دمويون بلا حدود - إرهاب ضد كنائس سريلانكا مقابل إرهاب ضد مساجد نيوزلندا؟
تبنّى تنظيم الدولة الإسلامية يوم الثلاثاء 23 / 04 / 2019 في بيان اعتداءات سريلانكا الدامية التي استهدفت يوم الأحد كنائس وفنادق فخمة وأودت بحياة أكثر من 320 شخصاً، بينما نشرت وكالة أعماق التابعة له صورة لثمانية عناصر خلفهم راية التنظيم، قالت إنهم نفذوا الهجمات.
وتعد حصيلة قتلى سريلانكا الأعلى جراء هجمات شنها التنظيم خارج سوريا والعراق، منذ اعلانه "الخلافة الإسلامية" في العام 2014 على مناطق شاسعة كانت تحت سيطرته.
وتناقلت حسابات جهادية على تطبيق تلغرام بياناً أورد فيه التنظيم المتطرف الأسماء الحربية لسبعة من عناصره من دون أن يُحدّد جنسياتهم، جاء فيه "انطلق الإخوة الانغماسيون أبو عبيدة وأبو المختار وأبو خليل وأبو حمزة وأبو البراء وأبو محمد وأبو عبدالله نحو عدد من الكنائس وفنادق يتواجد فيها رعايا من التحالف الصليبي". وذكر أنّ الاعتداءات على الكنائس استهدفت من وصفهم بـ"المحتفلين بعيدهم الكفري" في إشارة إلى عيد الفصح.
ووصف التنظيم المتطرف الهجمات بـ"الغزوة المباركة"، موضحاً أن أحد عناصره فجّر سيارة مفخخة في كنيسة في كولومبو فيما فجر اثنان آخران سترتيهما الناسفتين في كنيستين أخريين. واستهدف ثلاثة عناصر آخرون، وفق البيان، ثلاثة فنادق حيث "فجروا عدداً من العبوات الناسفة ثم فجروا ستراتهم الناسفة على الصليبيين".
وفي وقت لاحق الثلاثاء، نشرت وكالة أعماق الدعائية التابعة للتنظيم صورة لم يتسنّ لفرانس برس التحقّق من دقتها، يظهر فيها سبعة أشخاص يرتدون عباءات رمادية موحدة، يحمل ثلاثة منهم سكاكين ويتوسطهم شخص يحمل سلاحاً رشاشاً ويكشف وجهه بخلاف البقية الملثمين. ويقف خلف المجموعة شخص ثامن يظهر رأسه الملثم فقط، وتظهر وراءهم راية التنظيم السوداء. وكانت أعماق أفادت ظهر الثلاثاء أن منفذي الهجوم "من مقاتلي الدولة الإسلامية" من دون تفاصيل أخرى.
وهزت ثمانية تفجيرات الأحد مناطق عدة في سريلانكا المعروفة بطبيعتها الخلابة ما يجعلها مقصدا سياحيا هاما. واستهدف الانتحاريون ثلاثة فنادق فخمة على الشريط الساحلي وكنيسة في العاصمة كولومبو، كما انفجرت قنابل في كنيسة في نيغومبو وأخرى في باتيكالوا في شرق البلاد. وبعد بضع ساعات، وقع انفجاران جديدان داخل فندق في ديهيوالا في ضاحية جنوب كولومبو، وأوروغوداواتا في شمال العاصمة.
وجاء تبنّي التنظيم بعيد تأكيد مصدر قريب من التحقيق لوكالة فرانس برس الثلاثاء أن شقيقين مسلمين نفذا التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا فندقي شانغري-لا وسينامون غراند ضمن سلسلة الاعتداءات.
ونسبت السلطات السريلانكية الاعتداءات إلى مجموعة إسلامية صغيرة غير معروفة كثيراً هي "جماعة التوحيد الوطني"، إلا أنها قالت إنها تحقق في ما إذا كانت الجماعة حصلت على دعم خارجي.
وبدأت سريلانكا الثلاثاء فترة حداد وطني مع ثلاث دقائق صمت تكريماً لضحايا الاعتداءات. وأعلن وزير الدولة لشؤون الدفاع روان ويجيورديني أمام البرلمان أن "التحقيقات الأولية كشفت أن ما حدث في سريلانكا كان رداً انتقامياً على الهجوم ضد المسلمين في كرايست تشيرش" في نيوزيلندا.
وقتل 50 شخصا في مجزرة استهدفت مسجدين في المدينة النيوزيلندية في 15 آذار/مارس الماضي 2019.
ورغم تجريده الشهر الماضي مارس / آذار 2019 من مناطق سيطرته في سوريا، لا يزال التنظيم يتبنى تنفيذ اعتداءات وتفجيرات عدة حول العالم.
جماعتان سريلانكيتان أحدها إسلاموية والأخرى إسلامية
لكن من تكون جماعة "جماعة التوحيد الوطنية" (NTJ) المتهمة بتنفيذ التفجيرات الإرهابية في سريلانكا؟ وما العلاقة بينها وبين جماعة أخرى تحمل اسم جماعة "التوحيد" السريلانكية (SLTJ)؟
وكانت الحكومة السريلانكية حمّلت مسؤولية التفجيرات الإرهابية التي استهدفت كنائس وفنادق فخمة عبر أرجاء البلاد لـ "جماعة التوحيد الوطنية"، المعروفة اختصاراً بـNTJ، وهي جماعة شبه مجهولة، لا تتوافر عنها الكثير من المعلومات.
اسم الجماعة ترّدد قبل الإعلان الرسمي، إذ قالت وكالة "فرانس برس" إن قائد الشرطة السريلانكية أصدر قبل أيام تحذيراً، بناءً على معلومات استخباراتية أجنبية، مفاده أن الجماعة المعنية تخطط للهجوم على كنائس وعلى مفوضية الهند في كولوبو.
وبحسب نسخة غوغل من موقعها الإلكتروني (توقف عن العمل)، تقول هذه الجماعة إنها منظمة أنشئت لأجل توضيح مقاصد الإسلام، والقيام بأنشطة خيرية، يوجد مقرها في كاتانكودي، على الساحل الشرقي من البلاد، وهي واحدة من المدن التي يتركز فيها المسلمون في سريلانكا. ويُعتقد أن الجماعة كانت تغطي بإعلان العمل الخيري على أنشطتها الحقيقية.
وتتحدث جماعة NTJ عن أنها تعمل مع أربعة من "العلماء المسلمين"، واحد منهم يحمل اسم زهران، وقد تردد هذا الاسم بعد ساعات من الهجوم على أنه من منفذي التفجيرات تحت اسم زهران هاشم.
ووفق ما نشره أكثر من مصدر إعلامي، فقد اتُهم أعضاء من جماعة NTJ بسرقة معابد بوذية في البلاد. غير أنه لم يرد اسمها سابقا في قوائم الإرهاب الدولية. ويقترب اسم جماعة "التوحيد الوطني" من اسم جماعة أخرى هي جماعة "التوحيد" السريلانكية، المعروفة اختصاراً بـSLTJ، وهي منظمة إسلامية معروفة في سريلانكا، تنشط هي كذلك حسب موقعها في النشاط الخيري، أو في النشاط الدعوي.
غير أنه لم تثبت بعد وجود روابط بين الجماعتين، عدا التشابه في الإسمين، وحسب ما نشرته بي بي سي (BBC)، يُعتقد أن جماعة NTJ انفصلت عن جماعة SLTJ.
تضامن مع الضحايا
ونشرت جماعة التوحيد السريلانكية على حسابها في فيسبوك بياناً أدانت من خلاله الهجمات، وعبرت عن "تعاطفها العميق مع من فقدوا حياتهم ومع الجرحى".
وتابعت: "تفكيرنا وصلواتنا من أجل العائلات التي فقدت أحبائها في هذه التراجيديا". وطالبت الجماعة من الحكومة السريلانكية أن تعمل على تقديم مرتكبي هذه "الجريمة الشنيعة" إلى العدالة، كما أوصت الجماعة بمعاقبة مرتكبي التفجيرات بـ"الإعدام لأجل منع تكرار مثل هذه الجرائم، بغض النظر عن عقيدتهم ودينهم".
ودعت الجماعة إلى تشجيع العمل الإنساني وخاصة التبرع بالدم لصالح ضحايا التفجيرات، مؤكدة إنها تنظم حملة في هذا السياق. ووفق موقعها الإلكتروني، تركز الجماعة على إظهار أنها مهمتة بالعمل الخيري، وبنشر العقيدة الإسلامية، خاصةً ما يتعلق بعلوم القرآن.
وسبق لجماعة التوحيد السريلانكية، أن دعت، برفقة الجبهة الإسلامية للتضامن، المسلمين عبر العالم إلى التنديد بالعمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "داعش"، وفق ما ذكرته صحيفة إيسلاند عام 2016، التي نقلت على لسان أمين الجماعة، عبدول رازق: "داعش لا علاقة له بالإسلام، وعلى الحكومة ألا تتردد في حظر هذا التنظيم في البلاد، نحن مستعدون للمساعدة إذا رغبت الحكومة في ذلك".
ماضٍ من التوترات
غير أن البحث في أرشيف الجماعة الأخيرة يُظهر عَدداً من التوترات التي جمعتها بأطياف دينية أخرى، خاصة المكوّن البوذي المهيمن على البلاد، وبالعودة إلى ما نشرته الصحافة السريلانكية الناطقة بالإنجليزية، فقد سبق للسلطات الأمنية اعتقال عبدول رازق، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بتهم تتعلق بشتم الديانة البوذية.
التهم تعود إلى تصريحات أطلقها رازق ضد بعض المجموعات السياسية البوذية، خلال مظاهرة احتجاجية لجماعة "التوحيد" السريلانكية على تعديلات كانت الحكومة السريلانكية ترغب بتمريرها على قانون الزواج الإسلامي. والمثير أن الاعتقال جاء بعد تهديدات خطيرة أطلقها الأمين العام للمنظمة اليمينية "بودو بالا سينا"، المعروفة اختصاراً بـBBS، واسمه أتي غناناسارا، خيّر فيها بين الإسراع في اعتقال عبدول رازق أو وقوع حمام دم.
ورُفعت قضية أخرى ضد رازق، عام 2017، وهو وستة أعضاء آخرين من الجماعة، بتهم تخص إصدارهم تعليقات مهينة بحق بوذا، وإيذاء مشاهير المجتمع البوذي في البلد، في فيديو يعود إلى عام 2013، لم ينتشر إلا لاحقاً. وقد اعتذر أعضاء الجماعة الستة الآخرين عن محتوى الفيديو بحسب محاميهم.
ونقلت صحيفة "أداديرانا" السريلانكية أن عدة جمعيات إسلامية تدخلت في المحكمة وطالبت هيئة القضاء بمحاكمة رازق ورفاقه بأقصى العقوبات حرصاً على التعايش في المجتمع السريلانكي، وهو ما يؤكده تقرير نُشر في عام 2016 لمدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية، التابعة لجامعة التكنلوجيا بنانيانغ في سنغاورة، يشير إلى أن الغالبية من المسلمين السريلانكيين ضد هذه الجماعة.
وأشار التقرير ذاته إلى قيام مظاهرات في العاصمة كولومبو عام 2015 للاحتجاج ضد زيارة مرتقبة من متشددي جماعة التوحيد الناشطة في إقليم تاميل نادو الهندي، واختصارها TNTJ، بعد دعوة من جماعة التوحيد السريلانكية. ويقول التقرير إن السلطات السريلانكية منشغلة بـSLTJ، التي هي "حركة وهابية"، خاصة أنها تنتشر في البلاد انطلاقاً من الشرق منذ عام 2009، ومن الممكن أن تصير هذه الجماعة "بوابة لانضمام المتشديين السريلانكيين إلى تنظيمات أخرى كـ'داعش' لأجل القتال داخل البلاد وخارجها".
إسماعيل عزام / أ ف ب
حقوق النشر: دويتشه فيله / أ ف ب 2019