فتح قلوب الأطفال الألمان على اللاجئين
عصفور اسمه "في مكان آخر" وقد جاء أيضًا من مكان آخر. وهذا أمر في حدّ ذاته يجده حيوان المرموط ظريفاً للغاية، ومضحكاً إلى درجة الموت. "في مكان آخر من مكان آخر": هل سمعتم شيئًا مثل هذا من قبل؟ الأطفال يقهقهون بسعادة.
ولكن بعد أن ضحك حيوان المرموط كثيرًا -واسمه أيضاً مرموط- على هذا العصفور الغريب ذي الريش الأصفر -الذي كان يرتجف من البرد ويشعر بأنَّه غريب جدًا ومتروك وحيدًا في الجبال المغطاة بالثلج- ها هو المرموط يشعر بالشفقة على هذا العصفور. ويدعوه لقضاء الليل في جحره، الذي دفأته اليراعات. مرة أخرى يجد العصفور في مكان آخر الحظ في محنته ومساعدًا يساعده في الهرب أثناء رحلته الطويلة والشاقة من دمشق إلى أوروبا.
وحول قصته المليئة بالمغامرات تتحدَّث مسرحيةٌ -مخصصة للأطفال فوق سنِّ الرابعة ومستمر عرضها حتى نهاية شهر أيَّار/مايو 2018- في مسرح "تيآتَر دير يونغن فيلت" (مسرح عالم الشباب والناشئين) في مدينة لايبتسيغ. يؤدِّي هذه المسرحية اللاجئ السوري صبحي شامي، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا. كان صبحي شامي يمارس التمثيل في حلب، وقد تعلـَّم في بيروت مسرح الدمى، وفي ألمانيا خلال أعوامه الثلاثة تقريبًا تعلـَّم اللغة الجديدة بشكل جيِّد مثير للدهشة، وهذا أداء مثالي لتقريب الأطفال الألمان من قضايا اللاجئين.
بناء الجسور من أجل المزيد من التفهُّم
وهكذا فكَّر أيضًا مدير هذا المسرح، يورغن تسيلينسكي، عندما تعرَّف في ورشة عمل على هذا الشاب السوري، الذي يدرس الفنّ الإعلامي في لايبتسيغ. يرى يورغن تسيلينسكي أنَّه لا بدّ من بناء الجسور من أجل المزيد من التفهُّم، خاصةً هنا في ولاية سكسونيا، حيث فاز "حزب البديل من أجل ألمانيا" القومي اليميني [الشعبوي] في العديد مناطق هذه الولاية بنسب تتراوح بين ثمانية عشر وسبعة وعشرين في المائة في الانتخابات.
لقد عرف يورغن تسيلينسكي على الفور أيضًا مَنْ هو الشخص الذي يجب عليه أن يستخدمه من أجل بناء هذه الجسور: شتيفان فولف-شونبورغ، وهو ممثِّلٌ قضى في فترة شبابه عدة أعوام في الشرق الأوسط بسبب عمل والده هناك، وفي وقت لاحق عمل لفترة في مسرح الحرّية في جنين في الضفة الغربية. طلب من يورغن تسيلينسكي قائلاً: "اُكْتبْ لي مسرحية حول اللاجئين للأطفال. فقد سبق لك أن عملت في فلسطين".
في البداية كان شتيفان فولف-شونبورغ متردِّدًا. وحول ذلك يقول: "أنا لم أكتب بنفسي أية مسرحية من قبل". بيد أنَّه تذكَّر بعد ذلك طفولته، عندما كان ينسج القصص لشقيقه قبل النوم. وقد تبيَّن أنَّ ذلك كان بمثابة مصدر إلهام في التحدي المتمثِّل في محاولة القيام بدور مزدوج جديد ككاتب ومخرج للمسرحية. وكانت النتيجة مسرحية مفعمة بالشعر، تم ربطها بطريقة رائعة مع واقع الحياة. وفي هذا الصدد يقول شتيفان فولف-شونبورغ: "لقد أردت أن أبيِّن ماذا یعني أن يکون المرء بعیدًا عن وطنه وأن یواجه غربته الخاصة".
عالم من مخلوقات الأوريغامي [فن طي الورق]
وهكذا يبدأ "العصفور في مكان آخر" اللعب باللغة. مع قرع طبول صاخبة يظهر على الخشبة الراوي صبحي شامي، مُتدثِّرًا بمعطف يشبه القفطان وترافقة دائمًا حقيبةٌ ثقيلةٌ، ويتحدَّث بمرح إلى جمهور الأطفال باللغة العربية. إلى أن يتبيَّن له فجأةً أنَّ الأطفال على الأرجح لا يفهمون اللغة العربية على الإطلاق. غير أنَّه يُعلـِّمهم العربية بدورة سريعة، التحيَّتين "سلام" وَ"مرحبًا"، وكذلك كلمة "مبروك" التي يهتف بها الجميع بصوت واحد قبل أن يُخرج قصَّته من الحقيبة.
ويا لها من أشياء مذهلة موجودة فيها: عالم كامل من مخلوقات الأوريغامي الورقية المطوية بشكل رائع، التي يبعث صبحي شامي فيها الحياة شيئًا فشيئًا. بالإضافة إلى الكثير من مستلزمات العرض المسرحي البسيطة، التي تتحوَّل إلى صحراء ورياح وأمواج. ولكن في البدء يسحب صبحي شامي كتابًا مصوَّرًا لمدينة دمشق. هناك في دمشق يعيش "نونو"، وهو صبيٌ صغير لديه عصفورٌ يحبُّ الحرِّية ويعيش في قفص مفتوح.
وبما أنَّ هذا العصفور يسافر أكثر مما يبقى في منزله، فقد اكتسب اسم "في مكان آخر". ولكن ذات يوم عندما عاد العصفور في مكان آخر من إحدى رحلاته، كانت العائلة قد ذهبت. هربت مثل الكثيرين من الناس، الذين يركضون في الشوارع، بسبب الحرب.
يبدأ العصفور "في مكان آخر" البحث وحيدًا. كان من الممكن أن يهلك ويضيع من دون امرأة تغنِّي له أغنيةً عند واحة لتُوَاسيه، ومن دون طائر اللقلق، الذي أخذه تحت جناحيه على الطريق عبر البحر الكبير، وطبعًا من دون المرموط، الذي وجد لديه مأوًى يؤويه في جبال الألب.
وبفضلهم يصل في نهاية المطاف إلى ألمانيا ويستقر متعبًا فوق برج كنيسة، ويختلف معه بسرعة على هذا المكان رهطٌ وقح من الغربان. ولحسن الحظ يظهر رئيسهم الكابتن كراكس كمنقذ له في هذا الظرف الصعب. وبأعجوبة يجد العصفور في مكان آخر صديقه نونو أيضًا، الذي وضع له طعامه المفضَّل المكوَّن من قطعة من التفاح على عتبة النافذة. وهذا يرمز لحالة لم شمل عائلي بنجاح.
الأطفال يتنفَّسون الصعداء. وحتى ذلك تابعوا الأحداث بشغف وإعجاب. ماذا يحملون معهم بعد مشاهدتهم المسرحية إلى البيت؟ ربَّما هذا السؤال - وبهذا يكون هذا العرض قد حقَّق في الواقع مغزاه الأعمق - "كيف يمكن أن يكون مصير الآخرين، الوافدين من مكان آخر؟".
الكاتب شتيفان فولف-شونبورغ يعبِّر عن ذلك بقوله: "هدفي هو فتح قلوب الأطفال وأرواحهم للآخرين من خلال هذه المسرحية". فعلى أية حال لم يبدأ المرء بذلك في وقت مبكر بما فيه الكفاية، خاصةً هنا في ولاية سكسونيا، التي تحتل مكان الصدارة في الاعتداءات المعادية للأجانب.
لقد قامت العديد من دور حضانة الأطفال بحجز أماكن في مسرحية اللاجئين هذه، حتى أنَّ صبحي شامي عرضها أيضاً في دار للمسنين أمام أشخاص مسنين وأطفال. وهو لا يحبُّ الحديث حول ملحمة هروبه الخاصة، ولا حول عائلته أيضًا، التي بقي بعض أفرادها في سوريا. وذكرياته من الحرب مخيفة أكثر من أن يُقْدِم على ذكرها.
ولهذا السبب فقد أصَرَّ أثناء إخراج المسرحية على عدم عرض اندلاع الحرب، عندما افترق العصفور في مكان آخر عن صديقه نونو. وأيضًا لأنَّه لا يريد إخافة الأطفال. وحول ذلك يقول: "هذا موضوع محزن. لذلك لا حاجة لتكرار صور الحرب".
إنغه غونترترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de