العلني.
المثلية الجنسية من المحرّمات الكبرى
المثلية الجنسية محظورة بحكم القانون التونسي. فالمادة 230 من قانون العقوبات لسنة 1964 تعاقب على اللواط والسحاقية بالسجن ثلاث سنوات، وهو ما يعتبر تهديدا واضحا لحقوق هذه الأقلية.
وهذا التهديد لا يقتصر على الجانب القانوني فقط بل السياسي أيضاً، فقد هدَّد سمير ديلو عضو حركة النهضة والوزير المكلف بحقوق الإنسان خلال برنامج حواري على قناة هنيبعل التونسية بمنع مجلة "Gayday"، معبّراً عن معارضته الشديدة للمثلية الجنسية ومشدداً على أن "حرية التعبير لها حدود".
ورغم اعترافه بوجود هذه الظاهرة في تونس، أشار سمير ديلو إلى "ضرورة مراعاة خطوط حمراء يحددها تراثنا وديننا وحضارتنا". وأضاف ديلو في سؤال آخر للمذيع: "من هو مريض فلا بد من أن يعالَج". ومن جهته يعتبر حسام هذه التصريحات"إهانة بطريقة سياسية لبقة". فالوزير لم يتحدث قط بشكل واضح وصريح على أن المثليين جنسيا هم مرضى.
توعية المجتمع " بتريث وثبات"
بالرغم من بروز العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الجديدة بعد انتفاضة يناير 2011 إلا أنه ليست هناك في تونس جمعية تختص بالدفاع عن حقوق المثليين جنسيا. وتبقى جمعية الاتحاد التونسي لدعم الأقليات هي الوحيدة التي لها رأي واضح في هذا الشأن.
فرئيسة الجمعية يامنة ثابت تطالب بمعاقبة التمييز ضد الأقليات مهما كان نوعها:" أحلم أن يأتي يوم يستطيع فيه التونسي المثلي جنسيا أن يمشي مرفوع الرأس في الشارع وأن يكون فخورا بنفسه، وأن يكون لديه الحق في الذهاب إلى أقرب مركز للشرطة وتقديم شكوى إذا تعرض للتمييز".
ويعتَبر حسام من مجلة "Gayday" أن أهم شيء في الفترة الراهنة هو توعية المثليين جنسيا بحقوقهم وتنوير المجتمع التونسي بهذه الظاهرة. وبالتالي الحصول على التقبل من المجتمع الذي طالب بالحرية والكرامة. فالمشكلة كما يعتقد حسام تكمن في الأساس في أن: "الناس لا يعرفون سوى القليل عن المثليين جنسيا".
وأما صعود الإسلاميين فليس هو جوهر المشكلة، على حد تعبيره. ولهذا فإن استراتيجية حسام وهدفه بالأساس يبقى هو العمل بتريث وبثبات لتغيير عقلية الخوف والصور النمطية السائدة عند التونسيين حول المثليين جنسيا. ويضيف ضاحكا: "إننا لن نبدأ على الفور بحفلة للمثليين في الشارع الرئيسي، فهذا من شأنه أن يكون إشارة سلبية لا تخدم مصالحنا و تسبب المزيد من الضرر".
ولكن المهم الآن هو رفع مستوى الوعي بحقوق المثليين وكسب المزيد من المؤيدين والمناضلين من أجل هذه الحقوق، على حد تعبير حسام، الذي لم يجرؤ حتى الآن على إخبار عائلته وأصدقائه بأنه مثليّ جنسياً، فهو يخاف من أن يقلب ذلك مسار حياته ويشتت شمله ويضيف: "ربما أخبرهم بذلك عندما أكون مستقلا ماليا وأملك بيتا خاصا. إنه أمر شاق أن تستيقظ كل يوم وأنت تخفي شخصيتك الحقيقية".
سارة ميرش
ترجمة: أمين بنضريف
تحرير: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012