الصمت عن جرائم بوتين في سوريا جعله يعربد في أوكرانيا
لقد فعلها فلاديمير بوتين - فالقوَّات الروسية تهاجم أوكرانيا. يمثِّل الجنود والطائرات المقاتلة الروسية بالنسبة للناس في سوريا جزءًا من حياتهم اليومية منذ سنوات، لأنَّ موسكو تستخدم قوَّاتها لتحافظ على بقاء بشار الأسد في السلطة. وتكشف أساليب بوتين في سوريا عن نهج سياسته الخارجية ووعيه الجيوستراتيجي. لقد ميَّزت في ذلك أربعُ سمات نهج رئيس الكرملين بشكل مبدئي.
أوَّلًا: بوتين يريد كسب الاحترام
يسعى الرئيس الروسي إلى الحديث مع الأقوياء في هذا العالم بشكل متكافئ. فهو يقود إمبراطورية ويريد أن تتم معاملته بما يتناسب مع ذلك. وهذا بالضبط ما حقَّقه في سوريا - بثقل روسيا الدبلوماسي وقوَّتها العسكرية وبالدعاية السياسية.
وبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة تضع موسكو يدها الوقائية على الأسد منذ أحد عشر عامًا، وقد منعت روسيا ستة عشر قرارًا خاصًا بسوريا بين عامي 2011 و2020. ومن خلال ذلك لا يمكن إحالة جرائم النظام السوري بموجب القانون الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ويُسيء النظام من أجل بقائه في السلطة استخدام مساعدات الأمم المتَّحدة، التي تبلغ قيمتها مليارات وتُمَوِّل ثمانين في المائة منها الولايات المتَّحدة الأمريكية وأوروبا، لأنَّ المساعدات يجب توزيعها بالاتفاق مع دمشق ولذلك فهي لا تصل إلى السوريين الأكثر حاجةً وعوزًا، بل إلى السوريين الأكثر ولاءً للنظام.
وفقط محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المتطرِّفين والتي تعتبر ملاذًا لملايين من معارضي الأسد، ما تزال تتلقى وحدها مساعدات إنسانية مباشرة من الخارج. ووصول هذه المساعدات إلى إدلب عبر الحدود يجب أن يتم تمديده كلّ ستة أشهر من قِبَل مجلس الأمن الدولي، ليستجدي الغرب من بوتين السماح له بتقديم المساعدة الإنسانية. لقد أحرز رئيس الكرملين على المستوى الدبلوماسي في سوريا تقدُّمًا كبيرًا.
وعندما لا يمكن منع القرارات، تُخفِّف روسيا من حدة محتواها. وأفضل مثال على ذلك هو القرار رقم 2254 الصادر في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2015 - أي وثيقة الأمم المتَّحدة، التي لا تزال تستند إليها جميع الجهات الفاعلة في الأزمة السورية حتى يومنا هذا. لقد جاء هذا القرار نتيجة محادثات مكثَّفة بين موسكو وواشنطن، بادرت في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 مع مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بسوريا بالمبادرة الدبلوماسية الوحيدة الجادة من أجل حلّ النزاع.
وكان كلا البلدين في ذلك الوقت منخرطين عسكريًا في سوريا - الولايات المتَّحدة الأمريكية منذ شهر أيلول/سبتمبر 2014 من أجل محاربة ما يعرف باسم الدولة الإسلامية (داعش)، وروسيا منذ شهر أيلول/سبتمبر 2015 من أجل إنقاذ الأسد، الذي فقد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد. وكان وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره في ذلك الوقت جون كيري يعتبران بعضهما متساويين - وذلك بعد عام ونصف العام فقط من إقدام الرئيس باراك أوباما في شهر آذار/مارس 2014 على التقليل من قيمة روسيا واعتبارها "قوة إقليمية".
والقرار رقم 2254 يطالب بإنهاء الهجمات على المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق وكذلك بالإفراج عن المعتقلين اعتقالًا تعسُّفيًا. لقد حاول طيلة أشهر لافروف وكيري التخفيف من حدة التصعيد - ولكن من دون نجاح. وذلك لأنَّ القرار رقم 2254 يحتوي وبتحريض من موسكو على ثغرة - وهي ثغرة "الحرب على الإرهاب".
إذ إنَّ نصّ هذا القرار يسمح وبصيغة واضحة بمواصلة الهجمات على المجموعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وكذلك "الجماعات المتحالفة معها". وهذا هو التصريح المطلق، الذي يحتاجه نظام الأسد من أجل الاستمرار في حصاره وقصفه جميع مناطق المعارضة والاستمرار بالتالي في حربه ضدَّ المدنيين.
وروسيا لم تصبح فقط الشريك الحاسم في هذه الحملة، بل باتت تغيِّر قواعد لعبة هذه الحرب. واعتبارًا من صيف عام 2015، أرسل بوتين بناءً على طلب من الأسد قوَّات ومعدَّات عسكرية - وذلك على أمل أن يُنهي من خلال الانخراط في سوريا أيضًا العزلة الدولية المفروضة عليه نتيجة ضمِّه شبه جزيرة القرم قبل عام من ذلك. وقد منحت دمشقُ موسكو الحقَّ في أن تستخدم هذه الأخيرةُ - بشكل مجاني وإلى أجل غير محدود - مطارَ حميميم الواقع جنوب شرق اللاذقية، والذي وسَّعه بوتين إلى قاعدة جوِّية روسية تستطيع الهبوط فيها الآن قاذفات قادرة على حمل أسلحة نووية.
والإمداد بالأفراد والأسلحة يتم أيضًا عبر القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والتي تحتفظ بها موسكو منذ عام 1977. وهي منفذ روسيا الوحيد إلى البحر الأبيض المتوسِّط وتعتبر ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وذلك لأنَّ بوتين يريد استخدامها في منع هيمنة حلف الناتو على البحر الأبيض المتوسِّط. ومن طرطوس انطلقت مؤخرًا السفن الحربية الروسية باتجاه أوكرانيا، وبالتالي فإنَّ موسكو باتت تستخدم هذه القاعدة بهدف مواجهة توسُّع حلف الناتو.
لقد تغيَّر الوضع في عام 2015 مع دخول روسيا الحرب إلى جانب الأسد. وبما أنَّ بوتين قد تدخَّل بطلب من دمشق فإنَّ انتشار قوَّاته في سوريا لا ينتهك القانون الدولي - بعكس حربه العدوانية الحالية على أوكرانيا. غير أنَّ انتهاكه القانون الدولي يتجلى في طريقة قيادته الحرب. فسلاح الجو الروسي يقصف مناطقَ سكنيةً في سوريا من دون مراعاة المدنيين وكثيرًا ما تم توثيق استهداف غاراته المستشفيات والمدارس والأسواق وكذلك استخدامه القنابل الحارقة والذخائر العنقودية والقنابل الفراغية في مناطق مدنية وهذا لا يبشِّر بالخير بالنسبة لشعب أوكارانيا.
وتُقدِّر منظمة إيروارز Airwars غير الحكومية، التي تُوثِّق الغارات الجوية لجميع الأطراف المتحاربة في سوريا مقتلَ أكثر من ثلاثة وعشرين ألف مدني بسبب روسيا، بينما تدَّعي موسكو عدم تضرُّر أي مدني نتيجة غاراتها.
وهذا التناقض الصارخ يزيد من أهمية أداة بوتين الثالثة - أي نشر المعلومات المضللة. فهو يستخدم أحيانًا الدعاية البشعة من أجل تشويه سمعة خصومه ولتبرير تصرُّفاته الخاصة.
Putin hat in Syrien über Jahre hinweg gezielt Schulen und Krankenhäuser bombardieren lassen. Warum sind immer noch so viele Menschen über seine Brutalität überrascht?
— Maximilian Popp (@Maximilian_Popp) February 24, 2022
التغريدة: يستهدف بوتين منذ سنوات عديدة بغاراته وقنابله المدارس والمستشفيات في سوريا. فلماذا لا يزال الكثيرون يندهشون من وحشيته؟
أمَّا اتهامه أوكرانيا بارتكابها "انتهاكات وإبادة جماعية" فهذا ليس مفاجئًا لمراقبي سوريا. فعلى سبيل المثال يقوم الكرملين منذ عام 2016 بالتحريض ضدَّ منظمة الدفاع المدني التطوُّعية السورية "الخوذ البيضاء" - الحاصلة على جائزة نوبل البديلة والتي توثِّق بواسطة كاميرات محمولة ومثبَّتة على الخوذ عمليات الإنقاذ التي تقوم بها. وهذا يجعلها خطيرة بالنسبة لروسيا - فمقاطع الفيديو التي تنشرها هذه المنظمة تعرض بانتظام المدنيين ضحايا الغارات الصاروخية الروسية.
ومن محاولات روسيا الوقحة أيضًا اتهام الآخرين بجرائم الأسد وإلباسهم بها وكأنها ارتُكِبَتْ تحت "راية مزيَّفة" للأسد. وقد حقَّقت في ذلك نجاحًا مخيفًا خاصة في استخدام الأسلحة الكيماوية. فحتى عندما استنتج محقِّقو الأمم المتَّحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) - مثلما حدث في حالة الهجوم بغاز السارين في شهر نيسان/أبريل 2017 على بلدة خان شيخون - أنَّ دمشق كانت هي المسؤولة عن الهجوم بهذا الغاز السام، فما تزال تنتشر وبكلّ صلابة في الرأي نسخٌ أخرى عن هذا الهجوم، وذلك لأنَّ روسيا ترفض التحقيقات باعتبارها غير جادة ولا تزال تقدِّم ادعاءات غامضة حتى يومنا هذا. لقد أتقن بوتين في سوريا الاستراتيجية الإعلامية المتمثِّلة في نشر العديد من الروايات والتناقضات حول حدث معيَّن لكي تبدو الحقيقة في آخر المطاف مجرَّد واحدة من نسخ عديدة ممكنة.
ثانيًا: بوتين تكتيكي وليس استراتيجي
لم تكن توجد لدى الرئيس الروسي في عام 2011 أية إستراتيجية طويلة الأمد من أجل سوريا، على الرغم من أنَّ الأمر قد يبدو كذلك عند النظر إلى الماضي. فقد جاء قرار إبقاء بشار الأسد في السلطة بعد استعراض الناتو عضلاته في المنطقة، وخاصة في ليبيا.
لقد مكَّن امتناع موسكو في شهر آذار/مارس 2011 عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة حلفَ الناتو من التدخُّل في ليبيا، والذي قصف بدوره بعد وقت قصير نظام معمر القذافي وأخرجه من الوجود، على الرغم من أنَّ هذا التدخُّل كان يهدف فقط بحسب تفويض الأمم المتَّحدة إلى حماية المدنيين.
وهكذا قرَّر بوتين أنَّ هذا لن يحدث أبدًا وتحت أي ظرف من الظروف في سوريا. فالأسد هو في آخر المطاف آخر حليف لموسكو في الشرق الأوسط بعد أن كانت المنطقة قد سقطت كلها تقريبًا تحت النفوذ الأمريكي على مدار العقد الأوَّل من القرن الحادي والعشرين.
ولذلك فإنَّ خطة بوتين من أجل دمشق تقتصر على منع أي تغيير مدعوم من الغرب في النظام السوري.
لقد طوَّر رئيس الكرملين نفسه ليصبح أقوى نصير يحمي الأسد، وبات لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لجميع الأطراف المعنية وصار في النهاية يمسك بزمام الأمور في يده.
وبوتين لا يتَّبع في ذلك أية حسابات ثابتة، بل يتفاعل مع الأحداث الجارية - والتي كلما كانت أكثر ديناميكية كان ذلك بالنسبة لبوتين أفضل. وذلك لأنَّه يستطيع بصفته حاكمًا سلطويًا متهوِّرًا أن يستخدم كلَّ أزمة لصالحه، في حين يتعيَّن على السياسيين الغربيين أخذ الرأي العام في عين الاعتبار وإشراك برلماناتهم والتصويت على أي عمل.
وهكذا استطاع بوتين في شهر أيلول/سبتمبر 2013 تنفيذ انقلابه التكتيكي الأكبر. فبعد الهجمات بالغازات السامة على مناطق في ريف دمشق بتاريخ الـ21 من آب/أغسطس، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف وأربعمائة شخص، كان الرئيس الأمريكي أوباما مضطرًا إلى فعل شيء. فقبل ذلك بعام واحد فقط كان قد وصف استخدام الأسلحة الكيماوية بالخطّ الأحمر، ولكنه بات يريد الآن أن يتجنَّب على أية حال القيام بضربة عسكرية بسبب خشيته من احتمال تورُّط الولايات المتَّحدة الأمريكية في حرب أخرى.
وساعده بوتين في الخروج من مأزقه هذا. فقد ألزم النظامَ السوري بالتخلُّص من أسلحته الكيماوية بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وقد قدَّم بوتين بذلك لأوباما ذريعةً مُرَحَّبًا بها لعدم قيامه بهجوم. وبدلًا من معاقبة الأسد على قتل مئات المدنيين بالغاز، أصبح شريكًا وحصل بعد ذلك بوقت قصير مفتشو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على جائزة نوبل للسلام وبدا بوتين بمثابة مدير أزمات بالإمكان الاعتماد عليه.
يتنهز بوتين أية فرصة للعمل فور ظهورها لأنَّ الأطراف الفاعلة الأخرى - وخصوصًا الغربية - تترك فجوة. وبالتالي يجب من أجل إدارة الصراع مع بوتين عدم التردُّد، بل السير بطريقة مُتَّسقة ويمكن التنبؤ بنتائجها.
ثالثًا: بوتين لا يبالغ في تقدير حجمه
ومهما كان ما تقوم به روسيا في سوريا فإنَّ بوتين يعرف حدوده. وسوريا بعكس أوكرانيا بعيدة جغرافيًا وعاطفيًا بالنسبة لمعظم المواطنين الروس. وبالتالي فإنَّ التدخُّل الروسي في سوريا لا يتمتَّع باهتمام شعبي واسع وبوتين يحرص على التقليل من خسائره. وقد اقتصر منذ البداية مهمته على المستشارين العسكريين والقوَّات الجوية وبعض وحدات البحرية والقوَّات الخاصة - بمن فيها مرتزقة مجموعة فاغنر - وهي شركة أمنية خاصة مقرَّبة من الكرملين وقد تم استخدامها أيضًا في شبه جزيرة القِرْم.
أمَّا الحرب على الأرض فهو يتركها للآخرين وعلى رأسهم إيران، التي تقوم بتشكيل قوَّات الدفاع الوطني السورية على غرار الحرس الثوري الإيراني. وهذه القوَّات تستعيد السيطرة على مناطق المعارضة لصالح الأسد، ولكن هذه المناطق يمكن أن تضيع من دون الدعم الجوي الروسي. ومن هذه الناحية، يقدِّم بوتين ومن دون المخاطرة بالكثير ما يحتاجه النظام بالضبط: الخبرة والتكنولوجيا الحديثة بأقل تكلفة بشرية ممكنة.
ومن خلال اختبار أنظمة الأسلحة الجديدة في سوريا، فقد زاد الجيش الروسي عدد مبيعاته من هذه الأسلحة وقام بتحديث نفسه. وهكذا فقد أثبتت المهمة الروسية في سوريا أنَّها في حالة تأهُّب عسكري تقني مفيد من أجل الهجوم على أوكرانيا.
رابعًا: بوتين يتصرف بطريقة براغماتية ومرنة
تتميز الحرب السورية أكثر من أي صراع آخر بتغيير التحالفات. إذ إنَّ القوى المتدخِّلة لا تلتزم بتحالفات طويلة الأمد، بل تدخل في تحالفات مصالح قصيرة الأمد من أجل فرض مصالحها الخاصة. وبوتين خبير في هذه اللعبة.
وبعد سنوات من التعاون الدبلوماسي مع الولايات المتَّحدة الأمريكية، أطلقت موسكو مبادرة جديدة في مطلع عام 2017 في العاصمة الكازاخستانية أستانا. فقد بات بوتين يراهن على التفاهم مع القوَّتين الإقليميتين إيران وتركيا، لأنَّ المحادثات مع واشنطن في عهد دونالد ترامب لم تكن مجدية، في حين أنَّ الأوروبيين، الذين لم تكن لديهم أية استراتيجية واستعداد للعمل، لم يكن لديهم على أية حال أي رأي في سوريا.
لقد تعيَّن على الأطراف المتحاربة الثلاثة الأكثر نفوذًا نزع فتيل الصراع من أجل زيادة فرص المفاوضات. وتحوَّل وقف إطلاق النار إلى "مناطق لتخفيف حدة التصعيد"، ولكنها مع ذلك لا تستحق هذا الاسم لأنَّ روسيا وإيران واصلتا القتال إلى جانب الأسد مثل السابق، في حين فتحت تركيا في مطلع عام 2018 جبهةً أخرى ضدَّ الأكراد في شمال سوريا.
ووجد بوتين في الرئيس التركي إردوغان شريكًا في الصراع. فهما يلعبان كلاهما بِرهانات عالية في سوريا ويحبان الإيماءات الدرامية، ولكنهما قادران عند الضرورة على الحفاظ على برودة أعصابهما. أدار إردوغان ظهره لصديقه السابق بشار الأسد في بداية الانتفاضة السورية وبات يُموِّل الميليشيات الإسلامية منذ سنوات - وبالتالي فإنَّ تركيا وروسيا يقفان في الصراع على جانبين متعاديين.
وعلى الرغم من ذلك فهما يتعاونان. ففي إدلب وعد بوتين بوقف خطط استعادة الأسد سيطرته عليها حتى لا يستمر ملايين النازحين داخليًا في مواصلة نزوحهم باتجاه تركيا، بينما كان من المفترض أن يتولى إردوغان إحتواء الجهاديين. ولكنهما لم ينجحا. وفي شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد، يقوم الجنود الروس والأتراك بدوريات مشتركة من أجل الحفاظ على المنطقة العازلة بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية. ولكن كثيرًا ما تقع هنا أيضًا اشتباكات.
وهذه العلاقة شديدة التعقيد وكثيرة التوتُّرات بين الحاكمين المستبدين تسير فقط لأنَّهما يُفكِّران بطريقة براغماتية للغاية. وهكذا يحُول بوتين وإردوغان بانتظام دون تأثير الاشتباكات العسكرية في مكان ما على علاقاتهما في أماكن أخرى داخل سوريا. ومن هذه الناحية فإنَّ الغزو الروسي لأوكرانيا هو مجرَّد اختبار تحمُّل تم التدريب عليه جيدًا بالنسبة لهما. وحقيقة تزويد تركيا الجيش الأوكراني بطائرات قتالية من دون طيَّار ضدَّ الاعتداءات الروسية لن تغيِّر شيئًا في العلاقات المتناقضة ولكن المستقرة بين موسكو وأنقرة.
وبعد أحد عشر عامًا من الحرب في سوريا، أصبح بوتين في وضع مريح: حيث يوجد في دمشق حاكم خاضع له في تبعية المعترف بالجميل وستتجه إليه مرة أخرى أجزاء كبيرة من العالم. ولذلك فإنَّ مصالح روسيا في الشرق الأوسط تبدو مضمونة.
أما الوضع في أوكرانيا فمختلف تمامًا: إذ يوجد في كييف رئيس يسعى إلى قيادة بلاده نحو الغرب. والفرق الأكبر بين النزاعين بالنسبة لبوتين هو عامل الوقت - ففي سوريا يعمل الوقت لصالحه بينما يعمل في أوكرانيا ضدَّه. ولهذا السبب فقد تحرَّك الآن - بشكل حازم ووقح وواثق من أنَّ الغرب لن يتدخَّل في أوكرانيا تمامًا مثلما فعل في سوريا.
كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022