معرض الكتاب الدولي في الجزائر- تحسن في الرقابة وضعف في الفعاليات
قرار السماح بإقامة المعرض الدولي للكتاب (صالون الجزائر الدولي للكتاب) مجددا على أرض المعارض، شرق مركز مدينة الجزائر، يبدو أنه حقق المراد منه. إدارة المعرض بقيادة المفوض العام حميدو مسعودي بدت سعيدة بالمشاركة الكبيرة: فعلى مساحة المعرض التي تقدر بـ 14000 متر مربع، شاركت أكثر من 600 دار نشر من 40 دولة، وعدد الزوار ناهز النصف مليون خلال أيام المعرض العشرة، برز من بينهم حضور الشباب بشكل خاص.
وبشكل عام، شارك في معرض الكتاب، مقارنة مع السنوات السابقة، عدد أقل من دور النشر الدينية، مقابل زيادة في المنشورات في المجالات الأخرى. والجديد أيضا: انخفاض عدد الكتب التي مُنِعَت من المشاركة في معرض هذا العام، حيث بلغت 300 عنوان. أما في عام 2011 فكان العدد حوالي 400 عنوان، وفي عام 2010 وصل إلى 1000 عنوان ممنوع. وزيرة الثقافة خالدة تومي صرّحت للصحافيين قائلة "هذه ليست رقابة، ولكن استبعاد لعناوين معينة بسبب محتويات عنصرية أو استعمارية أو دينية متطرفة".
سوق نامية للكتاب
ولو قيّمنا الموضوع من الناحية العددية، فيمكن القول بأن النسخة السابعة عشرة من معرض الكتاب الدولي في الجزائر كانت ناجحة. ولكن لو قيّمنا ذلك من ناحية الزخم الثقافي والسياسي، فإن الحصيلة جاءت هزيلة للغاية. والسبب لا يعود بالتأكيد إلى الكتب المعروضة، فالأدباء الجزائريون بارعون في هذا السياق وينتجون باستمرار أدبا ذا مستوى عالمي، وقطاع الكتب في الجزائر يسجّل معدلات نمو مثيرة للإعجاب.
وبمناسبة احتفالات اليوبيل الذهبي أصدر الناشرون الجزائريون منشورات كثيرة مثيرة للاهتمام، والتي يتناول بعضها، بأسلوب جديد، حرب التحرير والبداية السياسية للأمة الجزائرية الناشئة منذ عام 1962. الكثير من هذه المنشورات تتحدث عن فرنسيين وأوروبيين من جنسيات أخرى، على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، من أولئك الذين كرسوا أنفسهم لخدمة "القضية الجزائرية"، والذين بقوا، بعد حرب الاستقلال، في الجزائر، لأنهم أرادوا المشاركة في إعادة بناء البلاد.
ومن الأمثلة على ذلك الدراسة الشاملة "Ni Valise ni cercueil" (لا حقيبة السفر ولا التابوت) للفرنسي بيير داوم، التي صدرت في 2012 عن دار نشر "اكتس سود". وكذلك كتاب السيرة الذاتية حول اليساري الفرنسي سيرج ميشيل، الذي كتبته ماري جويل روب وأصدرته دار النشر الشهيرة APIC، وهو الرجل الذي قام بتأسيس وكالة الأنباء الجزائرية. وأيضا الذكريات المؤثرة للزوجين الطبيبين بيار وكلودين شوليه، في الطبعة الأصلية عن دار برزخ للنشر.
تضامن مع الجزائر
الاهتمام الطاغي للجمهور بهذا الجانب من التاريخ الحديث للجزائر تجلّى في محاضرة للمؤرخ فريتز كيللر من فيينا، وذلك كجزء من برنامج صالون الجزائر الدولي للكتاب، حيث قدّم كتابه الأحدث حول التضامن مع الجزائر في النمسا خلال فترة الخمسينات والستينات. شهدت المحاضرة حضورا جماهيريا جيدا، والاهتمام بالحصول على مزيد من المعلومات وعلى ترجمات للموضوع كان ملحوظا. ولهذا فسيكون إصداره القادم، وهو كتاب حول سيرة الناشط الجزائري، الألماني المولد، وينفرد موللر (المعروف باسم "سي مصطفى") والذي توفي في عام 1993، "باللغتين الألمانية والعربية"، كما يقول كيللر.
هناك أيضا طلب على كل ما يتعلق بالدور الألماني في الحرب الجزائرية: إحدى دور النشر الجزائرية أعلنت أنها ستقوم في العام المقبل بترجمة كتاب "حمالو الحقائب"، للعالم الألماني كلاوس ليغيفي، إلى اللغتين الفرنسية والعربية. الكتاب النحيف، الذي صدر لأول مرة عام 1984 عن دار النشر البرلينية "الكتاب الأحمر"، يقدم رؤى ساحرة حول التضامن مع الجزائر في ألمانيا - كونراد، خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وإلى جانب تاريخ التضامن مع الجزائر، تناول البرنامج المصاحب للنسخة السابعة عشرة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب موضوعا مستقبليا، وهو النشر الرقمي. وإن كان الكتاب الإلكتروني في الجزائر ليس له، في الوقت الحالي، فرصة تذكر، كما يرى الناشر الشاب سفيان حجاج في إحدى الحلقات النقاشية التي ضمت، إلى جانبه، ممثلة عن معرض فرانكفورت للكتاب. ولكنه يتوقع أن الهواتف النقالة ستلعب، خلال السنوات المقبلة، دورا رئيسيا في انتشار الكتب والمعرفة.
وفي هذا المجال، يمكن أن تصبح الجزائر سوقا جيدة. ويضيف حجاج بالقول: "معظم الناس في الجزائر ليس لديهم، في الواقع، جهاز كمبيوتر، ولكن لديهم هاتف نقّال. وهنا يوجد المستقبل"، كما يشير حجاج إلى تطورات في هذا المجال عرفتها بعض بلدان أمريكا اللاتينية. 1962- 2012، خمسون عاما من الاستقلال: كان يمكن لليوبيل الذهبي أن يكون فرصة ممتازة لمعرض الجزائر للكتاب، لكي يغيّر أخيرا الصورة السلبية التي عُرفت عن المعرض، ويقدم نفسه على أنه حدث ثقافي حقيقي – وليس سوقا للكتب فقط، وإنما للأفكار والنقاشات أيضا.
غياب الندوات مع الكُتّاب المستقلين
كان يمكن مثلا تنظيم ندوات يُدعى إليها مؤلفون بارزون مثل أمين زاوي، وكمال داود، وكوثر عظيمي، أو حتى بعض رسامي الكاريكاتير الموهوبين الشباب. كان يمكن أن يناقشوا الأوضاع في بلادهم. وجودهم كان سيمثل ثقلا يحقق التوازن مع آلاف الزوار الذين احتشدوا بأزيائهم ذات الطابع الديني أمام أجنحة الكتب الدينية. ولكن الفرصة ضاعت.
إلى ماذا يمكن أن يُعزى ذلك؟ هل بسبب تهديد الرقابة؟ أم الفوضى المحتملة؟ أو ربما كلا الأمرين على حد سواء؟ الأمر الثابت هو: لم يكن هناك، في أهم حدث ثقافي هذه السنة في الجزائر، سوى عدد قليل من الصحفيين المعتمدين القادمين من الخارج. وعلى الموقع الإلكتروني باللغة الفرنسية لصالون الجزائر الدولي للكتاب، كانت قائمة "أحداث وفعاليات"، حتى بعد مضي يومين على بدء المعرض، شبه خالية. ومن أراد أن يعرف ماهي الفعاليات التي تجري وأين، كان عليه إما أن يمتلك قدرات في علم الغيب، أو أن يتكبد عناء البحث بنفسه ويدور على أجنحة دور النشر المشاركة كل على حدة.
ومع ذلك، فقد سُمِح، هذه المرة، بعرض بعض الأعمال التي كانت ممنوعة رقابيا، من بينها رواية ظلت محظورة لفترة طويلة للفائز بجائزة السلام التي يمنحها اتحاد تجارة الكتب الألماني، بوعلام صنصال. وكذلك كتاب سياسي للصحافي محمد بن شيكو. وإلى جانب الكاتبين الكلاسيكيين الراحلين مولود فرعون ورضا حوحو، جرى تكريم ثلاثة كتاب معاصرين، هم رشيد بوجدرة، وآسيا جبار، وياسمينة خضرا (وهو الاسم المستعار للكاتب محمد مولسهول). ولكن الفعاليات العامة أقيمت في توقيت غير مناسب للأسف، مما حرم عددا كبيرا من الجمهور من حضورها.
وفي اليوم التالي بعد انتهاء المعرض، أحسن رسام الكاريكاتير الجزائري المشهور، علي ديلم، التعبير عن الموقف، بإحدى رسوماته الفذة: أحد زوار المعرض يسأل مكتب الاستعلامات ما إذا كان هناك أي كتب عن إنجازات الجزائر بعد 50 عاما من الاستقلال. فتجيبه السيدة في مكتب الاستعلامات بلطف: "أدب الخيال؟ هناك، في الجزء الخلفي، لو سمحت!" الصحافي الجزائري حسن غراب، من صحيفة "لا تريبون" يلخص حكمه على النسخة السابعة عشرة من معرض الكتاب الدولي في الجزائر بهذا التعليق: "تحدي الكيفية ما يزال قائما". عبارة أصابت كبد الحقيقة.
مارتينا صبرا
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012